رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الشيخ جراح».. التفاصيل الكاملة للحى الذى تحاول إسرائيل تهويده

الشيخ جراح
الشيخ جراح
  • الاستيلاء عليه يقطع اتصال أراضى القدس الشرقية ويمنع إقامة العاصمة الفلسطينية المستقبلية

ما زالت الاعتداءات الإسرائيلية على حى الشيخ جراح بالقدس المحتلة مستمرة، فى ظل مخطط السيطرة على الحى التاريخى، ضمن مخطط أوسع لالتهام ما بقى من القدس تحت ذرائع باطلة.

ويحمل حى الشيخ جراح كغيره من باقى أحياء القدس تاريخًا عريقًا شاهدًا على عروبته، فى الوقت الذى تصر فيه إسرائيل على تهويده وضمه إليها تحت ذرائع قرارات قضائية صادرة عن محاكم إسرائيلية، بهدف إخلاء بيوت فلسطينيين بالحى التاريخى لصالح مستوطنين يهود يدعون ملكيتهم لأراضٍ وبيوت تاريخها أقدم من احتلالهم هذه الأرض.

وتمثل أزمة حى الشيخ جراح مشكلة جديدة فى الاعتداءات الإسرائيلية على القدس، وظفها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أجل البقاء فى السلطة، بعد تكليف خصمه يائير لبيد بتشكيل الحكومة الجديدة، فى الوقت الذى يخشى فيه «نتنياهو» الخروج من السلطة لتورطه فى العديد من قضايا الفساد.

وبفتح هذا الصراع الجديد فى حى الشيخ جراح، وشن حملة عسكرية، سيضمن «نتنياهو» البقاء فى السلطة أو على الأقل يضمن عدم ملاحقته داخليًا فى قضايا الفساد.

من جانبهم، يؤكد الفلسطينيون والعرب أن حى الشيخ جراح ليس مجرد منطقة سكنية يسكنها نحو ٢٨٠٠ نسمة، بل هو جزء من القدس الشرقية، لذا فإن ضياع هذا الحى يعنى ضربة جديدة لمبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

ومن أجل ذلك، عملت إسرائيل طيلة العقود الماضية على التضييق على سكان الحى ومنع تطوير الخدمات به وجعل حياة سكانه صعبة، فى الوقت الذى استمر فيه أهل الحى فى الدفاع عنه.

الروايات التاريخية تتضارب بشأن تسمية حى الشيخ جراح بهذا الاسم، فيما قال مجير الدين الحنبلى، فى كتابه «الأُنس الجليل فى تاريخ القدس والجليل»، إن زاوية فى القدس تسمى باسم الزاوية الجراحية، ويعود سبب تسميتها للأمير حسام الدين الحسين بن شرف الدين الجراحى، وهو أحد أمراء صلاح الدين الأيوبى وطبيبه الخاص، وقد دفن «الجراحى» بهذه المنطقة فى عام ٥٩٨ هجرية، بالإضافة إلى دفن بعض أفراد عائلته فى هذا المكان.

ورغم اختلاف الروايات التاريخية بين كون تسمية المنطقة ترجع لاسم أمير أم شيخ، إلا أن اسم المنطقة ظل علمًا عليها منذ نحو ٨ قرون، وتناقله الجميع وتوارثوه كما توارثوا أرضه ومنازله جيلًا بعد جيل.

فى المقابل، تسعى إسرائيل لاستغلال ما حدث فى أعقاب نكبة ١٩٤٨، لتبرير استيلائها على أراضى الحى التاريخى.

فبعد أن سمحت المملكة الأردنية الهاشمية التى كانت القدس تحتها فى ذلك الوقت بمنح ٢٨ عائلة من اللاجئين مساحة من الأراضى بهذا الحى، لبناء منازلهم عليها، اتبعت إسرائيل بعد نكسة عام ١٩٦٧ وسيطرتها على القدس مسلسل تهجير الفلسطينيين ومن بينهم سكان حى الشيخ جراح، بحجة عدم وجود إثبات لملكيتهم الأراضى.

وفى عام ٢٠٠٨ أصدر القضاء الإسرائيلى حكمًا بتمكين إحدى العائلات اليهودية أحد المنازل التابعة لعائلة الشيخ الكرد، ثم أصدرت السلطات قرارًا آخر فى عام ٢٠٠٩ بإخلاء منازل عائلتين وطردهما من منازلهما.

وفى الساعات الماضية، كان مقررًا أن يصدر القضاء الإسرائيلى حكمًا بطرد نحو ١٢ عائلة أخرى من الحى، لكن الحكم تأجل بسبب الضغوط العربية والدولية المطالبة بوقف الانتهاكات، كما طالبت الأمم المتحدة بالإنهاء الفورى لكل عمليات الإخلاء القسرى بحق الفلسطينيين بالقدس الشرقية، مؤكدة أنها «ترقى لجرائم حرب».

ومن جانبها، ردت وزارة الخارجية الأردنية على المزاعم الإسرائيلية بشأن حى الشيخ جراح، وعرضت وثائق تاريخية تثبت ملكية ٢٨ عائلة بالحى، بعدما هُجرت بسبب حرب ١٩٤٨، وذلك ردًا على الوثائق المزورة التى قدمتها جمعيات الاستيطان الإسرائيلية.

وأشار محامو العائلات الفلسطينية المتضررة إلى أن تسجيل أراضى حى الشيخ جراح باسم الجمعية الاستيطانية تم عن طريق الغش والخداع، وبالتواطؤ مع مأمور الأملاك العامة ومسجل الأراضى الإسرائيلية، الذى ادعى أن يهودًا كانوا يسكنون هذه المنطقة قبل حرب ١٩٤٨.

ويهدف المخطط الإسرائيلى إلى إخلاء حى الشيخ جراح بشكل منظم، بعد استصدار قرارات بإخلاء ٤ عائلات، مكونة من ٣٠ فردًا، ثم طرد ٣ عائلات فلسطينية أخرى، تضم ٢٥ فردًا، ومن المقرر تنفيذ بعض هذه القرارات فى شهر أغسطس المقبل.

كما تحاول سلطات إسرائيل إصدار أحكام قضائية أخرى لإخلاء مزيد من المنازل الفلسطينية، ضمن مخطط واسع لتهويد حى الشيخ جراح بالكامل لصالح إقامة مستوطنة إسرائيلية، مع استهداف مخطط الاحتلال طرد أكثر من ٥٠٠ مقدسى فلسطينى من منازلهم، مع نقل ملكياتهم لصالح جمعيات استيطانية يهودية.

ويكرر المخطط الإسرائيلى فى حى الشيخ جراح ما سبق تطبيقه مع سكان حى المغاربة فى البلدة القديمة بالقدس بعد عام ١٩٦٧، حيث تم تهجير وطرد أهل الحى لصالح مخططات تهويد القدس، وذلك عبر آليات سياسية وأمنية وقانونية، من بينها قانون يسمح لليهود بالعودة إلى ممتلكاتهم قبل عام ١٩٤٨، بينما يحظر ذلك على الفلسطينيين.

وإلى جانب سياسة القرارات القضائية المتحيزة، تدعى إسرائيل وجود رموز دينية يهودية بمنطقة الشيخ جراح لتسهيل الاستيلاء عليها، كما دفعت بادعاءات وجود الهيكل اليهودى تحت الحرم القدسى، لذا أعلنت أن مغارة «الرمبان» بهذا الحى هى رمز دينى لليهود، ما يسمح لها بالتسلسل للاستيلاء على المنطقة.

وتكمن خطورة إخلاء حى الشيخ جراح فى أن إسرائيل تريد إنشاء منطقة عازلة داخل الأحياء الفلسطينية، عبر آليات التقسيم والكانتونات العازلة، التى تحول دون وجود مناطق فلسطينية متصلة تصلح لإقامة عاصمة بالقدس الشرقية، لهذا لا يتمسك الفلسطينيون فحسب بهذا الحى التاريخى بل يحاولون إفشال مخطط منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

ويمثل حى الشيخ جراح أهمية سياسية لإسرائيل، فمن خلاله يمر الطريق للبلدة القديمة بالقدس شمالًا، وكذلك لجبل المشارف، مع الربط بين الأحياء العربية فى شمال وجنوب القدس، والسيطرة عليه يعنى عمليًا منع التواصل بين الأحياء العربية بشكل شبه تام.

ولهذه الأسباب، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ليؤكد أنهم مستمرون فى عمليات الاستيطان، مدعيًا أن مدينة القدس بكاملها هى عاصمة إسرائيل الأبدية، وأنهم سيواصلون البناء فيها، وفى كل أحيائها، مثلما يبنى كل شعب فى عاصمته، وأنهم لن يتخلوا عن هذا الأمر.

وفى مواجهة ذلك، لا يزال أهل حى الشيخ جراح صامدين فى مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، وسط دعم عربى ودولى لموقفهم، وتنديد واسع لمخالفة سلطات الاحتلال قواعد القانون الدولى وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن.