رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العيد قد يكون غير سعيد

العيد يشبه الحرب، حسب عالم الاجتماع الفرنسى روجيه كايوا، الذى أشار فى كتابه «الإنسان والمقدس» إلى أنهما مناسبتان لتبديد ما تم ادخاره. والكلام صحيح نسبيًا، لأن ما تلتهمه الجموع فى يوم العيد يكفى لإطعامها أسابيع، وما تتكلفه الحرب فى بضع ساعات، يمكن أن يضع حدًا لبؤس آلاف البشر. وفى الحالتين، تمتد الأرجل عادةً لأبعد من مساحة اللحاف.

طبيعى أن تتضاعف الخسائر، لو اجتمع العيد والحرب، كما حدث ويحدث، منذ سنوات، فى العديد من الدول العربية والإسلامية. لكن ما لفت نظرنا، هذا العيد، هو أن الإرهابيين فى أفغانستان كانوا أقل فجاجة، أو أكثر آدمية، من الإسرائيليين فى الأرض المحتلة ومن الحوثيين فى اليمن ومن الإخوان حيثما كانوا. إذ أعلنت حركة «طالبان»، الإثنين الماضى، عن وقف إطلاق النار خلال أيام عيد الفطر. وهو ما تجاوب معه الرئيس الأفغانى أشرف غنى، وأمر القوات الحكومية بـ«احترام» تلك الهدنة، وحث الحركة على إعلان هدنة دائمة، لطى صفحة الحرب.

تسيطر حركة «طالبان» الآن على أكبر مساحات من الأراضى منذ أن أطاحت الولايات المتحدة بحكمها سنة ٢٠٠١، وقامت الحركة بتكثيف هجماتها وتفجيراتها، بعد التوقيع على اتفاق الدوحة، وبدء انسحاب القوات الأمريكية من البلاد. وجاء الإعلان عن الهدنة، هدنة العيد، بعد انفجار عدة قنابل خارج مدرسة للفتيات فى العاصمة كابول، أسفرت عن مقتل ٥٠ وإصابة عشرات. وبينما نفت الحركة مسئوليتها عن الحادث، اتهمها الرئيس الأفغانى بشكل مباشر، فى بيان رسمى.

فى أول أيام عيد الفطر، منذ سبع سنوات، الموافق ٢٨ يوليو ٢٠١٤، استمرت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، بعد أن رفضت تل أبيب مقترح الأمم المتحدة بهدنة إنسانية ووقف المعارك لمدة ٢٤ ساعة، قبلتها الفصائل الفلسطينية. ووقتها، قالت إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، إن أكثر من عشرين ألف مسكن فلسطينى فى القطاع، تم تدميرها بشكل كلى أو جزئى جراء القصف الإسرائيلى المتواصل لمدة ٢١ يومًا دون انقطاع.

لن تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية هذا العيد، أيضًا، بعد عدم التجاوب مع تحركات مصر المكثفة، خلال الأيام الماضية، ومع عدم تلقيها ردًا إيجابيًا على الرسائل التى نقلتها إلى إسرائيل وكل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة والمعنية، من أجل التهدئة ومنع تدهور الأوضاع. بل إن تور وينسلاند، مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط، يُحذر من أن العنف المتصاعد سيفضى إلى حرب شاملة. وفى حسابه على «تويتر»، كتب المتحدث باسم جيش الاحتلال أن رئيس الأركان شدد على ضرورة استعداد كل الوحدات «لتوسيع المعركة دون قيود زمنية».

من المفترض أن يكون مجلس الأمن قد عقد جلسة طارئة جديدة، أمس الأربعاء، هى الثانية خلال ٣ أيام، والأرجح هو أنها لن تسفر عن شىء كسابقتها، بسبب «الفيتو» الأمريكى. ولأن شر البلية يكون مضحكًا عادة، نعتقد أنك ستضحك حين تعرف أن جورج نول، رئيس وحدة الشئون الفلسطينية بالسفارة الأمريكية فى القدس، سلّم، الإثنين الماضى، رسالة من الرئيس جو بايدن إلى الرئيس الفلسطينى محمود عباس، شدّد فيها على «ضرورة تهدئة الأزمة الحالية».

ليس ذلك فقط هو المضحك، بل ما قد يستوجب مزيدًا من الضحك هو أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى، قال إن تلك الرسالة «جاءت ردًا على رسالة تهنئة تلقاها بايدن من عباس بمناسبة فوزه فى الانتخابات، فى وقت سابق». وحتى تتضح الصورة، أو النكتة، نشير إلى أن الرئيس عباس هنأ نظيره الأمريكى مرتين، الأولى فى ٨ نوفمبر ٢٠٢٠، بعد إعلان النتائج غير الرسمية، والثانية فى ٢٠ يناير الماضى، يوم التنصيب. ما يعنى أن الرد جاء بعد ٦ أشهر من الأولى و١٢٠ يومًا من الثانية، مع أن عباس أعرب، فى الرسالتين، أو التهنئتين عن تطلعه للعمل مع الرئيس بايدن وإدارته من أجل تعزيز العلاقات الفلسطينية الأمريكية.

مع الحروب التى تشهدها المنطقة، والاعتداءات الإسرائيلية، و«كورونا المستجد»، ربما تكون طهران هى الأكثر احتفالًا بعيد الفطر، لأن «أخطاء إسرائيل الفادحة فى القدس تفيد إيران فقط»، وتحت هذا العنوان كتب روجر بويس فى جريدة «التايمز» البريطانية موضحًا أن «إسرائيل أخطأت حين وقعت فى فخ من صنعها»، وأن «أحداث هذا الأسبوع ستعرقل محاولات بناء أرضية مشتركة بين إسرائيل والدول العربية».

.. وأخيرًا، تقول الأسطورة إن الإله «ساتورن» حين أصبح إنسانًا، لجأ إلى منطقة لاتيوم فى إيطاليا، وتجمع الناس حوله ثم نصّبوه ملكًا. ولما أرادت روما تكريمه، أقامت مهرجانات وأعيادًا، كثر فيها الفحش والمجون، وشهدت ولائم فخمة، واستعاد فيها العبيد حريتهم وعصوا أوامر سادتهم، وتوقفت المدارس والمحاكم والعقوبات والأعمال بأنواعها. وكل عام وأنتم بخير!