رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ونس الكتب.. حكايات وأسرار محمود عبدالشكور عن أهل الفن والثقافة والإبداع

ونس الكتب
ونس الكتب

«ذات ليلة تخيلت أن صبيًا ثريًا فقد عائلته فى حادث سيارة، فورث داخل قصره مكتبة هائلة، اكتظت بعناوين لا يفهم منها شيئًا ولا يعرف قيمتها فقرر الصبى بيعها، وفى الليل كان كل كتب الأطفال التى كتبها الإنسان تتآمر معًا لإنقاذ حياتها، الشاطر حسن والسندريلا وبينوكيو وذات الرداء الأحمر وست الحسن والجمال والأقزام السبعة والسندباد وعلى بابا كلهم تضامنوا لكى يتفادوا المذبحة، وفكروا واكتشفوا أن أفضل وسيلة لإنقاذ حياتهم هى أن يعرف الصبى الصغير معنى أن يقرأ»، بهذه الكلمات صدر الناقد السينمائى والأدبى محمود عبدالشكور كتابه الجديد «ونس الكتب»، الصادر حديثًا عن دار إبييدى للنشر والتوزيع. وكما رأى «عبدالشكور» فى مقدمة كتابه كيف اجتمعت الكتب على أن تحيى موات طفل لا يعرف شيئًا عن فن القراءة، تعامل بنفس الطريقة حين جمع الكثير من الكتب ليقدمها برؤية مختلفة فى وجبة دسمة وقوية لكل الصائمين عن فعل القراءة.

ولم يكتف بأبطال الروايات الذين خلدهم أصحابهم وإنما انتقل لروايات السيرة الذاتية والمذكرات والكتب الأجنبية والروايات المترجمة ليعرف القارئ العديد من الأمور الغائبة عنه، ليكون الكتاب بمثابة عصارة مستخلصة من صاحب تجربة كبيرة.

وصدر الكتاب فى ٣٥١ صفحة من القطع الطويل واشتمل على ٥ أبواب هى «روايات مصرية، وروايات عربية، وروايات وكتب أجنبية مترجمة، والشعر والقصة القصيرة، وأخيرًا فى السيرة والمذكرات». وحوى كل فصل من الفصول العديد من القراءات، ففى القسم الأول مثلًا كانت هناك ٤٤ قراءة لـ٤٤ رواية مصرية، وفى القسم الثانى ١٥ قراءة لرواية عربية، وفى القسم الثالث ٢٦ قراءة لرواية وكتاب أجنبى مترجم، وفى القسم الرابع ١٥ قراءة لدواوين وقصص قصيرة، وأخيرًا فى القسم الخامس ٢٦ قراءة فى رواية سيرة وكتب المذكرات. ويضم الباب الأول، قراءات لأكثر من رواية لمؤلف واحد مثل إبراهيم عيسى فى روايتيه «رحلة الدم» و«حروب الرحماء» الصادرتين عن دار الكرمة، كما لم يتوقف عند جيل بعينه، بل راح ينتقل عبر الأجيال القديمة والحديثة. وهناك عبارة لازمت «عبدالشكور» فى قراءاته، وهى أن ما يتحدث عنه هو من أفضل ما صدر فى عامه، بما يعنى أنه كتب عن الأعمال التى وجد أنها فاتنة وترك العديد من الأعمال الأخرى، فيما تستعرض «الدستور» فى السطور التالية، أجزاء مما كتبه «عبدالشكور» عن أهم الأعمال.

 

نجيب محفوظ استقى شخصيات رواياته من أجواء عمله بـ«الأوقاف»

 

«سيد الأدباء موظفًا.. نجيب محفوظ بختم النسر»، كتاب صادر عن مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة فى دورته الحادية والعشرين للكاتب الصحفى طارق الطاهر، ويحوى الملف الوظيفى لأديب نوبل.

قال «عبدالشكور» عن الكتاب: «رغم أن الوظائف التى شغلها محفوظ، قد التهمت نصف وقته، فإنها وفرت له استقرارًا ماليًا- مرتبه مثلًا عند تعيينه فى وزارة الأوقاف عام ١٩٣٩ كان ١٢ جنيهًا، وهو رقم معتبر بمعايير تلك السنوات- كما أتاح له عمله فى مكتبة الغورى، أن يقرأ عيون الروايات العالمية؛ مثل «البحث عن الزمن المفقود»، ومن خلال الوظيفة استلهم شخصيات روائية شهيرة؛ مثل أحمد عاكف، الذى كان زميلًا له يحمل نفس الاسم فى إدارة الجامعة، ومثل عدد كبير من شخصيات «المرايا» القادمين من عمله لمدة ١٧ عامًا فى وزارة الأوقاف، كما استفاد كثيرًا من عمله فى إدارة القرض الحسن بالوزارة، فقد كان يتعامل مع سيدات من بيئات شعبية، جئن لرهن مصاغهن للحصول على القروض، ولكل امرأة حكاية ورواية».

ويكمل: «ملف محفوظ الوظيفى فى ٣٠٠ ورقة، ولكن المؤلف انتقى منها ما يرسم صورة دالة متماسكة، وهكذا تحولت الأوراق العتيقة المرصعة بخط محفوظ الجميل، إلى حياة كاملة، تتقاطع فيها الوظيفة مع الأدب، ومع العزوبية والزواج، تظهر فى الكتاب الأسماء الكبيرة التى عمل معها محفوظ، من أستاذه الشيخ مصطفى عبدالرازق، إلى على أحمد باكثير، ويحيى حقى، وثروت عكاشة، وتبدو الأوراق كاشفة عن معلومات طريفة تاهت أو فقدت، منها مثلًا أن محفوظ حصل على البكالوريا، التى تساوى الثانوية العامة، بمجموع ٦٠٪، ومنها أنه أُعفى من دخول التجنيد؛ لأن شقيقه محمد كان ضابطًا فى الجيش».

ويواصل: «محفوظ الذى أخفى حكاية زواجه وإنجابه، يُضطر كموظف أن يسجلها تفصيليًا فى الأوراق، التى احتفظت أيضًا ببلاغته، فكتب ذات مرة فى طلب إجازة: «أتشرف بأن أرجو الموافقة على منحى إجازتى الاعتيادية، قانعًا منها بالمدة من ١٢- ٩-١٩٥٩ إلى ١-١٠-١٩٥٩، مراعاة للفترة التى قضيتها فى رحلة يوغوسلافيا».

ويتابع: «الأوراق، عمومًا، تكشف عن موظف كبير، كل تقارير رؤسائه تعطيه ١٠٠٪، باستثناء مرة واحدة فى العام ١٩٥٤ حصل فيها على ٩٤٪ فقط، كما تكشف مسيرته الوظيفية عن أنه رفع قضية وكسبها، بعد أن سحبوا منه الدرجة الرابعة فى وزارة الأوقاف، لصالح شخص آخر، لديه واسطة مريبة أخلاقيًا».

 

إيمان مرسال تبحث عن نفسها

 

انتقل «عبدالشكور» للكاتبة إيمان مرسال فى كتابها الفائز مؤخرًا بجائزة الشيخ زايد تحت عنوان «فى أثر عنايات الزيات»، الذى صدر عن دار الكتب خان، حيث يقول: «هذا الكتاب يحفر عميقًا فى البشر والأماكن والحوادث، ويمزج بين الخاص والعام، سؤاله المحورى سبب انتحار الأديبة عنايات الزيات، وهى تبدأ بالكاد عامها الـ٢٧، لم تطبع روايتها الوحيدة «الحب والصمت» إلا فى ١٩٦٧، غابت عنايات وروايتها عن المشهد الأدبى، سقطت سهوًا من الحياة، ومن قوائم الأعمال الأدبية، بل غاب اسمها عن شجرة العائلة، دفنت فى مقبرة هامشية، سرعان ما هدمت وسقط شاهدها». ويتابع: «إيمان تبحث عن عنايات فكأنها تبحث إيمان، عن ذاتها، وعن المرأة فى ذلك الزمن العاصف.

 

عبدالرحمن الأبنودى من حكاء شفاهى إلى كاتب من الطبقة الرفيعة

 

 

يرى محمود عبدالشكور أن التحدى الأكبر الذى حققه الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودى من خلال كتابه «أيامى الحلوة»، الذى صدر عن مكتبة الأسرة فى ٧٧٠ صفحة، ليس لأنه ينقل ثقافة إقليم الصعيد بأكمله فى صورة فنية باذخة الروعة والإتقان، ولكن فى أن يتحول هو شخصيًا من حكاء شفاهى من طبقة الحكواتية ومنشدى السيرة إلى كاتب من نفس الطبقة الرفيعة، الأبنودى كان يصنف نفسه عن وعى وعن حق بأنه حكاء شفهى أو قوال، ولذلك كان يرى شعره ناقصًا إذا لم يكتمل بإلقائه الشعر».

ويكمل «عبدالشكور»: «كنوز من الفلكلور الصعيدى الذى عرفته عن قرب، وحرية كاملة فى أشكال السرد ما بين القصة والنادرة وبورتريه الشخصيات، بل إن فيها ما يمكن أن يكون دراسات فلكلورية ممتعة، لا توجد مسافة بين الحكى عن الذات والحكى عن الآخر، سيرة عبدالرحمن هى سيرة فاطمة وست أبوها والشيخ محمود وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبدالله وهاشم الكيال ويامنة أبوالعلا ومراد الحلاق ومحمد مصطفى «البطل الأصلى للسيرة الشعرية أحمد سماعين»، وسيرة عبدالرحمن هى رغيف البتاو والأغنام التى يرعاها والفيضان وصيد البلطى والقرقار وشارع الصهريج ومولد سيدى عبدالرحيم ومدرسة المحطة، مواصلًا: «أيامى الحلوة يتجاوز فعلًا أن يكون مستودعًا لفنون الصعيد العظيمة، ويتجاوز فكرة السيرة الذاتية رغم أن فيه المثير من ملامحها.

 

محمد خان تمنى تصوير الأيام الأخيرة فى حياة العندليب ليستخدمها فى فيلم عنه

 

 

«سعيد شيمى.. خبرة السينما والإنسانية والصداقة» تحت هذا العنوان، يقدم محمود عبدالشكور قراءته لثلاثية «خطابات محمد خان إلى سعيد شيمى» التى صدرت عن دار الكرمة، إذ يقول: «كأن خان يكتب لنفسه بكل بساطة وجرأة، إنه يعترف فى خطاباته بكل المتاعب التى واجهها، يحكى عن قصصه العاطفية الفاشلة، وعن علاقته بأبيه وأمه، وعن حلمه الأبدى بأن يصبح مخرجًا، وبأن يعود إلى وطنه مصر، لكى يصنع أفلامًا، ويحقق السينما التى يريدها». ويواصل: «فى الجزء الثالث من الكتاب تتعقد الأمور وتصل إلى الذروة بوفاة والد محمد خان، الطريقة التى وصف بها خان لحظات وفاة والده الأخيرة، تبدو مثل سيناريو مكتوب، محبته لوالده تظهر فى هذه المواقف الصعبة، حرص على ألا يخضع الجثمان للتشريح، وأن يدفن فى مقابر المسلمين بأسرع ما يمكن، وانتهى من إجراءات الجنازة والميراث فى فترة قصيرة». ويكمل: «نكتشف فى هذا الجزء أن الحياة قد جعلت من الابن الوحيد المدلل رجلًا مسئولًا، لديه فى لندن محل لبيع البنطلونات الجينز، ولكن حلم السينما لا يمكن أن يموت أبدًا، داخل بيته وعلى زجاج المحل تتناثر صور الأفيشات والأفلام، كل شىء يكتبه محمد خان بعدسة السينمائى؛ حتى عندما يموت عبدالحليم حافظ فى أحد مستشفيات لندن يكتب خان لشيمى أنه كان يتمنى أن تكون معه كاميرا سينمائية ليسجل أيام عبدالحليم الأخيرة ليستخدمها فى عمل عن حياة العندليب».

 

 

وباء شبيه بكورونا فتك بـ180 ألف مصرى منذ 100 عام

 

 

 

«الوباء الذى قتل ١٨٠ ألف مصرى»، كتاب يصفه محمود عبدالشكور بالمهم والطريف، الذى بذل فيه مؤلفه الدكتور محمد أبوالغار جهدًا مشكورًا فى التوثيق وجمع المادة، ليؤرخ لحدث خطير سقط من الذاكرة، وتاه وسط أحداث زمنه الجسام.

ويكمل: «كتاب الوباء الذى قتل ١٨٠ ألف مصرى»، والصادر عن دار الشروق يؤرخ فيه مؤلفه محمد أبوالغار لوباء الإنفلونزا الإسبانية الشهير، الذى اجتاح العالم ومصر فى عامى ١٩١٨ و١٩١٩، وتوجد كتب وإحصائيات كثيرة عما فعله الوباء فى العالم، ولكن أحدًا من المؤرخين المصريين لم يتوقف ليوثق ما فعله الوباء فى مصر، لدرجة أن البعض ظن أن الوباء «معداش على مصر أصلًا».

 

عذابات محمد رشدى والأغنية الواحدة

 

يمتدح «عبدالشكور» كتاب سعيد الشحات الصادر عن دار ريشة «مذكرات محمد رشدى»، واصفًا إياه بأنه أفضل وأمتع ما قرأ خلال عام ٢٠٢٠.

ويقول «عبدالشكور»: «يحدثنا بالتفصيل عن شخصيات مهمة ذكرها رشدى عابرًا، مثل زينب المنصورية والمطرب الفذ محمد العزبى، الذى تأثر به رشدى، وكذلك فريد الأطرش، بل إن كاتب المذكرات المولع بالدقة يقارن بين الروايات المختلفة، لكى يحدد تاريخ لقاء ما أو يوم إذاعة أغنية شهيرة، بل إننى أظنه وثق أشياء لم يتسع وقت رشدى لتوثيقها، ويكمل: «يقول رشدى إنه ظل لسنوات مطرب الأغنية الواحدة وهى أغنية (قولوا لمأذون البلد)».

 

صلاح أبوسيف.. البطل الحقيقى لفيلم «شباب امرأة» 

 

 

ينتقل «عبدالشكور» لكتاب «صلاح أبوسيف.. مذكرات مجهولة» الذى صدر ضمن مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى للكاتب الصحفى عادل حمودة، وقدم له الناقد طارق الشناوى، حيث تحضر فى الكتاب شخصيات عرفها «أبوسيف» مثل البير قصيرى قبل هجرته إلى فرنسا، وكامل التلمسانى الظريف فى الحياة والعنيف فى الاستديو، وكمال سليم الذى تغير فصار ديكتاتورًا بعد نجاح فيلم «العزيمة».

كما يتناول ولى الدين سامح، مهندس الديكور، تركى الأصل الذى يحتقر المخرجين المصريين، وتحية كاريوكا التى أنفقت أجرها فى «شباب امرأة» على عزائم الطعام فى الاستديو، وزكى رستم الذى كان يطلب عشر دقائق قبل التصوير لكى يندمج، ونجيب محفوظ الذى تعلم كتابة السيناريو على يد صلاح أبوسيف».

ويكمل: «ربما تكون هذه الاعترافات التى سجلها عادل حمودة فى بداية التسعينيات وراجعها صلاح أبوسيف بعد تفريغها هى الأكثر جرأة، ولكنه ظل محافظًا فى الحديث عن بعض التجارب خصوصًا تلك المرأة الحقيقية التى استلهم منها قصة «شباب امرأة» وهى سيدة عرفها فى باريس وكان هو بطل القصة، لا تفاصيل ولا أسماء رغم أنه حكى قصصًا أخرى عن صدمة الجنس عند زيارته إلى باريس».

 

التاريخ حينما يستمد مصادره من الفن والأدب

 

 

ينتقل «عبدالشكور» إلى كتاب الدكتور والمؤرخ محمد عفيفى «تاريخ آخر لمصر»، الصادر عن دار بتانة، الذى يطرح فيه رؤيته اللامعة حول استفادة التاريخ من الأدب والفن والفلكلور، ويعتمد على مصادر قد تكون أكثر دلالة وأهمية من الوثائق المكتوبة، التى ما زالت تمتلك قداسة مبالغًا فيها لدى مؤرخى المدرسة التقليدية، مع أن الوثائق المكتوبة يمكن تزويرها، ومع أن كبار المؤرخين من «هيرودوت» إلى «الجبرتى»، كانوا يلجأون إلى مصادر شفاهية وغير مكتوبة، وكانوا يقومون بدور الصحافة قبل ظهورها؛ يستقصون ويسألون الشهود، ويكتبون عنهم ما لم يشاهدوه.