رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلم توسيع مجلس الأمن

فى محاولة جديدة لإصلاحه، أو أملًا فى إنقاذ «شرعيته»، طالبت ست دول غير دائمة العضوية فى مجلس الأمن بتوسيع المجلس الأكثر نفوذًا فى الأمم المتحدة، خلال جلسة انعقدت، أمس الأول، الجمعة. فى حين تجاهلت الدول الخمس دائمة العضوية، وأتباعها، الأمر تمامًا، ما يوحى بفشل المقايضات أو المساومات، المستمرة منذ سنوات، مع الدول الراغبة فى الحصول على مقعد دائم.

مع فيتنام، النيجر، أيرلندا، المكسيك وتونس، طالبت الهند، بـ«إصلاح كامل لمجلس الأمن»، مؤكدة أن توسيع المجلس أمر لا بد منه. وقال ممثلها، هارش فاردان شرينجلا، إن محدودية التمثيل وامتيازات قلّة قليلة فى المحفل الرئيسى لصنع القرارات فى الأمم المتحدة، تطرحان تحديًا جديًا لمصداقيته وفاعليته. وسأل: «كيف يمكن تفسير التناقض بين عدم تمثيل إفريقيا فى مجلس الأمن ضمن فئة الأعضاء الدائمين فى حين تهيمن القضايا الإفريقية على جدول أعماله».

سؤال الدبلوماسى الهندى، سبق أن طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى بصيغ مختلفة فى كل القمم الإفريقية التى شارك فيها منذ توليه الحكم، وعقب تسلمه رئاسة الاتحاد الإفريقى، فى فبراير ٢٠١٩، أكد فى الجلسة الافتتاحية لقمة أديس أبابا على حق إفريقيا فى تمثيل عادل بمجلس الأمن الدولى، حتى تتمكن من القيام بدورها المستحق كشريك كامل فى اتخاذ القرار.

إصلاح مجلس الأمن لن يتحقق، بشكل حقيقى، إلا بتغيير معادلة تكوينه وتحريره من هيمنة الدول دائمة العضوية على أعماله، نتيجة استئثارها بحق النقض، أو «الفيتو»، الذى بات إلغاؤه ضروريًا. وليس هناك أدنى شك فى أن المجلس حال توسيعه وزيادة عدد أعضائه الدائمين، سيكون أكثر فاعلية، وسيراعى بدرجة أكبر مصالح الدول بموضوعية وبلا انتقائية.

منذ أن شاركت مصر فى تأسيس الأمم المتحدة، سنة ١٩٤٥، وهى واحدة من أكثر الدول الأعضاء حرصًا على بقائها وقوتها وفاعليتها. بل إن رومانسيتنا الزائدة، جعلتنا نحلم بأن تكون تلك المنظمة بيتًا للدول والشعوب ومظلة واحدة ووحيدة يجتمع تحتها البشر على اختلاف أجناسهم، وألوانهم ولغاتهم، وعلى تباين أهدافهم السياسية أو حتى تناقضها. وكثيرًا ما طالبت مصر بإعادة ترتيب البيت الأممى ونادت بتأمين تمويل يضمن للمنظمة الدولية استقلاليتها واستمرارها. وفى كلماته، أو كلمات مصر، أمام الجمعية العامة، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، مرارًا، أننا ما زلنا نؤمن بأن الأمم المتحدة قادرة على تجاوز التشكيك فى جدواها ومصداقيتها من خلال استعادة المبادئ السامية، التى تأسس عليها ميثاقها، والعمل وفقًا لأولويات تلك المبادئ.

المبادئ، التى تأسس عليها الميثاق الأممى، سامية طبعًا، لكن ممارسات الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، كانت عكس ذلك تمامًا: ساقطة، سافلة أو منحطة. إضافة إلى أن تلك الدول، والولايات المتحدة تحديدًا، لم تلتزم بأى قرارات، قوانين، قواعد أو مبادئ، تعارضت مع مصالحها. ولم يحدث أن قوبل ذلك أو قوبلت انتهاكاتها المتكررة للشرعية الدولية، بأى رد فعل. 

تأسست منظمة الأمم المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، لتخلف «عصبة الأمم»، التى فشلت فى إحلال السلم والأمن بعد الحرب العالمية الأولى. ووفقًا لميثاق المنظمة الدولية، فإن «مجلس الأمن» هو الجهة المنوط بها حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيق التوازن والحفاظ على استقرار العالم. ومع ذلك، فإن ذلك المجلس هو الأكثر تجسيدًا لعدم التوازن فى العلاقات الدولية، بمنحه الدول الخمس دائمة العضوية: الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، الصين وفرنسا، حق نقض أو نسف أى قرار، وتهميش الأعضاء العشرة غير دائمى العضوية.

النظام الدولى العادل والفاعل، لن يتحقق إلا بتوازن المصالح والمسئوليات. وبالتالى، لا يمكن الحديث عن إصلاح، دون وجود «تمثيل متوازن». إذ ليس معقولًا أو منطقيًا، أن تظل الدول، التى انتصرت فى الحرب العالمية الثانية، مسيطرة على كل دول العالم. وليس مقبولًا أو معقولًا أن يستمر العمل بمبدأ يرجح كفة العضو الدائم، حتى لو كانت كل دول العالم فى الكفة الأخرى. وعليه، ظهرت منذ تأسيس الأمم المتحدة فى أكتوبر ١٩٤٥، أصوات عديدة، طالبت بتغيير الأنظمة واللوائح، التى تحكم عمل المنظمة، وظهرت مشروعات كثيرة لـ«التطوير الأممى». لكن كل تلك المحاولات اصطدمت بالمادة ١٠٨ من الميثاق، التى تشترط لإجراء أى تعديلات موافقة ثلثى أعضاء الجمعية العامة، بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمون. 

تأسيسًا على ما سبق، لا نرى أى جدوى من المطالبات المتكررة، أو المزمنة، بتوسيع مجلس الأمن أو بإصلاح الأمم المتحدة إجمالًا، طالما بقيت الاستجابة مرهونة بموافقة، كل الدول الخمس، صاحبة المصلحة فى بقاء الوضع على ما هو عليه. وعليه، لا تنتظر جديدًا ولا تحلم مع الحالمين بالتوسيع أو الإصلاح، ما لم تتغير معادلات وموازين القوى، ويظهر نظام عالمى جديد.