رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة الشيخ "أبو العلا الخلفاوي" الذي هتف باسم "عرابي" ودعا لخلع "توفيق"

صلاح عيسي
صلاح عيسي

في كتابه "هوامش المقريزي.. حكايات من مصر"٬ يجمع مؤلفه الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسي٬ عشرات القصص التاريخية٬ عن أناس عاشوا على هذه الأرض٬ كما جمعت مصر عشرات الجنسيات والأديان والألوان٬ الذين عاشوا تحت سمائها٬ وكانت لهم وطنا ثانيا. 

 

كما ضمن صلاح عيسي كتابه هوامش المقريزي.. حكايات من مصر٬ عشرات الحكايات أيضا عن مصر وناسها٬ لم يذكرهم التاريخ الرسمي٬ لكن قيض الله لهم من يحكي عما تركوه من أثر. ومن هؤلاء الشيخ "أبو العلا الخلفاوي" والذي يصفه صلاح عيسي بأنه:"واحد من أكثر عباد الله حبا في الله٬ لأنه كان من أكثرهم حبا لوطنه٬ ومن أشجعهم دفاعا عنه٬ ومن أصلبهم تحملا لنتائج ما اتخذه من مواقف وما أعتنق من آراء.

 

ولد أبو العلا الخلفاوي بميت خلف بالمنوفية وإليها ينسب٬ ودرس في الأزهر طالبا٬ ودرس فيه أستاذا٬ وظل يترقي إلي أن أصبح مفتيا لمجلس الأحكام٬ وهو من أكبر المناصب القضائية في زمنه.

 

وبمجرد قيام الثورة العرابية٬ تشيع لها الشيخ أبو العلا الخلفاوي وكان قد جاوز الستين من عمره٬ وكان من أبرز المؤيدين لها والمدافعين عنها٬ وعندما تأزم الموقف بين الثوار والخديوي توفيق٬ بسبب قبول الأخير للإنذار النهائي الذي قدمته انجلترا وفرنسا٬ وطالبتا فيه بنفي عرابي وزملائه٬ كان أبو العلا الخلفاوي من أعلي الأصوات التي اعترضت علي موقف الخديوي وواجهته بشجاعة.  

 

ويتابع صلاح عيسي في كتابه هوامش المقريزي.. حكايات من مصر عن الشيخ أبو العلا الخلفاوي: وفي 27 مايو 1882 عقد الخديوي في سراي الإسماعيلية اجتماعا حضره كبار ضباط الجيش والعلماء والسياسيون السابقون٬ ليشرح لهم مبررات قبوله الإنذار وليحصل علي تأييدهم للإنذار٬ وبعد أن شرح الموقف قال: "إن الظروف اقتضت استقالة الوزارة وقبول إنذار الدولتين٬ وقد حفظت لنفسي رئاسة الجهادية وإدارة المصالح لحين تشكيل وزارة جديدة" واحتج الحاضرون علي تصرف الخديوي٬ وأعلن اللواء طلبة عصمت أن الجهادية ترفض أي رئيس خلاف أحمد عرابي٬ وتكلم المشايخ عليش والخلفاوي فاقترحا رفض طلبات الدولتين٬ وخروج الأساطيل الحربية الأجنبية من المياه المصرية٬ وطالبا بالمقاومة٬ وفسر أحدهما قوله تعالي: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ" ولما أتم كلامه انسحب طلبة عصمت احتجاجا علي ما قاله الخديوي٬ وانسحب معه الحاضرون من ضباط ومشايخ.

 

في ساحة القصر هتف الشيخ أبو العلا الخلفاوي بحياة عرابي٬ وردد كل من كان معه في الاجتماع الهتاف٬ ووصلت أصواتهم إلي الخديوي٬ فكان تحديا صريحا لموقفه ورفضا علنيا له٬ وأصبح أبو العلا الخلفاوي بعد ذلك نجم كل مواكب الثورة٬ فكان أحد الذين وقعوا الفتوي الشرعية بخلع الخديوي٬ وكان عضوا بالجمعية العمومية التي انعقدت في 23 يوليو 1882 وخلعت الخديوي توفيق٬ وأصدرت لعرابي أمرا بالاستمرار في القتال حتي هزيمة العدو٬ وإجلائه عن أرض الوطن.

 

وبعد أن هزمت الثورة بالخيانة٬ قدم الشيخ أبو العلا الخلفاوي للمحاكمة٬ وصدر الحكم بنفيه إلي قريته٬ وكان قد طعن في السن وأصيب بالشلل٬ فأرسل للخديوي توفيق رسالة قال فيها:"إن الأرض سوف تحملنا بغير إرادتك٬ وإن السماء سوف تظللنا بغير رعايتك٬ وسأتعلق بأذيال يوم القيامة وأقول: يارب هذا ظلمني فاقتص لي منه."

 

ويختتم صلاح عيسي: في منفاه كتب الشيخ أبو العلا الخلفاوي كتابا مازال مخطوطا إلي الآن٬ اسمه "نفع الخلائق علي رمز الحقائق".