رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثقافة القوية والخصوصية المصرية

لاشك أن من بين أهم مواصفات الثقافة الفاعلة القوية قدرتها على السيطرة على الثقافات الضعيفة حولها ، وإن ما يحدث من استيعاب ثقافة قوية لأخرى ضعيفة يعد أمرًا منطقيًا ، حيث تزداد سيطرة الأولى بما تملكه من معرفة وتكنولوجيا تؤثر في عقول ووجدان الآخرين .
نعم ، فالثقافة قوة فاعلة من قوى البناء الحضاري في مدلوله الشامل، الفلسفي والأدبي، السياسي والاجتماعي، الاقتصادي والتنموي. والثقافة طاقةٌ للإبداع في شتى حقول النشاط الإنساني، ثم إنّ الثقافة البانية الهادفة الفاعلة، لابدّ وأن تكون في خدمة السياسات التي تتجه نحو ترقية وجدان الإنسان، وتهذيب روحه، وصقل مواهبه، وتوظيف طاقاته وملكاته في البناء والتعمير، والتي تعمل من أجل تحقيق الرقيّ والتقدّم والرخاء والازدهار.
لقد أصاب الدكتور جمال حمدان في رؤيته للثقافة العامة عند المصريين عندما قال : إن الشعب المصري هو من أكثر الشعوب تجانسًا ووحدة في الأصول الجنسية والتكوين البشري وأقربها إلى فكرة الأمة المثالية ، فالمسلمون والأقباط كما قال وأكد على ذلك عباس العقاد سواء في تكوين السلالة القومية ، ولا فرق بين هؤلاء وأولئك في الأصالة والقدم عند الانتساب إلى هذه البلاد ..
وهناك قصة طريفة ، وهي في الوقت نفسه حدوتة واقعية عميقة في معناها ومغزاها ، يرويها لنا د. شوقي ضيف في كتابه الجميل " معي " .وقد وقعت هذه القصة نحو سنة 1930 ، أي بعد وفاة سعد زغلول بثلاث سنوات ، .يقول " : سألت امرأة ريفية زوجها بعد أن عاد من الانتخابات .. انتخبت سعد زغلول أم عدلي يكن ؟
وكأنما كان قد استقر في أذهان بعض أهل القرى الريفية بأن من يذهب إلى الانتخابات إما أن ينتخب سعد زغلول برغم وفاته ، وإما أن ينتخب عدلي برغم اعتزاله للعمل السياسي ، وأجاب الرجل زوجته مازحًا أو غير مازح : انتخبت عدلي ، وفوجئ الزوج بزوجته تستر وجهها من دونه وتقول له : لقد أصبحت محرمة عليك ولم تعد زوجي ، وعبثًا حاول الزوج أن يصحح لزوجته القروية فكرتها ، فقد ظلت تجادله طويلاً معتقدة أنها أصبحت مطلقة ومحرمة عليه ، ولما أعياه إقناعها خرج فبحث عن مأذون القرية حتى وجده وأتاها به ، فأقنعها بخطئها وخطأ ما ظنته من مفارقة زوجها لدينه " .
ويعلق "د.ضيف" " لعل في ذلك ما يصور من بعض الوجوه كيف أن الانتماء لسعد زغلول قد تزايد في نفوس بعض أهالي الريف البسطاء حتى ظن بعضهم أن هذا الانتماء هو جزء من الدين الحنيف على نحو ما ظنت تلك المرأة الريفية الساذجة " .
إن الحفاظ على الهوية الثقافية للمواطن المصري والذي عملت قوى الشر منذ أكثر من 80 سنة على تغييرها ، بل ومحوها هو لب عملية التربية بمعناها العام.