رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضيف "الضحية" .. وعم "رمضان" !

أعلم ـ كما تعلمون ـ أن سلاح الفن مهم جدًا في هذه الأمسيات البرامجية التي ننتظرها بشغف كبارًا وصغارًا من العام للعام، لما نتوسمه فيها من جرعات تسلية راقية؛ تأتي في عباءة ثقافية تثري العقل والقلب والوجدان، وصحيح أننا ندرك تمامًا مبدأ حرية الفن والفنان في التعبير؛ ولكنها أي حرية نريدها من الفن والفنان في هذا الشهر الفضيل؟

إن رمضان للعام الثاني على التوالي  يأتي تحت وطأة الجلوس الإجباري أمام الشاشة الفضية ولا سبيل للفكاك من المشاهدة سوى الخروج إلى الشرفة لاستقبال الهواء "المُفيْرس"، لتعود بك الذاكرة إلى صرخة القائد "طارق بن زياد" في جنوده: العدو أمامكم .. والبحر خلفكم"!  وفي هذه اللحظات والحال هكذا ستعود صاغرًا لتشاهد ماذا تقدم الشاشات إليك هذا العام!

ومع الأسف  ـ وبالبلدي ـ " الجواب باين من عنوانه"! ..  فمازال التسطح والتسطيح  والاستسهال والإفلاس ـ وانتق ماتشاء من الألفاظ ـ هو المسيطر على ساحة البرامج التي اشتهر بها  "عم رمضان" في هذا الوقت من كل عام، فنرى ببؤبؤ أعيننا البرامج التي تقوم على التعمُّد في"بهدلة" الفنان أو الضيف الضحية الذي يصبر مرغمًا على اللعب به وإضحاك "أمة لا إله إلا الله" عليه، لأنه "قبض بالدولار" قبل التسجيل للحلقات، ويعرف أن ذاكرة البشر لن تتسع لذكرى تلك البهدلة سوى يوم أو بعض يوم، ونتقابل في حلقة أخرى من الإسفاف الممنهج في العام القادم .. (لو) كنا على ضهر الدنيا!!

إن تلك الساعات المُهدرة في تقديم هذا اللون من "التهريج"؛ يكفي دقائق معدودة منها؛ للإضاءة على الفنانين الحقيقيين الذين يقفون على أبواب ستديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي وقلعة ماسبيرو؛ في انتظار "فرصة"، ولكنها "الشللية"و"السبوبة" التي تعمل على اختيار من لايعتمدون على "كوميديا الموقف" في نصوصٍ أدبية جادة، ويأتي جُل الاعتماد على أصحاب التكوينات الجسدية غير الطبيعية : ضخامة أو نحافة أو طولاً أو قصرًا، بلا إدراك أن هذا نوعٌ من "التنمُّر" بتلك الشخوص والشخصيات الذي ننادي بالابتعاد عنه في مناحي الحياة كافة.

إن هذه الفنون السطحية الساذجة التي يتم تقديمها للمُشاهد المُستهلك دافع الضرائب ـ في اعتقادي ـ بمثابة "فقاعات الهواء" على وجه فنجان القهوة؛ أو الزَّبد الذي يذهب جُفاءً مع الأمواج عند اصطدامها بالشاطئ ! إذ لاجديد فيما يتم تقديمه، بل ربما هو استنساخ مشوَّه لما كان يقدم في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بل تمت الإساءة الى الأغنيات الوطنية الشهيرة التي تعلمنا منها "ألف باء" الانتماء؛ تم تشويهها باستخدامها في إعلانات أدوات النظافة والزيت والسمن ، حتى كدنا نكره تلك الأغنيات والزيت والسمن  والصابون وأدوات النظافة المطلوبة لحمايتنا من هجوم "الوباء" !

إنه "رمضان" ياسادة !  هو خليط من الروحانيات والجماليات وغرس بذورالثقافة المعرفية التي تعزز وترتقي بقيمة الروحانيات في النفس البشرية والمجتمع المصري على وجه الخصوص، هذا المجتمع الذي يواجه الضربات تلو الضربات من المتربصين به لتمييع هويته أو بالأحرى غايتهم القضاء عليها قضاءً مبرمًا !

الشخصية المصرية بفنها الأصيل الذي تعلم منه العالم؛ يجب ان يترفَّع عن هذا التيار الذي يعمل على تحطيم مانتكئ عليه من تراث عظيم توارثته الأجيال مذ عزفت  سيدة الموسيقى في مصر القديمة وهي " الإلهة حتحور" التي عزفت على الهارب والناي والدف؛ وعرف المصري القديم فن المسرح والتشخيص في بهو المعابد ودور العبادة؛ إلى جانب الطقوس الدينية في ذاك الزمان البعيد في أعماق التاريخ .

كلمة حق يجب أن تقال في هذه الأيام، وتقع على  عاتقنا ـ نحن حاملي لواء العلم ـ المسئولية الجسيمة في التنبيه إلى تلك المسارات غير الملتزمة بأصالة الفنون وقدسيتها التي شبَّت وترعرعت عليها أجيالنا التي كان لها الحظ أن تعاصر أساطين في شتى الفنون الأدبية والمسرحية والسينمائية والتليفزيونية، ناهيك عن معاصرتنا لعمالقة الأدب الروائي والشعري والموسيقي والغنائي، فكيف تتم الإطاحة بهذا التراث الخالد واللجوء إلى "سلق" الأعمال الفنية بحجة التسلية والترفيه في ليالي رمضان وغير رمضان، فالفن .. هو الفن !! لا يرتبط بـ "رمضان" أو "سبتمبر" أو أمشير!
إلى الملتقى في رمضان "كريم" آخر نتمناه خاليا من التنمر في كل مناحي الحياة وبخاصة على ضحايا جدد من ضيوف يحلون بغية إضافة عنصر البهجة على المشاهد كبهارات سعادة تضيف نكهة رمضانية يظنون إطلالتهم تسهم في نشر عبقها المحبب مثلما كان في الأيام الخوالي من تراثنا البرامجي الرمضاني في زمن كان جميلا فيما يبثه احتراما لعقل ووجدان البشر في داخل مصر وخارجها.. وما زلنا لم نفقد الأمل في استعادة أمجادنا الفنية  بل نتشبث به..فالغث دوما قصير العمر..هكذا علمنا التاريخ وإنا لدروسه لحافظون!