رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفكر الدينى والمؤسسة الدينية



الفكر الدينى وليس الخطاب الدينى هو تفسير وتأويل البشر للنص الدينى، ولما كان البشر والفكر البشرى قابل للصواب والخطأ هنا من الطبيعى أن يكون هذا الفكر الدينى ليس مقدسًا وقابل للصواب وللخطأ والدليل على ذلك أن النص الدينى واحد ولكن هناك سنة وشيعة كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت ولكن لأن هذا الفكر كان وبدأ ولازال يستمد وجوده من المؤسسة الدينية.
تلك المؤسسة التى كانت نتيجة لظروف تاريخية وسياسية قد أثرت فى السلوك والقناعات الإجتماعية ولأن المؤسسة أخذت صفة الحامية للدين والمسؤلة عنه هنا انسحبت قداسة الدين على هذا الفكر الدينى الغير مقدس، مع العلم بأن هذا الفكر وهذه المؤسسة المقصود بهما هو الدين أى دين والمؤسسة أى مؤسسة دينية فالظروف والواقع والتاريخ واحد) فى الوقت الذى تحولت فيه المؤسسة بحكم الواقع إلى قيادات وزعامات وأتباع لابد لهم من باب الاخلاص للمؤسسة أن يدافعوا عن هذه المؤسسة وعن الموروث كل الموروث بإعتبار أنه مقدس حتى لا يؤثر ذلك على كيان وكينونة المؤسسة كما يتصورون.
حتى لو تعارض هذا الموروث مع المقاصد العليا للدين، ولذا وجدنا طوال التاريخ من يدعو ويتبنى فكرًا دينيًا متطورًا يواكب الزمان والمكان ملتزما بالنص الدينى (ثبات المنطوق وتغير المفهوم) مثل الشيخ محمد عبده وعلى عبدالرازق وطه حسين وعلى الجانب الآخر وجدنا الأنبا أغريغوريوس والأب متى المسكين وكانت لهما اجتهادات التعارض النص ولكن سدنة المؤسسة عارضوهم وحاربوهم بحجة الحفاظ على المؤسسة وعلى الموروث.
وهذا يعنى أن المؤسسة تاريخيًا وعمليًا وواقعيًا أصبح لها الوصاية الكاملة على الفكر الدينى وعلى تصحيحه بما يتوائم مع معطيات العصر ولا شك وفى كل العصور نجد هناك من القيادات الدينية والروحية ومن داخل هذه المؤسسات من يسعى لتجديد الفكر الدينى ملتزمًا بالثوابت وبالمتوافق مع الواقع من التراث، ولكن نشاهد فى ذات الوقت ذلك الصراع بين المؤسسة وبين المجدد ولكن تبقى أفكار التجديد باقية وفاعلة حتى ولو كانت بعيدًا عن تعاليم المؤسسة.
وفى هذا الإطار نجد أفكار الشيخ الطيب شيخ الأزهر التى يطلقها خارج مصر أو داخلها فى مناسبات كثيرة تتوافق مع عقلية وأفكار من يريد التجديد والتوافق مع الواقع مع الالتزام بثبات النص، ولكن واقعيًا وعمليًا فأفكار دكتور الطيب طالما لم تصدر من المؤسسة الدينية تصبح أفكار واجتهادات شخصية مقدرة وتمثل لبنة فى البناء، على الجانب الآخر وجدنا البابا تواضروس الثانى له اجتهادات مقدرة ومتوافقة مع حالة تجديدية تحتاجها الكنيسة بعد ألفى سنة من التمسك بالموروث الذى أصبح مقدسًا، وجدنا هجمة لا تليق على الاطلاق من الحرس القديم الذى يظهر تمسكه بالموروث وكأنه هو الدين وهو المقدس، وكلا الطرحين يطرحان تحت مسمى الحفاظ على المقدس وكأن أى تجديد فكر دينى هو ضد الدين وضد المقدس.
المقدس يا سادة هو النص الثابت الذى لا تملك تغييره ولكن تفسير النص والاجتهاد فيه هو متغير وليس ثابت ولابد أن يتوافق مع المعاش وإلا نكون قد حوكمنا على النص بالتجمد وليس بثباته.
تجديد الفكر الدينى حكمة إلهية خلودًا للدين وتوافقًا مع الحياة فى زمانها ومكانها، تلك الحياة بكل معطياتها ومتغيراتها لا تتناقض البته مع صحيح النص ولا مع المقاصد العليا للأديان التى جاءت لصالح الإنسان.
ولذا يصبح من الطبيعى أن تكون مهمة هذا التجديد ليست المؤسسات الدينية فقط ولكن كل المؤسسات والمفكرين والباحثين والمؤمنين بالدين الذين يتمتعون بعلاقتهم الخاصة مع الله سبحانه وتعالى والتى لا يجب أن يكون عليها رقيب أو وصى.. حمى الله مصر وشعبها العظيم.