رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسلسل السد.. حلقة جديدة!

محاولة جديدة، نعتقد أنها قد تكون الأخيرة، لنزع فتيل أزمة السد الإثيوبى، يقوم بها الرئيس الكونغولى فيليكس تشيسيكيدى، الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، الذى زار السودان ومصر وإثيوبيا، وطرح مبادرة، لم يتم الكشف عن تفاصيلها بعد. فى حين تحاول إثيوبيا كسب أو تضييع المزيد من الوقت، بإعلانها عن رغبتها فى التوصل إلى اتفاق حول الملء الثانى لخزان السد، دون التطرق إلى القضايا الأخرى!

تريد إثيوبيا، إذن، أن تقتصر المفاوضات الحالية على «الملء الثانى» فقط، فى حين تتمسك مصر والسودان بـ«اتفاق شامل» قانونى وملزم، يتضمن قواعد أمان السد ونظام تشغيله وملئه فى أوقات الجفاف، وأن تكون هناك آلية دولية لفض النزاعات. وخلال استقباله تشيسيكيدى، أمس الأول السبت، شدّد الرئيس عبدالفتاح السيسى، مجددًا، على أن مصر لن تقبل بالمساس بأمنها المائى، وأكد ضرورة التوصل للاتفاق القانونى الملزم المنشود، الذى يحفظ حقوق مصر المائية ويحقق مصلحة جميع الأطراف، ويجنب المنطقة مزيدًا من التوتر وعدم الاستقرار.

رئيس الكونغو الديمقراطية، كان هنا فى ٢ فبراير الماضى، قبل أيام من تسلمه رئاسة الاتحاد الإفريقى، وبعد أيام من استقباله الرئيسة الإثيوبية، فى العاصمة الكونغولية كينشاسا. ومن تصريحاته، عرفنا أنه ناقش معها قضية السد وكيفية الخروج من هذه الأزمة، ودعاها إلى تفادى التصعيد من خلال الحوار والإنصات للرئيس السيسى. ووقتها، أعرب عن تفاؤله بالوصول إلى حل. ومع ذلك، فشلت المحادثات التى استضافتها بلاده، الشهر الماضى، بسبب التعنت الإثيوبى.

خلال زيارة السبت، أكد الرئيس تشيسيكيدى حرصه على تكثيف التنسيق بشأن هذه القضية الحساسة لتحقيق تقدم فى المفاوضات الثلاثية، مشيدًا بالجهود الكبيرة التى تبذلها مصر سعيًا للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يراعى مصالح الدول الثلاث. وكان طبيعيًا أن يعرب الرئيس السيسى عن تقديره لجهود نظيره الكونغولى ويؤكد حرص مصر على دعم تلك الجهود فى إطار المسار التفاوضى، الذى يرعاه الاتحاد الإفريقى والشركاء الدوليون.

فى السودان، عقد تشيسيكيدى، يوم السبت أيضًا، لقاءً مطولًا مع عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السودانى، تبعه جلسة مباحثات مع عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالى. وقالت مريم الصادق، وزيرة الخارجية، إن الرئيس الكونغولى تقدم بمبادرة حول موضوع السد الإثيوبى، لا تزال قيد البحث من الجهات المختصة. وأكدت أن موقف السودان ثابت وواضح وقائم على مرجعية القانون الدولى وعلى اتفاقيات سابقة بين السودان وإثيوبيا، إضافة إلى إعلان المبادئ الذى تم توقيعه، فى مارس ٢٠١٥، بين قادة الدول الثلاث فى الخرطوم.

بالتزامن، أجرى البرهان ومسئولون سودانيون محادثات مع جيفرى فيلتمان، المبعوث الأمريكى الجديد لمنطقة القرن الإفريقى. وقالت الخارجية السودانية، فى بيان، إن فيلتمان أبدى تفهمًا عميقًا لموقف السودان من أزمة السد، وأكد ضرورة استمرار المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الإفريقى وبمشاركة المجتمع الدولى. 

الدبلوماسى الأمريكى المخضرم، زار مصر، الأربعاء الماضى، واستقبله الرئيس السيسى، بحضور وزير الخارجية، ووزير الموارد المائية والرى. ومن المقرر أن تشمل جولته إثيوبيا وإريتريا، ثم يختمها بزيارة أخرى إلى القاهرة. وكنا قد رجحنا، فى مقال سابق، أن يظل فيلتمان يتجول ويتجول حتى ينفد صبر مصر والسودان، مستندين إلى أن الولايات المتحدة يمكنها، إن أرادت، صرف العفريت الذى قامت بتحضيره، والضغط على الحكومة الإثيوبية للتوقيع على المسودة النهائية للاتفاق، الذى تم التوصل إليه فى واشنطن، منذ سنة تقريبًا، أو إنهاء خدمة أبى أحمد، باعتباره حلًا وسطًا، يرجئ الملء الثانى، ويسهم فى تهدئة الأوضاع الداخلية، التى ازداد اشتعالها بدخول حكومته فى مواجهات عسكرية مع ثلثى الشعب الإثيوبى تقريبًا.

مع جولة المبعوث الأمريكى الجديد، وزيارات الرئيس الحالى للاتحاد الإفريقى، جدّد البرلمان العربى، فى بيان، التأكيد على موقفه الرافض لأى إجراءات أحادية من شأنها أن تمس بالحقوق القانونية والتاريخية الثابتة لمصر والسودان فى مياه النيل، التى تؤكد عليها كل الاتفاقيات القانونية الموقعة بين دول النهر، والتى لا يجوز التنصل منها أو من المعاهدات الدولية المنظمة لاستخدام الأنهار الدولية. ودعا البيان إثيوبيا أن تضع نصب أعينها المصالح طويلة الأمد لشعوب دول المنطقة فى الحفاظ على نهر النيل، كما هو دائمًا، كأداة لتعزيز التعاون والشراكة بين دوله وتحقيق التقارب بين شعوبه، بدلًا من تحويله إلى مصدر للصراع والتوتر.

نملك الحق ولدينا القوة الكافية وزيادة، لانتزاعه، حال عدم التوصل إلى اتفاق قانونى شامل، عادل ومُلزم. وبعد الجهود الإفريقية المخلصة، والتحركات الأمريكية المشكوك فى جديتها، والموقف العربى الطبيعى، الذى ننتظر أن يتصاعد، نتمنى أن تتخلى الحكومة الإثيوبية عن تعنتها، رعونتها أو جنونها، حرصًا على مصالح الشعب الإثيوبى واستقرار المنطقة.