رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نبيل عمر: المتطرفون يتصورون الجنة كأنها «ملاهى جنسية» ويجب تجديد الفكر الدينى (حوار)

الكاتب الصحفي نبيل
الكاتب الصحفي نبيل عمر

لا مساس بـ"ثوابت" الدين أما "المفاهيم" فيمكن تأويلها

التعليم الردىء يصنع طالبًا مطيعًا يسهل تجنيده

تأثرت بعبدالرحمن بدوي في كتابه "دفاع عن القرآن ضد منتقديه" وأتمنى إقراره على طلاب الأزهر

الثقافة الشعبية الموروثة كارثة لأنها حولت الدين إلى شيء فرعي وأساءت للدين وفهمه

ليس المطلوب أن نعرف ديننا من الأخرين وننتظر شروحهم إنما هي رسالة من الله إلى رسوله إلى كل البشر

بعض رجال الدين يقومون بعمل "هدنة" مع الآخر وليس صناعة "سلام"

في آخر كتبه "الشيطان وتجديد الفكر الديني" يتصدى الكاتب الصحفي "نبيل عمر" كأحد مثقفي عصره لقضية تجديد الفكر لا الخطاب الديني، حيث يرى أن تجديد الخطاب لا يكفي، ببساطة لأنه مجرد تحسين للألفاظ وإنما يجب تغيير طريقة التفكير التي نتعامل بها مع الدين ورجاله، وقسم "عمر" كتابه إلى خمسة فصول تحدث فيها عن العديد من المسائل والقضايا الدينية الشائكة منها على سبيل المثال الخطأ الذي يقع فيه الكثيرون بين "ثوابت" الدين التي لا يمكن مناقشاتها، وبين "مفاهيمه" التي يجب أن نعمل عقلنا فيها.

الجميل أن نبيل عمر لم يذكر أي منهج فكري اتبعه في طرح القضايا وإنما مارسه بالفعل، وفي كثير من القضايا طرحها من خلال حوار حقيقي تم بالفعل سواء بينه وبين شخص ما، أو حوار بين شخصين آخرين مثل حوار الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، والدكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، فيما دار بينهما حول معنى تجديد بيت المسلمين، ويدرك "نبيل" كيف يدير حواره مع الآخر سواء كان قارئًا أم رجل دين أم ملحدًا يتبع المنهج الماركسي، "الدستور" تطرح قضية تجديد الفكر الديني على صفحاتها في رمضان، وفي أولى حلقاتها تحاور "نبيل عمر" حول كتابه الأحدث، وإلى نص الحوار..

 

  • في كتابك الصادر مؤخرًا "الشيطان وتجديد الفكر الديني" تتحدث عن تجديد الفكر الديني بينما يتحدث الكثيرين عن تجديد الخطاب الديني.. ما الفارق؟

الفرق شاسع جدًا بين الإثنين، تغيير الخطاب هو مجرد تحسين للألفاظ التي نتحدث بها عن الأخر حتى لو كانت أفكارنا كما هي عنه، بمعنى تغيير الخطاب العدائي الذي يحمل موقف مسبق، أو نغير من المفردات التي نستخدمها في الكلام، وأننا نتحدث عن الجيرة وأبناء الوطن الواحد، لكن يبقى الأساس كما هو، الفكرة الأصلية عن الآخر تبقى موجودة، أما تجديد الفكر الديني فهو يعني التغيير في نمط التفكير ذاته، بمعنى تغيير الطريقة التي نفكر فيها في ديننا الحنيف، فالفكر هو الذي يحرك الإنسان لا الخطاب، وعندما يتجدد الفكر فسوف يتجدد الخطاب بالتبعية وبشكل تلقائي، المشكلة الحقيقية في المنهج الذي اتبعه أهل التراث، وهم غير جناة في المنهج الذي اتبعوه عدا في علم الكلام، لأنه في رأيي علم تلفيقي لا أسس له ولا قواعد، لكن المسئولية تقع على الجيل التالي لهم لأنهم لم "يغربلوا" هذه التراث الذي نقل إليهم.

 

  • يقع أغلب مجددي الفكر الديني في خطأ التمييز بين الثوابت والمفاهيم.. فكيف نفرق بين "ثوابت" الدين التي لا يمكن أن تتغير وبين "مفاهيم" الدين التي هي عمل إنساني بحت يمكن تأويله؟

يحدث هذا الجدل بسبب الخلط بين العبادات والعلاقات مع الآخر، أي دين هو علاقة مع الله سبحانه وتعالى، الله يد العليا ولا يجوز لأحد أن يتدخل في هذه العلاقة، فلا يمكن أن أقول لشخص صلي أو لا تصلي، إنما كيف نصلي فهذه تفضيلات الصلاة ومفهومها أم الصلاة نفسها فهي ثابت لا خلاف عليه ولا يمكن المساس به، والمفاهيم تتغير بتغير المكان والزمان والثقافة والعصر، فربما يختلف الفهم الإنساني لجوهر الإيمان من شخص لشخص آخر بعد قرن أو اثنين حسب تطور المعارف، ربما يظن شخص أن قيمة العمل في الإيمان واحترام الآخر أعلى كثيرًا من قيمة الإيمان الشكلي في زمن ما، لأن الله خلق الإنسان لتعمير الأرض، وبالتالي يرى أن هذا هو جوهر الإيمان، لا الصلاة ولا الصوم، فلو كانت العلاقة فقط بين العبد وربه لما وجهنا ووضع لنا أسس للتعامل مع الآخر سواء كان إنسانًا أو حيوانًا أو نباتًا أو جمادًا، فالمفاهيم تغيرت حيث أصبحت الصلاة نوعين: صلاة حركية بين العبد وربه، والتي قد لا تعبر عن إيمان حقيقي، وصلاة أخرى روحية لم تكن موجودة من قبل، بمعنى أن صلتى بالله دائمة في جميع حالاتي وتصرفاتي سواء كنت نائما أو مستيقظا، فالاختلاف بين الثابت والمفهوم مثل الاختلاف بين الشكل والمضمون.

 

  • إلى أي مدى ساهم انهيار المنظومة التعليمية وتراجع المستوى المعرفي للطلاب في تغلغل الأفكار المتطرفة داخل المجتمع المصري؟

هذا جزء أساسي، أسهم مساهمة كلية لأن التعليم الرديء صنع ما يسمى العقل الجامد أو العقل غير القادر على التفكير العقلي المنظم، أي أنني صنعت في الطالب نواة أن تكون جنديا مطيعا أو تابعا مطيعا، أصبح الطالب غير قادر على تحليل الأفكار ونقدها، وبالتالي كل ما يقال له عن الدين يسلم به،  فإذا قال له أحد "خذوا العلم من أهل الذكر" يأخذ منه دون تمحيص، وبالتالي ظهرت بعض الأفكار المتطرفة مثل إرضاع الكبير أو زواج الطفلة أو مضاجعة الزوجة الميتة مضاجعة الوداع، وهذا ما يصنع بعد ذلك جنود الجماعات الإرهابية الذين يفجرون أنفسهم مقتنعين بدخول الجنة ومقابلة الحور العين التي لا أساس لها على الإطلاق، فيتصورون كما لو كانت الجنة "ملاهي جنسية".

 

  • في الصفحة (25) من الكتاب قلت جملة عابرة هي "ورحنا نتحدث في موضوعات شتي من الفلسفة إلى الأدب، ومن النساء إلى النبيذ" فبدى أن كتابك موجه للعامة.. فلماذا توجهه للعامة إذا كان عبء تجديد الفكر الديني لا يقع على عاتقهم؟

في هذه الجملة بالتحديد أردت أن أقول إن الحياة تقبل أن نتحدث في أي شيء وحديثنا عن أي شيء لا يعني أننا نرتكب هذه الأفعال، والكلام لا يعني إباحة أو منع، ولا يجب إغفال أن الشخص الذي كنت أحاوره دكتور غربي ملحد، أما الكتاب فهو بالفعل موجه لعموم الناس أكثر من المتخصصين، ويحمل في طياته أسئلة أكثر مما يحمل إجابات، فإذا تصور أحد أنه يملك إجابات لكل الأسئلة الدينية فهو ينفي بذلك عن الإيمان فكرة أنه صالح لكل زمان ومكان، لكني فقط حددت منهجا لإعمال العقل فيما أفعله، هل هو صحيح أم خاطيء؟ حلال أم حرام؟ مفيد أم مؤذي؟ لكن ما هو متعلق بالمتخصصين هو فقط منهج التفكير العلمي، ولذلك لم أكتب منهج التفكير الذي اتبعته وإنما مارسته بالفعل وطبقته في الكتاب.

 

  • كتاب يتحدث عن "الشيطان وتجديد الفكر الديني" لم يذكر أي أية من القرآن الكريم قبل صفحة 33، أي بعد مرور أكثر من سدس الكتاب.. فهل ترى ذلك شيئا طبيعيا أم يؤخذ على الكتاب؟

جاء الكلام طبقا لسياق الكتابة، لأنني لم أدخل في فكرة التجديد إلا بعد مناقشة اثنين من الملحدين: شخص أجنبي وشخص مصري، وكلاهما يحمل الدكتوراه، الأول في الماركسية والثاني في الهندسة، وبالتالي أخذ الحوار عمومية وشمولية أكثر، فأنت حين تناقش ملحدا تدرك أنه لا يعرف القرآن ولا يؤمن به، فلا يجوز أن أستدل عند مناقشته بآيات من القرآن، لا يفهمها ولا يستوعبها ولا يقتنع بيها، إنما يجب علي أن أستخدم أدواته هو كي أصنع اللغة والأرضية المشتركة للفهم. 

 

  • توقفت أكثر من مرة عند كتاب "دفاع عن القرآن ضد منتقديه" للدكتور عبدالرحمن بدوي وقلت إنه ليس مجرد كتاب وإنما منهج في التفكير.. فهل ترحب بإقراره على طلاب الأزهر؟ وهل تأثرت في كتابك به؟

أتمنى أن يحدث ذلك، فهو من أكثر الكتب التي أثرت في، خصوصا أنني قرأته مبكرا جدا قبل كتابي بأكثر من عشرين عاما، فعبدالرحمن بدوي عندما كان يرد على كل المستشرقين لم يرد بالطريقة الساذجة، بل اتبع منهجًا علميّا حاولت أن أمده على استقامته في مناقشة كل قضايا كتابي، وبالتالي حدث التأثر.

 

  • ما هو دور الثقافة الشعبية الموروثة أو الآراء والأعراف التي تقوى على مدار العصور في تجديد الفكر الديني من عدمه؟ وكيف ترى تأثيراتها: سلبًا أم إيجابًا؟

الثقافة الشعبية الموروثة كارثة، لأنها حولت الدين إلى شيء فرعي وأساءت للدين وفهمه، وهي ناتجه من شيوخ متشددين وفهم خاطئ لأئمة بعض المساجد، لأنهم من عمقوا هذه الثقافة وساهموا في توغلها داخل المجتمع وتصوروا أن الله سبحانه وتعالى قد يقف أو يهتم عند دخولك إلى مكان هل دخلته بالقدم اليمنى أم اليسرى؟ كما لو كان الله سبحانه وتعالى لم يخلق القدم اليسرى وبنفس المواصفات، فقد كنت قديما أقسم مثلا بـ"البخاري" وكنت أظن أنه مرادف لفكرة الكتاب، وحين عرفت أنه ليس كتاب الله أخذت موقفًا ولم أكررها، لا علاقة لهذا بالدين، ولا يجوز القسم إلا بالله، وعلينا إدراك أن جوهر الدين في التعامل مع الآخر والحفاظ عليه، لكن ما يحدث هو أن البعض يريد أن يظهر إيمانه بأشياء لا تكلفه أي تكلفة حقيقية أو عناء، وللأسف الشديد لم تنتج هذه الثقافة الموروثة إلا فكرًا متخلفًا طوال الوقت، وليس لها أي وجه إيجابي بل فكرًا سلبيًا طوال الوقت.

 

  • في نهاية مقالك عن "أكاذيب الرق والردة" قلت إننا أمام حديث لم يتحقق على أرض الواقع.. فهل ثمة حديث يتحقق وآخر لا؟ أليس الأدق هو حديث صحيح وحديث مشكوك في صحته؟

وفقًا لأي معيار نحدد أن الحديث صحيح أو ضعيف؟ هذا يحيلنا إلى السند، وما يهمني هو المتن قبل السند، ولو كنا اتبعنا منهج علي ابن أبي طالب حين قال: "أنظر فيما قال وليس في من قال" لجنبنا الإسلام كثيرًا من الروايات التي دخلت عليه وليست منه في شيء، فعندما نتحدث مثلا عن حديث الردة وهو "من بدل دينه فاقتلوه" تكتشف أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يمارسه على أرض الواقع، إذن فهو حديث مختلق وليس له وجود، لكن البعض يطلق عليه "حديث ضعيف" والأخر "قوي"، وهذا ما يفتح بابًا للتساؤل: إلى أي مدى قوته؟ طالما أن القوة درجات، لكن الأصح هو قال أم لم يقل وليس قويا أم ضعيفا.

 

  • ترى أن دعاوى وقف برامج تليفزيونية أو مصادرة كتب تستخف بالتراث أو تنتقي منه الغرائب هي إهانة للدين الحنيف.. ألا تفتح بذلك الباب أمام كل من يملك منصة إعلامية لفعل ما يحلو له بالتراث الديني؟

أفعل ما يحلو لك في التراث الديني فالإسلام دين قوي جدا جدا ومتماسك إلى درجة لا تتخيلها، فلا يمكن أن تهزه منصة إعلامية أو غيره، الدين بسيط للغاية وقائم على فكرة العدالة، فليس المطلوب أن نعرف ديننا من الأخرين وننتظر شروحهم إنما هي رسالة من الله إلى رسوله إلى كافة البشر من دون وسائط، وبالتالي كل مسلم مكلف أن يعرف الرسالة وهو تكليف مباشر للعبد نفسه، وأي فتوة يتبعها أي مسلم لو كانت خاطئة أو غير صحيحة يتحمل هذا المسلم وزرها وليس من أفتى لك، وبالتالي هناك جزء كبير يقع على عاتق المتلقي أو المستمع لهذه المنصة الإعلامية.

 

  • من الواضح أن الفكر الاجتهادي في الدين يعاني من أزمة كبيرة حيث ضيق الأفق وضبابية المقصد.. في ظنك كيف نتخلص من ذلك؟

المسألة معقدة جدا، وبعض رجال الدين يقفون أساسا صلدًا وقويًا بسبب قداسة الشيوخ السابقين وكتاب التراث التي امتدت قداستهم على شيوخ عصرنا، وبالتالي بعضهم يرفض تجديد الفكر وإنما تحسين الألفاظ، وكأنهم يقومون بعمل "هدنة" مع الآخر وليس صناعة "سلام"، إذن علينا أولا: ألا نكسب هؤلاء المشايخ قداسة الماضي لأنهم بشر، وثانيا: أن يكون التعليم في مصر قائمًا على النقد والعقل وليس التلقين والحفظ، ثالثا: علينا أن ننتقي من التراث الديني- ولا أقول نعدل فيه- الجزء الإنساني العظيم فيه عن مكارم الأخلاق وعن معاملة الآخر، رابعا: يقع على عاتق وسائل الإعلام جزء كبير وهو نشر ثقافة قائمة على الأفكار العظيمة في الإسلام وألا نجعل المتلقي يقع في براثن الفكر السلفي طوال الوقت. 

 

  • باعتبارك أحد المثقفين الذين تصدوا لتجديد الفكر الديني.. ما هو الدور الذي يقع على عاتق المثقف في ذلك؟

أولا: أن يظهر المثقفون على الناس باحترام شديد للدين وألا يستخدموا أي لغة عدائية للتراث، لأن استخدامها يجعل العامة يأخذون منهم موقفا حتى قبل أن يطرحوا أفكارهم، على المثقف ألا يستخدم تعبيرات لها مفاهيم خاطئة في التراث الشعبي، فعلى سبيل المثال لو ذكر كلمة "علمانية" يصبح عند البعض كافرا قبل أن يبدأ، لا تهاجم أشخاصا أيا كان دورهم الديني وأن ينصب حديث المثقف على الأفكار الجوهرية وحدها، وعلى المثقفين أن يعيدوا قراءة التراث ويساهموا في تجديده من خلال استخدام المناهج العلمية الحديثة التي تستخدم في كافة العلوم الإنسانية لقراءة التراث كما فعل العقاد وطه حسين ومحمد حسين هيكل.