رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عباس حلمي.. لماذا وصفته زوجته بأن الماء لا يتسرب من أصابعه؟

عباس حلمي الثاني
عباس حلمي الثاني

حتى الآن مازالت بعض أحياء القاهرة تضم عمارات من أطرزة متعددة اسمها "عمارات الخديوي"٬ وكلها أنشئت لحساب الخديوي "عباس حلمي الثاني"٬ الذي كان تاجرا ناجحا ومستثمرا عبقريا٬ يعرف كيف يكسب القرش وكيف يحافظ على المليم٬ فقد كان شرها في قبض النقود٬ بخيلا في صرفها٬ لدرجة أن زوجته الأوروبية وصفته فقالت: “إنه كان من النوع الذي لا يتسرب الماء من بين أصابعه”. 

يتابع الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسي٬ في كتابه "هوامش المقريزي .. حكايات من مصر" والصادر عن دار الكرمة: "وبدأب شديد نمي الخديوي الشاطر ثروته واستطاع بجهده٬ أن يملك تفتيش إدفينا وتفتيش الإسماعيلية٬ وكانت كلها أراضي جرداء٬ لكن مركز الخديوي ومكانته وسلطة الدولة منحته فرصة دائمة لكي يجد فلاحين فقراء يقبلون العمل بأي أجر٬ وغالبا بلا أجر٬ لكي يحيلوا الأراضي الصحراوية والملحة إلى أرض خصبة يأكلون منها ما يعينهم على مجرد الوجود٬ ويكسب منها جلالته ما يمكنه من السياحة في بلاد العالم والتمتع بكل خيراته وملذاته. وبلغ من بخل جلالته أنه كان يرفض إعطاء الملابس القديمة للفقراء من أتباعه٬ بل أمر بتركيب بطانات ورقع جديدة لبعضها لكي يلبسها.

وكان يكثر من ترديد عبارة: "إنني أعرف كيف أحافظ على المال"٬ ويبالغ في الاهتمام بمشاريعه العمرانية والتجارية٬ ويضع في بداية كل عام ميزانية لمشروعاته المعمارية في القاهرة٬ وبمقتضي تخطيط طويل الأمد٬ حرص على أن ينشئ في كل عام عمارة٬ حتى أصبح يمتلك أحياء بأكملها٬ وكان يخرج في بعض الليالي في المساء متنكرا مع زوجته للإشراف على ما تم من البناء٬ فيصعد أفندينا السقالات٬ ويتنقل فوقها بخفة مدهشة٬ وكان إذا مر على عمارة أدرك عيوبها على الفور٬ ساعتها كان يصدر أوامره للمهندسين والمقالولين بما ينبغي عليهم عمله.  

ويلفت صلاح عيسى إلى أنه: ولأن مال الكنزي للنزهي٬ فإن ما سفحه عباس باشا من دم الشعب المصري٬ كان يتبدد على بعض يد المحيطين به٬ ومنهم زوجته الأوروبية التي أدركت مدى بخل زوجها٬ وكانت تتعامل معه بفهم ذكي لسيكلوجية الرجل البخيل٬ الذي يهتم عادة بالتفاصيل أكثر من اهتمامه بالكليات٬ ويزعجه المليم أكثر مما يزعجه القرش٬ فقد كان ينزعج بشدة إذا ما اشترت ــ وهما في باريس ــ زهورا بخمسة فرنكات٬ ويسعد إذا ما أخذت الزهور بلا مقابل٬ وسرعان ما أدرك أصحاب بيوت الأزياء بباريس اللعبة٬ فإذا حط الركب الخديوي السعيد رحاله في بلد النور٬ تقاطروا يعرضون ما لديهم من قبعات وفساتين وعطور٬ وأهدوا الخديوي زوجته زهورا مجانية٬ كان الخديوي يسعد أنها بلا ثمن٬ فلا ينتبه لما تطلبه الزوجة من ملابس ومهمات٬ ولأن أصحاب محلات الأزياء كانوا خواجات ومن النوع الذي تمرس على نهب أموال الشعوب الفقيرة التي يبددها حكام شديدو السفاهة٬ فقد أدركوا على الفور أن الخديوي من النوع الذي تزعجه المفردات أكثر مما يزعجه المجموع الكلي٬ كان لا يهمه مثلا أن يدفع مائة ألف فرنك ثمن ملابس لزوجته٬ ولكنه إذا قرأ في الفاتورة أن أحد الفساتين يساوي 875 فرنكا فإنه يرى أن هذه الفرنكات زيادة عن اللزوم٬ وبالاتفاق مع الزوجة الأوروبية الأصل كانوا يضعون أثمان المفردات دائما بالبنط الصغير جدا بحيث لا يراها الخديوي٬ فيدفع المجموع الكلي من دون ألم٬ تاركا الشقاء للفلاحين الفقراء٬ يصلحون له الأرض لتبددها عصابات الخواجات.