رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في رحاب المساجد (الحلقة٤)

لُقب بـ«شيخ المداحين».. قصة مسجد صاحب «البُردة» الإمام البوصيري (فيديو)

مسجد البوصيري بالإسكندرية
مسجد البوصيري بالإسكندرية

«مُحمد سيد الكونين والثقلين.. خير الفريقين من عرب ومن عجم، هو الحبيب التي ترجى شفاعته.. لكل هول من الأهوال مقتحم» أبيات من قصيدة البُردة التي كتبها وأنشدها الإمام البوصيري، متشفعًا بالرسول ميقنًا بالاستجابة، لتصبح علامة من الكرامات، يتشفع بها الكثير من المسلمين، ويصبح صاحبها وشاعرها شيخًا للمداحين.

من داخل ميدان المساجد ترصد “الدستور” مع آخر أيام شهر رمضان الحلقة الرابعة والأخيرة من حلقات في رحاب المساجد، بسيرة الإمام البوصيري صاحب «البُردة» وقصة بناء المسجد الذي تخطى الـ150عامًا، و الذي يعد أقدم المساجد في الميدان.  

 

•سيرة الإمام البوصيري

يقول الشيخ جابر قاسم، نائب عام الطريقة البيومية الأحمدية، المسؤول عن الأضرحة والحضرات الصوفية بالإسكندرية، إن الإمام البوصيري، هو أحد أولياء الله المقربين، وعباده المخلصين، واحد فحول الشعراء الموهوبين، وإعلام الادب البارزين، هو شرف الدين ابو عبد الله محمد بن سعيد بن محسن بن عبد الله بن صنهاج، نسبة الي صنهاجة من بلاد المغرب، بن هلال الصنهاجي، ولد بناحية دلاص حاليا تتبع مركز ناصر بمحافظة بني سويف، في أول شوال عام 608ه‍، ووالده من مدينة ابوصير أحد قرى صعيد مصر ونسب إليها واشتهر بها فسمي البوصيري، حفظ القرآن وبعض المتون في النذر والنثر وتتلمذ على يد أبي حيان أبي الفتح بن سيد الناس اليعمري الاشبلي المصري الاندلسي، صاحب كتاب « عيون الأثر في سيرة سيد البشر»، والعز بن جماعة الكناني الحموي أحد قضاة مصر، وغيرهم.

وأضاف أنه لما سمع عن أبو العباس وما اشتهر به من الولاية والتحقق في علوم الشريعة، رحل عن بلبيس التي كان يعمل بها إلي الإسكندرية، وصحب القطب ابا العباس المرسي ولازمه وأخذ عنه، وسلك المنهج الشاذلي وانقطع إلى التصوف فظهرت عليه بركاته، ورزقه الله وعلما وورعا وولاية، ففاضت منه القصائد التي لقيت قبولا عظيمًا لدى جمهور العلماء والمشايخ، ثم نهج في شعره نهجًا آخر ، فنظم قصائده في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار متصوفًا مداحًا لحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، وشغف يطلب القرب فحفته العناية الربانية فأجاد في شعره حتى صار لا يباري، ورفع الله صيته في الخافقين، وتوفي في الإسكندرية عام 695، ومن أشهر قصائده؛ قصيدة البراءه، وسميت  ب«البُردة» وعدد آبياتها مائة وستون بيتا، جمعت في فصولها بين مدح الرسول وجهاده والتوسل به.


•الأقدم في ميدان المساجد

ومن جانبه يقول الدكتور إسلام عاصم، أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر والإرشاد السياحي، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، إن مسجد البوصيري يعد هو الأقدم في المساجد المقامة حاليا بميدان المساجد، حيث يأتي في المرتبة الأولي في الاقدمية، ثم مسجد ابو العباس، وقبة المحمدات، ثم ياقوت العرش.

وأضاف لـ« الدستور» أن المسجد ينسب للإمام البوصيري، وهو شرف الدين، وكنيته ابو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد ويمتد اسمه إلى الصنهاجي، نسبة إلى صنهاجة بالاندلس، حيث أصول العائلة من المغرب، وانتقلوا إلى مصر وسكنوا فيها، ولد في قرية دلاص ببني سويف، بالقرن الثالث عشر، 1213، وتوفي في الإسكندرية عام 1299، وكان معاصر لأبو العباس، وأطلق عليه البوصيري نسبة إلى عائلة أحد والديه من قرية ابو صير، وهناك من يطلق عليه الأباصيري، والدلاصيري أيضًا نسبة إلى دلاص التي ولد فيها.

وأوضح أن البوصيري عمل في جباية الضرائب في بلبيس بالشرقية، ولم يعجبه العمل بها حيث رأى وقوع ظلم على الناس فترك العمل، وتوجه إلى الإسكندرية، وتعرف على أبو العباس، وتتلمذ على يديه، وكان يحضر حلقات الدروس في مسجد العطارين التي كان يلقيها ابو العباس والشاذُلي.


• أكمل النبي قصيدته

وأشار « عاصم» إلى أن أهم ما حقق شهرة كبيرة للإمام البوصيري وجعل مسجده مشهورًا هي قصيدة الكواكب الدورية في مدح خير البرية، واشتهرت ب«البردة» والتي تعد من الكرامات، لما لها من كرامة له، لأن هذا الرجل أصيب بشلل نصفي في حياته، وحاول أن يتوسل للرسول بإنشاد قصيدة في مدحه راجيًا الله أن يشفيه، ووقف في جزء من القصيدة ولم يكمله وهو «فمبلغ العلم أنه بشر»، ولم يعرف استكمال الشطر الثاني من هذا البيت، وعندما نام رأى رؤية أنه يرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وينشد القصيدة أمامه ووقف عند البيت الذي لم يكمله، فالرسول طلب منه أن يكمل فأبلغه البوصيري أنه لا يستطيع أن يكملها فأكملها له الرسول وقال له أكمل «فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم»، ثم قام ومسح عليه وألقي الرسول عليه بردته، فعندما استقيظ البوصيري من النوم كان قد شفاه الله من الشلل النصفي.

وتابع «عاصم» بأنه يقال عندما خرج البوصيري من منزله بعد المرض قابل شخص صوفي فقال له انشد لي القصيدة، ولم يكن يعرفها أحد فقال له أنا رأيتك وانت تنشدها أمام  الرسول  امس، واشتهرت قصيدة البردة بشدة وتعتبر أحد كرامات الامام البوصيري، وعندما وصل صداها إلى الوزراء وعلية القوم في هذا الوقت، طلبوا منه كتابتها لهم ليتشفعوا بها، وكان من بينهم بهاء الدين وزير السلطان بيبرس البندقداري.

• قصة بناء المسجد

يذكر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، أن سعيد باشا ابن محمد على باشا، كان يبني قصر من القصور وكان متعارف أنه يوضع على باب القصور أبيات من قصدائد، واختار مشيد القصر بيت من أبيات قصيدة البُردة يقال فيه، «إذا سخر الإله أناسا لسعيد فأنهم سعداء» ، وعندما رائها سعيد باشا، وسأل عن مصدر البيت تم إخباره إنها من قصيدة الإمام البوصيري فتوجه إلي مقابر باب البحر مكان ميدان المساجد، ورأي ضريح البوصيري وقرر أن يبني له مسجدًا، وكان مكان الضريح زاوية صغيرة.

وأوضح الدكتور إسلام عاصم، أن أول من أنشأ مسجد فوق ضريح الإمام البوصيري كان يحى باشا، عام 1743 وكان زاوية صغيره، وتم تجديده عام 1765في عهد  محمد باشا أحد ولاة مصر وأقام به سبيل، وفي 1853 أقام سعيد باشا المسجد  الموجود الأن على الطراز العثماني، حيث نظام الحرم المكشوف، وبالداخل بيت الصلاة المغطى، وكان الافتتاح عام 1857 ووضعت البُردة كلها مكتوبة على الافريز بالمسجد.

وأشار إلى أنه تم تجديد المسجد اكثر من مرة ومازالت اللوحة التأسيسة موجودة على باب المسجد مذكور فيها اسم سعيد باشا وكتبت باللغة العثملية، أو التركي القديم، و كان هناك  تجديدات أخري واضافات في عهد الخديوي توفيق، والخديوي عباس حلمي الثاني، عام 1274 هجري 1857 ميلادي.


•كرامات شيخ المداحين

قال الشيخ أحمد علي درويش، إمام وخطيب مسجد البوصيري، إن ميدان المساجد الذي يقع فيه المسجد هو تحفة معمارية، ومنة إلهية لأهالي الأسكندرية وللمسلمين عامة، حيث يقصده المسلمين من جميع أنحاء العالم.

وأضاف لـ«الدستور» أن الإمام البوصيري، ترك عمله في منصب كبير ليتجه إلى تعليم القرآن، حيث كان يعمل في أحد المناصب في مدينة بلبيس بالشرقية، وكان ينصح الناس الذين لا يتقنوا في عملهم، فلم يجد نفعًا للنصح، فأستقال من وظيفته، ورجع إلى صعيد مصر يعلم الأطفال القراءة وحفظ القرآن، فسمع عن الإمام أبو العباس المرسي، فجاء ليتتلمذ على يديه.

وتابع أن الله مّن على الإمام البوصيري بكتابة الشعر، واهم ما كتب قصيدة البُردة، التي انقسمت بين شقين سائل ومجيب، والتي اكمل أحد ابياتها الرسول صلى الله عليه وسلم في رؤية للإمام، مشيرًا إلى أن  تلك الرؤية الكل يشهد بها، ولا نرى بلد من البلاد إلا و يقرأ البُردة بصفة دائمة، والله كتب لها القبول، وقصيدة البُردة الكثير من الشعراء أقاموا عليها معارضات واقتباسات كثيرة في القافية الشعرية مثل الشاعر احمد شوقي، ومحمود سامي البارودي، لتصل إلى أكثر من 70معارضة، وقيل إن الشاعر احمد شوقي كان مريضًا وذهب إليه بعض المشايخ فقرؤا عليه البردة ليشفيه الله في اليوم التالي مباشرة، فقال إنه حبًا في قصيدة البردة سيصنع عليها معارضة وهي « نهج البردة».


•رؤية إمام المسجد

أشار إمام مسجد البوصيري، إلى أنه خلال عمله تعرض للكثير من المواقف من مصريين أو غير مصريين، أظهرت لما للبردة من كرامات، وما سألنا الله سبحانه وتعالي شيئًا إلا واكرمنا.

وروى« درويش» أنه على المستوي الشخصي أيضًا، له موقف مع مسجد البوصيري، حيث رأي  رؤية في المنام انه في هذا المكان، ولم يكن يعرف المسجد أو قام بزيارته من قبل، قائلًا:« كنت اكتب في ليلتها قصيدة في حب النبي، فرأيت في الرؤية انني في ذلك المسجد بجميع تفاصيله، واجلس على مقعد بداخله، وشخص يناديني يا أحمد يا أحمد، واستيقظت في اليوم الثاني مباشرة، ليتم استدعائي في مديرية الأوقاف، لأمر عاجل، فأبلغوني بأنني وقع على الاختيار لأكون إمام مسجد شيخ المداحين الإمام البوصيري، وعندما دخلت المسجد رأيت ما رأيته في الرؤية، ولم أكن قد دخلت المسجد من قبل، فأنا من مدينة طنطا، واول ما عُينت كان مسجد بمنطقة محرم بك، وعرفت أن الشخص الذي كان يناديني هو الإمام البوصيري ليبشرني بأنني سوف أصبح إمام المسجد».

received_156152659786837
received_156152659786837
received_145064380970206
received_145064380970206
received_4647030145323496
received_4647030145323496
received_3976828155703904
received_3976828155703904
received_573623810268354
received_573623810268354
received_765834434294180
received_765834434294180
received_1048750532322949
received_1048750532322949
received_3559210664303580
received_3559210664303580
received_320930872726731
received_320930872726731
received_3053461114891078
received_3053461114891078
received_475855577007615
received_475855577007615