رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أرفض كحك العيد!!

منذ أزمنة طويلة والناس فى بلادنا يحتفلون بعيد «الكعك» وعيد «الخروف» وعيد «فسيخ شم النسيم» وأعياد ومناسبات أخرى كثيرة، لا أحب أعياد الكعك والخرفان والفسيخ، كلها أعياد «للأكل» وحشو المعدة، وأنا لست من هواة الطعام وإلقاء السعرات الحرارية فى جسدى، خاصة إذا كانت أطعمة «موروثة» من السلف.

أنا أختار ماذا يدخل فمى، متى أشاء، وكيفما أريد، كل أنواع الوصاية أتمرد عليها ولا أسمح لها بأن تغير مجرى النهر الذى اخترت السباحة فيه، ولا أن تفرض ما يعكنن مزاجى ويفسد أسلوب تفكيرى أو يخدش قناعات نحتها على جدران الكون بدمى وقلمى وأعصابى وألمى، فى الأعياد والمناسبات أختفى عن الأنظار، أصمت، أحتمى بوحدتى وهدوء صومعتى وشدو القصائد وشجن الذكريات.

فأنا لا أنتظر رجوع «الحبيب»، لا أنتظر رجوع «أمى»، لا أنتظر رجوع «العمر»، لا أنتظر زيادة الفلوس، لا أنتظر رضاء الناس، لا أنتظر مديح كهنة النقد، لا أنتظر خطابات وردية فى البريد المستعجل، لا أنتظر فرحة متأخرة فى الزمن البطئ، لا أنتظر إلا «العيد الحقيقى» الذى يستحق الاحتفال والبهجة وتفتح الأمل، إنه عيد «إسقاط الذكورية» الذى يصبح فى البلاد عطلة رسمية للتنزه واللعب والانطلاق المكبوت أزمنة طويلة.

طول عمرنا نحتفل بالكعك والخرفان والفسيخ، فهل تغير شىء فى حياتنا إلى حضارة العدل والحرية والتقدم؟! أبدًا إننا على العكس نتأخر وبلاد أخرى كانت فى الخلف أصبحت الآن تتفوق علينا، إلى متى هذا الوضع؟

الذكورية تبدأ منذ أن نسمع صرخة الأنثى تخرج من رحم الأم حتى مثواها الأخير، تظل تعانى من «التحرشات» الذكورية الجسدية والمعنوية والعاطفية.

تفضيل المولود الذكر على المولودة الأنثى هو بداية التحرش الجنسى، ختان الإناث، تحرش جنسى، الزواج المبكر لطفلة أنثى برجل عجوز ثرى، تحرش جنسى واغتصاب الزوج لجسد زوجته، تحرش وفرض التغطية بالطاعة والحجاب والنقاب، تحرش جنسى وحبس النساء فى غرف النوم والمطابخ.

ومن قراءة التاريخ يتضح لنا أن الدولة الذكورية هى بالضرورة دولة دينية فى جميع أشكال ودرجات التحرش والقهر والدونية والاضطهاد للنساء غير ممكنة إلا إذا التحفت بكلام الله وتعاليم الشريعة وسير الأنبياء، وإذا كانت الدولة الدينية تعتمد على العنف إلى درجة القتل لكى تفرض رؤيتها الواحدة المطلقة على الناس باسم «الحق الإلهى». فإنها إذن تتشابه مع الدولة الذكورية فى استخدام «المطلق» الدين، للتحكم فى «النسبى» وهو حياة النساء.

هناك من النساء والرجال الذين يهاجمون بضراوة «الدولة الدينية»، لكنهم متوافقون تمامًا مع «الدولة الذكورية». هم عاجزون عن رؤية الخطيئة الذكورية والجرائم الذكورية التى تُرتكب يوميًا صباحًا ومساء ضد نصف الكرة الأرضية، بالعكس هم يشوهون صورة النساء والرجال الذين يهاجمون الدولة الذكورية ويعتبرونهم قد ضلوا طريق النضال ومسيرة الثورة، بينما نجد أن منْ يهاجم الدولة الذكورية بالضرورة يهاجم الدولة الدينية.

هل النضال والثورة من أجل الحرية والعدالة والسعادة لنصف البشرية يعتبر نضالًا «مزيفًا» و«ثورة» ضلت الطريق؟ وأين هذا النضال المشرف؟ وأين هذه الثورة الحقيقية؟ من أجل منْ؟ الفقراء؟ إن الفقراء الرجال الجديرين بالنضال يستعبدون زوجاتهم الفقيرات بعد أى ثورة، ميزة قضية المرأة أنها تدخل فى كل الشرائح والطبقات والفئات، ثورة النساء إذن «مخيفة» للجميع، ولا بد من إيقافها بكل الطرق.

هذا الموقف الناقص هو ما يجعلنا فاشلين فى القضاء على الدولتين، الدولة الذكورية والدولة الدينية، لأنهما فى الحقيقة دولة واحدة تشرب من الترعة الراكدة نفسها وترضع من الثدى الفاسد نفسه. نحن لا نعرف هل المجتمع مع فصل الدين عن الدولة أم مع تداخل الدين مع الدولة؟ هل نؤمن بأن علاقة الإنسان بربه علاقة خاصة شخصية، لا يجب أن تتدخل فيها الدولة، أم أنها علاقة تتدخل فيها الدولة وتدعمها بإبقاء خانة الديانة فى الرقم القومى، وتنظيم الدولة مسابقات دينية واحتفالاتها بمناسبات دينية؟ وعدم إقرار زواج مدنى موحد؟ وكيف ينص الدستور على المواطنة والدين يُدرس فى المدارس؟ والحزب السلفى يمارس وجوده، وإذا كنا دولة مدنية لماذا يسود الزى الدينى للفتيات والنساء؟

من واحة أشعارى

منذ أزمنة بعيدة والملايين من الناس

صائمون عن أجمل الأشواق

يدق مدفع الإفطار فلا يجدون إلا الموت.. ساخنًا فى الأطباق.