رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التريند المزوّر.. أسرار صناعة الوهم على «السوشيال ميديا» لحساب المشاهير

التريند المزوّر
التريند المزوّر

فى كتابه «تشريح الاتجاه»، شرح المؤلف هنريك فيجلجارد آلية صناعة «التريند» وترويج المحتوى بقوله: «ليس هناك سحر، ولا يوجد شىء غامض بشأنه، ولا يحدث أبدًا فجأة، رغم أنه قد يبدو كذلك فى بعض الأحيان، فالمسألة كلها عملية من صنع البشر».

وبعدة آليات وبعض الأموال ودون مجهود أصبح ممكنًا الوصول إلى قمة الشهرة، وترويج أى محتوى، مهما تضمن من معلومات وأفكار، وتحويله إلى «تريند» واسع الانتشار، على مواقع التواصل الاجتماعى، دون الحاجة إلى أى شىء آخر. وفى السطور التالية، تكشف «الدستور» تفاصيل صناعة «التريند» الزائف وترويج المحتوى عن طريق بعض الألاعيب الإلكترونية، بعد التواصل مع عدد من الشركات والمجموعات الناشطة فى هذا المجال، والتعرف على كيفية نشر أى أفكار أو موضوعات على مواقع التواصل الاجتماعى. 

إزالة 12 مليون محتوى مضلل من «فيسبوك».. وبرنامج لتدقيق الحقائق

لا تقتصر صناعة التريند على مديرى توجهات السوشيال ميديا، بل هناك من هم الأكثر خطورة، الذين لا يهمهم سوى الحصول على الأموال بطرق غير شرعية، دون مراعاة أى حقوق للضحايا، فمافيا «الهاكرز» لهم دور كبير فى صناعة «التريند»، بل فى إخفائه أحيانًا من مواقع التواصل الاجتماعى، كونهم يمتلكون القدرات والألاعيب الخاصة باختراق الصفحات والحسابات الشخصية، وإزالة كل ما نُشر عليها.

أما المبالغ التى يحصلون عليها فقد تصل إلى ١٥٠ ألف جنيه، على حسب الشخصية أو القضية التى يعملون عليها، كما أن إيجادهم والاتفاق معهم ليس سهلًا، فهم يعيشون فى عالم سرى للغاية، ويصل إليهم من لديه علاقات قوية فقط.

ورصدت إدارة موقع «فيسبوك» أرقامًا مفزعة لمعلومات وأخبار مضللة تم تداولها خلال الشهور الأخيرة، منها إزالة نحو ١٢ مليون محتوى مضلّل من الموقع، تضمن معلومات كاذبة لها علاقة بفيروس كورونا، ويمكن أن تؤدى إلى ضرر جسدى كبير.

كما أطلق الموقع برنامجًا جديدًا لتدقيق الحقائق، ويغطى المحتوى بأكثر من ٤٥ لغة حول العالم، ويعطى القدرة لرواد التواصل الاجتماعى على إبداء آرائهم تجاه المنشورات المتداولة، حين يشكون فى حقيقتها، ويهدف للفت انتباه المدققين إلى ضرورة مراجعة المحتوى المثير للشبهات.

الأسعار بين 20 و50 ألف جنيه وتنفيذ المطلوب خلال ساعتين فقط

فى وقت قصير للغاية يمكن لأى شخص أن يصبح الأكثر شهرة على صفحات التواصل الاجتماعى، خاصة موقعى «فيسبوك» و«تويتر»، كما يمكنك التشهير بأى شخص آخر فى حال العداء بينكما، وذلك عن طريق مجموعة من الشركات الناشطة فى مجال التلاعب بـ«السوشيال ميديا»، التى استغلت خبراتها بالتقنيات الحديثة لترويج أى محتويات لمن يدفع.

ودون أى تعقيدات وبمجرد دفع الثمن المطلوب سرعان ما يحقق أى شخص أو أى جماعة أو تيار أو شركة الشهرة والنجومية، بعدما نجحت بعض الشركات الناشطة فى هذا المجال منذ سنوات فى إثبات قدرتها على صناعة «التريند»، وتلبية احتياجات من يدفع.

وخلال ساعات قليلة فقط داخل عوالم بيع وشراء «التريند»، استطاعت «الدستور» التواصل مع عدد من الشركات الإلكترونية، التى تنشط فى مجال ترويج الأخبار المضللة، وتساعد على انتشار المحتوى المطلوب مقابل عدة آلاف من الجنيهات، دون أى رقابة على هذا المحتوى، ودون الانشغال بصحة المعلومات الواردة فيه ولا تأثيرها على المجتمع.

وباستخدام حساب وهمى على موقع «فيسبوك»، تواصلت «الدستور» مع بعض الأشخاص الذين ادعوا قدرتهم على ترويج المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعى، ووصلتها عدة عروض من شركات مختلفة ومجموعات متخصصة تعرض نشر أى شىء مقابل مبلغ ٥٠ ألف جنيه فقط، حتى إن بعضهم أرسل إلينا قائمة بأسعار «التريندات» التى تختلف تبعًا للمطلوب.

وقال صاحب العرض: «عندنا أكتر من ميزة فى نشر المحتوى، لو عايز تروج لصفحة معينة تكلفتها بتوصل لـ٢٠ ألف جنيه فى الشهر، ولو عايز تنشر مشكلة حصلتلك أو حاجة بتتكلم عنها هنتفق على السعر حسب الموضوع».

وبالسؤال عن المطلوب لنشر مقاطع مصورة لإدانة شخص ما، قال الناشط فى ترويج المحتوى: «دى أسهل حاجة نقدر نعملها»، موضحًا أن شركته بإمكانها نشر أى فضيحة على عدد من صفحات التواصل الاجتماعى، التى تضم عددًا كبيرًا للغاية من المتابعين والمعجبين.

وذكر أن شركته تضم العديد من التخصصات فى عالم «السوشيال ميديا»، مشيرًا إلى أن كل عضو فيها له «إمكانات خاصة» فى نشر وترويج المحتوى، سواء كان ما يجرى ترويجه عبارة عن صور أو مقاطع مصورة أو منشورات مكتوبة.

وتأكيدًا على صحة ادعاءاته، أرسل الناشط فى صناعة «التريند» قائمة بالمنشورات التى حققت رواجًا واسعًا فى الفترة الأخيرة، إذ إن الشركة التى يعمل بها كانت طرفًا رئيسيًا فى نشر هذه «التريندات» بهذا الشكل، رافضًا الكشف عن الجهات التى طلبت ترويج هذه المحتويات رغم ما فيها من مغالطات واضحة.

وأخبرنا بأن الأمر لن يتطلب أكثر من ساعتين فقط حتى يجرى ترويج أى محتوى نريد نشره فى مصر والوطن العربى، مقابل دفع المطلوب، وتحديد الفئة المستهدفة من حيث العمر والمنطقة والاهتمامات.

 

خبير: لجان الإخوان الإلكترونية نشرت الظاهرة لبث الأكاذيب

 

قال المهندس محمد حسين، الخبير الإلكترونى، إن أغلب ما يتم ترويجه أسبوعيًا على صفحات التواصل الاجتماعى مضلل بشكل كبير، وتكتشف حقيقته بعد وقت قليل، فالتريند الوهمى مكشوف للغاية.

واستدل بدراسة حديثة نشرتها مؤسسة «مؤشر المعلومات المضللة العالمى»، تكشف من خلالها عن أن قيمة الأخبار المضللة والشائعات تجاوزت تكلفتها ٢٣٥ مليون دولار، ما يدل على حجم الكارثة التى يواجهها العالم بأكمله، وليست مصر فقط.

وأشار إلى سرعة اختفاء «التريند المزيف» من الساحة، وعدم استمراره لوقت كبير، عكس باقى الأخبار التى تشغل اهتمامات رواد التواصل الاجتماعى، ما يدل على أن تلك العصابات تعتمد فى خطتها المحكمة على التوقيت الذى تقوم فيه بدس السم فى أذهان أبنائنا. وقال إن جماعة الإخوان الإرهابية كانت الطرف الأول فى انتشار هذه الظاهرة، حين اعتمدت فى نشر أخبارها المضللة على اللجان الإلكترونية، من خلال تجنيد الشباب الذين لديهم خبرة واسعة فى التحكم بصفحات التواصل الاجتماعى، وحثهم على نشر الأكاذيب والشائعات طوال الوقت. أما عن التحكم فى هذه الظاهرة، فأكد أن هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق وزارة الاتصالات ومباحث الإنترنت فى تتبع مافيا «السوشيال ميديا»، ومعاقبتها على إثارة الرأى العام، أو تشويه سمعة الأشخاص.

 

الاتفاقيات فى «جروبات» سرية.. وتسليم الأموال عن طريق محافظ إلكترونية

«لدينا مشكلة شخصية مع أحد الفنانين، ونريد رد حقنا منه بتشويه سمعته».. ذلك ما طلبناه من سمسار «التريند»، الذى لم يتردد فى التأكيد على قدرته على فعل ما طلبناه دون سؤال عن تفاصيل أو أى أسباب، فقط اكتفى بطلب مبلغ مالى ٣٠ ألف جنيه، مقابل ترويج المنشور فى عدد من صفحات مواقع التواصل الاجتماعى المعروفة.

آلية العمل المتفق على تنفيذها تضمنت نشر الخبر المفبرك الخاص بالفنان المستهدف ومجموعة صور مسيئة مفبركة تدينه بما ندعيه عليه، بجانب إحداث تفاعل كبير على موقع «تويتر» مصاحب للهاشتاجات المكونة من اسمه وفضيحته، وهذا يُعد أسهل شىء باستخدام مجموعة من الحسابات الوهمية، التى تساعد فى نشر الهاشتاجات والتويتات بسرعة وشكل أكبر.

«التريند سيستمر فى تصدر نتائج البحث والأكثر تفاعلًا على المواقع لمدة ٣ أيام».. هذا ما أخبرنا به السمسار، وأوضح لنا أنه فى حال رغبتنا فى تفعيل «التريند» لأكثر من هذه المدة فهذا يعنى المزيد من المال وفق المدة الزمنية، والشكل الذى سينتشر به الخبر.

وقال «السمسار» إن هناك مجموعة من الشباب وظيفتهم الوحيدة هى الجلوس أمام أجهزة الكمبيوتر وإنشاء العديد من الحسابات الوهمية، والعمل ضمن جروبات سرية، لإعادة نشر الأخبار داخل عدد كبير من الجروبات التى تضم عددًا كبيرًا من المتفاعلين على «السوشيال ميديا».

وطلب «السمسار» من منفذ التحقيق عربونًا قدره ١٠ آلاف جنيه لبدء العمل على الخبر المفبرك، وطلب إرسال المبلغ عبر «فودافون كاش»، ووعد بأنه بمجرد استلامه المبلغ المطلوب، ستقوم اللجان الإلكترونية بنشر الخبر فى جميع المواقع والصفحات، ويكون موعد استلام المبلغ الأخير فى اليوم التالى من تنفيذ الاتفاق.

 

قانونى: غرامة ترويج الشائعات 20 ألف جنيه والحبس سنة

 

 

 

شدد المحامى أشرف الغريب على أن جهود رجال مباحث الإنترنت لا تتوقف عند تتبع الممارسات الإجرامية من ذلك النوع، والتحرك فور الإبلاغ عنها، لفرض العقوبة القانونية، تجاه ما يرتكبونه من ممارسات إجرامية.

وعن العقوبة فى هذه الجريمة، قال «الغريب» إن المادة ١٨٨ من قانون العقوبات، نصت على الحبس مدة لا تجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تسبب فى نشر أخبار مضللة بقصد ترويج الشائعات، أو البيانات المزورة.

وناشد رواد مواقع التواصل الاجتماعى تقصى حقيقة ما ينشر قبل الترويج له، كونه يضر بالصالحين العام والخاص، والإبلاغ عن أى صفحات تتسبب بشكل واضح فى فضح المواطنين، وإثارة البلبلة، بقصد غير شرعى.

«تويتر» يتصدر «عمليات النصب».. والفروق بين الحقيقى و«المشبوه» لا يعرفها إلا المتخصص 

 

 

 

 

 

أما عن آليات تحريك المحتوى وترويجه حتى إن كان مضللًا، أو من أجل المساعدة فى شهرة شخص ما، أو إسقاط نجومية شخص آخر، فهذا ما كشفه لنا شاب ثلاثينى، قضى ١٠ سنوات من عمره فى تأسيس الصفحات الإلكترونية، والمنصات التى تساعد على صناعة المحتوى ونشره بسرعة أكبر، بعد حضوره دورات تدريبية عدة لها علاقة بالأمر.

بداية طلب الشاب عدم نشر اسمه حتى لا يتعرض لمشكلات مع صُناع المحتوى المضلل الذين يعرفونه ويعرفهم جيدًا، أو على حد قوله: «المجال دا ضيق وكلنا عارفين بعض»، فقط اكتفى بذكر ما يعرفه عن الألاعيب المستخدمة فى ترويج الشائعات والأخبار الكاذبة.

وقال الشاب: «السوشيال ميديا عبارة عن تجارة كبيرة، هناك من يعمل بها دون إيذاء أحد، لكنه لا يجنى الكثير من الأموال مقابل ما يفعله، والطريق الأسهل للحصول على أموال كثيرة هو تدمير الآخرين لتحقيق مصلحة شخص آخر يرغب فى ذلك، وعلى أتم استعداد لدفع ما يتطلب منه مقابل ذلك الأمر».

وأضاف لـ«الدستور»: «الشركات المتخصصة فى هذه التجارة المشبوهة تستغل الشباب ممن لديهم شغف كبير بوسائل التواصل الاجتماعى، ويعرفون جيدًا طرق التحكم بها، مثل إنشاء صفحات تحظى بعدد كبير من المتابعين، ثم بيع تلك الصفحات بمبالغ كبيرة، والوصول إلى ما هو أعمق، والتحكم فى توجهات السوشيال ميديا بشكل أكبر».

وأوضح أن موقع «تويتر» يحظى بنصيب الأسد فى هذه التجارة لأن الهاشتاجات هى أسهل وسيلة للوصول إلى «التريند» كعامل رئيسى فى تحريك رواد مواقع التواصل الاجتماعى تجاه قضية ما، ثم اللعب على الأمر مرة أخرى داخل صفحات الـ«فيسبوك».

واختتم: «هناك فرق شاسع بين التريند الحقيقى والمزيف، لكن لا يعرف هذه الفروقات إلا المتخصصون، ولكن أبرزها أن تشاهد سيطرة هاشتاج على التريند بمواقع التواصل الاجتماعى، ثم اختفاء الهاشتاج بعد يومين من محركات البحث».