رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«قصة الشهيد».. محمد مبروك يحاكم الإخوان من قبره

محمد مبروك
محمد مبروك

كانت تجلس إلى جوار زوجها المصاب بالشلل، وكان النعاس واضحًا عليها، لذلك طلب منها زوجها أن تخلد للنوم، غير أن جرس الهاتف قطع هذه اللحظات، وكان على الهاتف عبدالله خطاب، عم ابنها وشقيق زوجها، سألها عن «محمد» فصمتت برهة، وسألته عن مناسبة سؤاله، فتلعثم، فأخبرها بأنه يسأل فقط، ولكن قلب الأم استشعر أن هناك أمرًا ما، فعادت تسأله: «فيه إيه يا عبدالله؟»، فلم يجب، ثم طلب منها أن تتصل بابنها، وأحست بأن هناك شيئًا ما، فقامت بالاتصال بالفعل، ورد عليها أحد الضباط بقوله «محمد مشغول»، وهنا صاحت: «محمد مات.. ابنى مات»، وسقطت مغشيًا عليها، بينما الأب المصاب بالشلل راح فى حالة من الهستيريا.

هكذا كانت لحظات «الألم الكبير» فى بيت الشهيد العقيد محمد مبروك السيد خطاب، الضابط بجهاز الأمن الوطنى، حين علمت الأم باستشهاده غدرًا على أيدى الجماعة الإرهابية، عام ٢٠١٣، حسبما يروى الكاتب الصحفى مصطفى بكرى فى كتابه «الوصية»، الصادر عن دار المعارف، ويحكى فيه قصة الشهيد مبروك بتفاصيلها الدقيقة.

كان المقدم محمد مبروك- الضابط بجهاز الأمن الوطنى- واحدًا من أهم كوادر هذا الجهاز، وكان مسندًا إليه متابعة جماعة الإخوان فى ظل عمله بجهاز مباحث أمن الدولة السابق قبل تفكيكه واقتحام مقاره فى جميع أنحاء الجمهورية. 

كان محمد مبروك يشعر بجرح غائر بسبب ما آلت إليه أحوال البلاد من أزمات أدت إلى انهيار جهاز الشرطة، وكان فى غاية الحزن من حرب الإثارة التى كان يشنها الإعلام ضد هذا الجهاز، الذى شكَّل حلمه منذ الصغر، كان يعرف كيف يؤدى رجاله عملهم بإخلاص على حساب أسرهم وعائلاتهم، وكان يعزُّ عليه أن يشاهد زوجته «رشا» وأبناءه زينة «١٢ سنة» ومايا «١٠ سنوات» وزياد «٦ سنوات»، وهم يسألونه: لماذا أصبح الناس يكرهون رجال الشرطة وعائلاتهم؟.

أدرك محمد مبروك يقينًا أن البلاد تتعرض لمؤامرة كبرى، وأن هدم جهاز الشرطة هو صنيعة إخوانية صرفة، لكنه كان يعرف أن أحدًا لن يستمع إلى كلماته فى هذا الوقت.. كان يقول لأسرته دومًا: «المهم أن تبقى مصر، مهما كان الثمن، حتى ولو كان الثمن أرواحنا جميعًا». 

فى هذا الوقت كان محمد مبروك يبلغ من العمر أربعين عامًا، لقد حقق أمنيته فى الالتحاق بكلية الشرطة منذ زمن طويل، كان الابن الوحيد والمدلل لوالده مبروك خطَّاب الذى أصيب بالشلل، بعد أن كان يعمل مستشارًا للشئون القانونية بوزارة الأوقاف، وكانت والدته الحاجة روحية تحنو عليه كثيرًا، وتشعر بأن الله منَّ عليها به بعد طول انتظار، وكانت تعمل مدرسة فى هذا الوقت. 

كان محمد مبروك مرتبطًا بوالديه إلى أقصى حد، تزوج من الشابة «رشا» التى تعرف عليها بالصدفة، والتى أحبته بكل جوارحها، وتحملت عبء تربية الأبناء، فى وقت كان فيه زوجها منهمكًا فى عمله منذ الصباح حتى وقت متأخر من المساء. 

كانت رشا الأم، تحل مشكلاتهم، وتتابع أحوالهم المدرسية، وكانت بارة بوالدَىْ زوجها، فتتزاور معهما هى والأولاد بشكل مستمر، وحتى فى أعياد الميلاد كانت دومًا تصر على أن تتم فى بيت الحاج والحاجة، وكان محمد مبروك يقول لها دومًا: «أنا ورايا راجل».

كان محمد مبروك طيبَ القلب، يؤدى الصلوات فى مواعيدها، ويرقُّ لحال الفقراء الذين يلتقيهم فى الشارع.. كانت أجمل لحظات حياته عندما ذهب لأداء فريضة الحج مع والديه وزوجته فى عام ٢٠١٠. وكانت أصعب اللحظات التى واجهته عندما علم صدفة أن والدته قد أصيبت بالسرطان.. لقد صممت والدته على إخفاء الخبر عنه، بعد أن جرى اكتشاف المرض فجأة ودون سابق إنذار، ساعتها طلبت من زوجها ألا يعلم نجلهما الوحيد محمد بالأمر، لأنها تعرف مدى حبه لها، وقلقه عليها. 

عندما علم محمد مبروك بالأمر، ترك كل شىء، وذهب إلى منزل والديه مسرعًا، وظل يحضنها ويبكى، غير مصدق، وكان عاتبًا على والده أنه لم يبلغه بالمرض، فكانت الأم تخفف من حزنه وتقول له، إنها كانت السبب وراء إخفاء الخبر عنه، خوفًا عليه. 

خصص مصطفى بكرى فى كتابه فصلًا عن أسباب اغتيال «مبروك» تحت عنوان «شهادة المقدم مبروك فى القضية التى كانت سببًا فى اغتياله»، حيث يقول: «كانت القضية تحمل رقم ٥٦٤٥٨ لسنة ٢٠١٣ جنايات قسم أول مدينة نصر ضد ٣٦ من قيادات جماعة الإخوان أبرزهم محمد بديع ومحمد مرسى والكتاتنى والعريان، وأصدرت المحكمة حكمها بإجماع الآراء بمعاقبة كل من خيرت الشاطر ومحمد البلتاجى وأحمد عبدالعاطى بالإعدام شنقا ومعاقبة كل من بديع ومرسى والكتاتنى والعريان بالمؤبد»، واستند الحكم على بلاغات وشهادات وتقارير قدمها المقدم محمد مبروك وأيدها تقرير جهاز الأمن القومى.

ويضيف «بكرى»: «منذ بداية عمل مبروك بجهاز مباحث أمن الدولة (قطاع الأمن الوطنى حاليا) عام ١٩٩٧ اختص بمتابعة نشاط جماعة الإخوان المسلمين بوصفها جماعة محظورة، ووردت إليه معلومات من مصادر سرية، مفادها أنه منذ عام ٢٠٠٥ وفى أعقاب التصريحات الأمريكية التى أعلنت عما يسمى (الفوضى الخلاقة) والسعى لإنشاء (الشرق الأوسط الجديد)، قاد التنظيم الدولى للإخوان – الكائن خارج البلاد- تحركًا فى الداخل والخارج لإنفاذ تلك التصريحات، فأصدر توجيهاته لجماعة الإخوان بالتنسيق مع حركة حماس وحزب الله اللبنانى بمراقبة الأوضاع واستثمار حالة الغضب الشعبى على النظام لتنفيذ المخطط وذلك بإشاعة الفوضى وإسقاط الدولة المصرية ومؤسساتها بهدف الاستيلاء على السلطة بالعنف من خلال الاستعانة بعناصر قتالية من الحركة والحزب المشار إليهما سلفًا وأخرى منتمية لجماعة الإخوان سبق تدريبها بقطاع غزة».

ويواصل: «وفى إطار السعى لتنفيذ المخطط كلف التنظيم الدولى أعضاء الجماعة بالداخل بالسعى لإيجاد صلات قوية ببعض الحركات الإسلامية وأنظمة الحكم الأجنبية ووضع دراسات حول الأوضاع ببعض البلدان، ومن بينها مصر، وأمكن رصد محمد البلتاجى أثناء السفر لمدينة إسطنبول خلال مايو ٢٠٠٦ ولقائه أعضاء مجلس شورى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حيث أعلنت الحركة مبايعتها جماعة الإخوان، كما تم تكليف الكتاتنى وسعد عصمت الحسينى بالسفر لتركيا لحضور اجتماع مكتب الإرشاد العالمى بمدينة إسطنبول فى شهر نوفمبر ٢٠٠٧، وتم ضبط تقرير بوقائع الاجتماع ضمن مضبوطات المتهم محيى الدين حامد محمد فى القضية رقم ٩٠٩ لسنة ٢٠١٠ حصر أمن دولة عليا».

ويكشف «بكرى» أن «مبروك» تمكن من رصد لقاء جرى بالسعودية بين «الكتاتنى» وسعد عصمت الحسينى وأعضاء التنظيم الدولى بعدد من الدول العربية والآسيوية تحت مسمى رابطة الإخوان المسلمين بالخارج، كما تم ضبط وثيقة تنظيمية بمضمون الاجتماع ضمن مضبوطات المتهم عصام أحمد محمود.

وفى الإطار نفسه، تم تكليف سعد عصمت الحسينى وأيمن على سيد أحمد عام بالسفر لتركيا للمشاركة فى اجتماع اللجنة العليا لاتحاد المنظمات الطلابية العالمى، وتم خلاله استعراض خطة عمل التنظيم بالأقطار الداخلية ومن بينها مصر، وتوسيع دائرة الاستقطاب بين العناصر الطلابية، وتم ضبط وثيقة بمضمون الاجتماع ضمن مضبوطات مع المتهم سالف الذكر، أكدت قيام التنظيم الدولى الإخوانى عام ٢٠٠٨ بالتنسيق مع جماعة الإخوان بالداخل وحزب الله اللبنانى وحركة حماس بتشكيل مجموعات للتدخل المسلح داخل البلاد حال اندلاع الفوضى.

كما تم تسجيل لقاءات للمتهمين محمد مرسى العياط وأحمد محمد عبدالعاطى واتصالات هاتفية بينهما تضمنت تنسيقهما وأحد العناصر الاستخباراتية الأمريكية قبل أحداث يناير، لبحث مدى قدرة جماعة الإخوان على تحريك الأحداث فى الشارع المصرى.

وبعد استعراض هذه الوقائع وغيرها، أكد «بكرى» أن تقرير «مبروك» حوى الكثير من هذه الأسرار شديدة الخطورة، التى كان الشاهد عليها، ومن هنا قررت الجماعة الإرهابية استهدافه.

كان محمد مبروك يداوم على لقاء صديقه المقدم محمد عويس، الذى كان رئيسًا لوحدة مرور الوايلى فى هذا الوقت.. لقد جمعتهما علاقة صداقة وأخوة منذ التحاقهما بكلية الشرطة.. لقد كان المقدم محمد عويس دائمَ التطلع إلى المال والسلطة، وكان دائمًا يقول للمقدم محمد مبروك: «إنت بتتعِب نفسك زيادة عن اللزوم، ولا أحد سيقول لك شكرًا.. شوف مصالحك أحسن».. وكان مبروك يوجه له اللوم دومًا على كلماته. 

كانت علاقات المقدم محمد عويس متعددة بحكم عمله رئيسًا لوحدة مرور الوايلى، حيث يتوافد إليه يوميًا العشرات من علية القوم، وكان تامر العزيزى - أحد المتهمين فى قضية الاغتيال - واحدًا من هؤلاء الذين تعرفوا إلى المقدم محمد عويس، وتوطدت بينهما صداقة كبيرة.. لقد عرف تامر نقطة ضعف المقدم عويس، فبدأ يُغدق عليه بالهدايا ويقدمها إليه فى مناسبات متعددة نظير خدمات محددة، ورويدًا رويدًا، بدأ يصطحبه لحضور دروس دينية فى أحد المساجد المقربة من الجماعة. وقد كان تامر العزيزى عضوًا فى التنظيم، لكنه كان من المجموعات التى سُمح لها بالتحرك العلنى والتعامل مع العناصر التى يحتاج إليها التنظيم فى تسهيل بعض الأمور، والسعى تدريجيًا إلى تجنيدها وضمِّها. وكانت هناك علاقة تنظيمية تربط بين محمد بكرى - أحد المتهمين - وتامر العزيزى، وفى هذا الوقت التقى تامر العزيزى المقدم محمد عويس وبحضور محمد بكرى فى منزل صديقه محمد خليل فى التجمع الخامس، وقد جرى الحديث فى هذا الوقت على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية. 

يروى «بكرى»: «توثَّقت عُرى العلاقة بين محمد بكرى والمقدم عويس، وتكررت الزيارات بينهما بمقر وحدة مرور الوايلى... وفى ديسمبر ٢٠١٢ التقى محمد بكرى مجددًا المقدم عويس فى مكتبه ودار نقاش مطول بينهما حول تطبيق الشريعة، والطائفة الممتنعة، وأثناء احتساء الشاى، أفصح طارق بأنه يقوم بجمع معلومات عن ضباط بجهاز أمن الدولة السابقين، الذين عملوا فى عهد مبارك وخص منهم بعض الأسماء مثل: وائل مصيلحى ومحمد محمدين وأحمد سامح. وعلى الفور قام محمد بكرى بعرض صورهم التى يحتفظ بها على هاتفه النقَّال على المقدم محمد عويس، وطالبه بالمساعدة فى معرفة أرقام سياراتهم وماركاتها وعناوينهم مقابل مبلغ مالى كبير». 

تردد المقدم عويس فى الإجابة، إلا أن محمد بكرى استطاع إقناعه بأن هؤلاء كانوا يعادون الدين ويعذِّبون الشباب المسلمين، فقبل التعاون معه، ووعده بمعرفة عناوينهم وإبلاغها إليه، وقبيل أن ينصرف عرض محمد بكرى عليه صورة المقدم محمد مبروك، وهنا فوجئ المقدم عويس، وتساءل عن سبب جمع المعلومات عنه، فظل محمد بكرى يشرح له، كيف أوقع مبروك بكبار قادة الإخوان، والخطر الذى بات يشكله فى الوقت الراهن على الحركة الإسلامية بأسرها.. قال المقدم عويس: «أنا أعرف مبروك جيدًا، ولى علاقة شخصية به، ولكن لن أتورط فى أذيته». 

صمت الإرهابى محمد بكرى، لم يعلِّق على كلماته، سوى بالقول: «إحنا بنحمى دينا ونحافظ عليه، وعمومًا الخيار لك». قال المقدم عويس: «ولكن مبروك أقلع عن ذلك». فقال طارق: «بل هو ما زال مستمرًا فى الجهاز حتى الآن، ويُعَدُّ من الطائفة الممتنعة الواجب قتالها».

وفى الموعد المحدد للقاء، كان المقدم عويس يحمل معه كل المعلومات التى طلبها الإرهابى محمد بكرى عن ضباط الأمن الوطنى، بمن فيهم المقدم محمد مبروك.. لقد قدم له المقدم عويس جميع المعلومات عنه، وتحديدًا: عنوانه الحالى فى مدينة نصر، وأرقام هواتفه، وماركة سيارته ولونها ورقمها، ومواعيد خروجه وعودته، وصورته أثناء إفطار جماعى لدفعة خريجى كلية الشرطة، مع أنه كان على يقين بأن محمد مبروك أصبح هدفًا للتنظيم. 

كان محمد مبروك قد عاد إلى منزله بعدما زار والده ووالدته للاطمئنان عليهما، ثم سرعان ما غادر للراحة بعض الوقت، ورؤية أسرته. كان مبروك قد جلس مع زوجته، يتدبران أمور المنزل ويتحدثان عن أحوال الأبناء الثلاثة: زينة ومايا وزياد فى المدارس، والذين حضروا بعد ذلك لتناول الغداء مع والديهم، ثم دخل محمد مبروك إلى غرفة النوم ليخلد للراحة بعض الوقت.

التقت المجموعة الإرهابية فى نفس المقهى الذى التقوا فيه من قبل خلف مطعم «آخر ساعة» بمدينة نصر، كان هناك شخص آخر قد التحق بالمجموعة ويدعى «أبويوسف»، كان طارق قد تولى عملية تجنيده، وكانت مهمته فى هذا اليوم هى أن يقوم بتغيير لوحتَىِ السيارتين بعد تنفيذ العملية. كان طارق قد استعان باللوحتين اللتين قام المقدم محمد عويس بتغييرهما فى وقت سابق، وسلمهما لكى يتم استخدامهما فى العملية الإرهابية المرتقبة. لقد حضر أبويوسف إلى نفس المقهى بسيارته «النيسان» السوداء وجلس بالقرب من المجموعة التى ستتولى التنفيذ، يتابع تحركاتها عن بعد.

فى التاسعة والربع مساءً بدأت المجموعة تتحرك باتجاه منزل محمد مبروك فى شارع قريب من السراج مول بمدينة نصر، أوقف عمرو سلطان سيارته فى مواجهة منزل محمد مبروك لرصده ومراقبته، وقد كان بحوزته أكثر من جهاز موبايل فى هذا الوقت، وإلى جواره جلس أشرف ووسام، بينما توقفت سيارة التنفيذ فى آخر الشارع، وعلى بعد نحو مائة متر من العمارة التى تقع فيها شقته، أما أحمد عزت فقد كان ينتظر فى مكان آخر ليتولى كشف الطريق بعد تنفيذ العملية. 

كان الاتفاق يقضى بأن يعطى عمرو سلطان الإشارة لفريق التنفيذ بمجرد أن يهبط محمد مبروك من منزله، ليبدأ التحرك بعدها لتنفيذ عملية الاغتيال. كانت الحركة هادئة فى الشارع، ولم تكن هناك أى إجراءات أمنية أو رجال شرطة يتواجدون فى المنطقة التى يقطن فيها.. ودَّع محمد مبروك زوجته وأولاده، طلب منه نجله زياد أن يأتى له بالشيكولاتة وأن يسلمها للبواب، قبيل أن يذهب إلى عمله، ابتسم مبروك، وأومأ برأسه دليل الموافقة، ووعده بتنفيذ مطلبه قبل أن يغادر إلى عمله.. كانت زوجته رشا تشعر بانقباض شديد فى هذا اليوم، لم تعرف له سببًا، احتضنت زوجها، كما لم تحتضنه من قبل، ودَّعته أمام منزله وظل الباب مفتوحًا إلى أن غادر وهبط فى الأسانسير، ظلت تشير له بيدها مودعة إلى أن اختفى بعيدًا عنها.

أغلقت رشا باب شقتها، نظرت إلى صورته المعلقة على جدار الصالون، بدت كأنها تستعيد ذكريات زواجها من محمد، أمسكت بالهاتف، تحدثت مع والدته، اطمأنت على صحتها، وأبلغتها بأن محمد سوف يذهب إلى عمله بعد أن يُحضر الشيكولاتة التى طلبها نجله زياد.. بعد قليل توجه محمد مبروك إلى أحد المحلات القريبة من منزله، جاء بالشيكولاتة، وسلَّمها للبواب الذى طلب منه توصيلها إلى شقته، ثم غادر. 

ركب محمد مبروك سيارته، وعلى الفور اتصل عمرو سلطان بالإرهابى محمد بكرى، وقال له: «الهدف نزل من بيته، وعليك أن تتحرك نحوه فورًا»، وبسرعة البرق تحركت سيارة الإرهابيين المنوط بها التنفيذ، وفجأة وجدوا أنفسهم فى مواجهة سيارة محمد مبروك الذى كان يقود السيارة بنفسه ودون حراسة ترافقه. 

أصبحت سيارة محمد مبروك على شمال سيارة التنفيذ، ولم يكن ممكنًا أن يطلق فهمى وكيمو الرصاص عليه، لأنهما حتمًا كانا سيصيبان محمد عفيفى ومحمد بكرى الذى يتولى القيادة. كان محمد عفيفى ممسكًا بالكاميرا الديجيتال فى يديه داخل السيارة يستعد لتصوير عملية الاغتيال لإذاعتها فى وقت لاحق، لاحظ محمد مبروك أن هناك مَنْ يتربص به، حاول الفكاك سريعًا، فدخل فى أحد الشوارع الجانبية. 

كان هناك شارع يقع على يمين سيارة الإرهابيين، توجهوا نحوه بسيارتهم، ثم دخلوا باتجاه يمين فى يمين حتى يلحقوا بسيارة محمد مبروك. فجأة لمحوا السيارة المستهدفة، فطاردوها حتى أصبحوا على يسارها، وأصبحت سيارة الهدف على يمين سيارة المهاجمين.

وعلى الفور قام الإرهابيان فهمى وكيمو بإطلاق الرصاص على محمد مبروك من أسلحتهما الآلية، وتواصل الضرب لفترة من الوقت، حتى سقط مبروك شهيدًا بعد أن انهمرت على جسده نحو اثنتى عشرة طلقة فى صدره ورأسه ووجهه، هبط عمرو سلطان من سيارته، تأكد من وفاته، وغادر على الفور.

زفة الشهيد

وسلام عظيم لشهيد

رايح على الجنة

والدم حنى البدن

والدم مش حنة

يوم ما ناديتى يا مصر

كان أول الطالعين

يفدى بروحه ترابك

وهو من الراضيين

ميهمهوش لو مات

فى سبيلك ألف مرة

كل اللى يهمه إنك

تعيشى يا مصر حرة

تعيشى يا مصر حرة

تعيشى يا مصر حرة

العزف ع المزمار

والخيل يتمختر

وملايكة ع الصفين

لابسه حرير أخضر

والزفة زفة مين

زفة جدع أسمر

الزفة زفة مين

زفة جدع أسمر

مبروك شهيدك بطل

ومصر بيه تفخر

مبروك شهيدك بطل

ومصر بيه تفخر

بص فى عنينا

 

بص فى عنينا.. نقدر على الدنيا ولا تقدر علينا

روحنا فى إدينا.. ناسنا وترابنا وأرضنا بتتحامى فينا

على قلب واحد.. بركان تقرب ينفجر والجمر قايد

الحق واحد.. ماتجيبش نار جنب البارود وتصحى مارد

الأرض عرض الناس.. مايكفناش فيها

ورا كل بابا حراس.. واقفين بنفديها

الغدر كيده جبان.. عمره ما يتآمن

حالفين تعيش فى أمان.. مايعشلهاش خاين

خطوتنا ع الأرض دبت

دكت حصون الشر وإن عادت نعود

قلوبنا ع العزم شبت

بين الحديد والنار بنتولد ونموت

دم الشهيد مبروك.. هايعيش يقوينا

عارفين هدفنا.. طالعين بمصر من العوز عايزينها جنة

آخر كلامنا.. مقطوعة إيد كل اللى هايعطل عملنا

حراس أمانها.. كل الجحور فى الأرض دى عارفين مكانها

سايبين علامة.. نضرب ادينا فى التراب فتقوم قيامة

غريب ماتعرفناش.. إياك تعادى كبير

بيوتنا مادخلهاش.. غير كل قاصد خير

غموا عينيك وساقوك.. لحد بير النار

ما بين إدينا رموك.. تواجه الإعصار

خطوتنا ع الأرض دبت

دكت حصون الشر وإن عادت نعود

قلوبنا ع العزم شبت

بين الحديد والنار بنتولد ونموت

دم الشهيد مبروك.. هايعيش يقوينا