رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف دعا الرئيس السيسى لتجديد الخطاب الدينى ومواجهة الإرهاب بالبناء؟

السيسى
السيسى

يملك الرئيس السيسى منذ وقت مبكر رؤية فكرية متكاملة للواقع المصرى والعربى والإسلامى.. وهذه الرؤية هى التى دفعته منذ وقت مبكر لطرح قضية تجديد الخطاب الدينى، وكان أهم ملامح هذا التجديد من وجهة نظره، الاجتهاد فى فهم النصوص التى تتحدث عن مفهوم الجهاد، الحرب، والعلاقة بالعالم، مع الحفاظ على ثوابت العقيدة، وإعادة النظر فى النصوص التى يستخدمها التكفيريون.. فى الصفحات المقبلة ترصد «الدستور» أبرز المناسبات التى تحدث فيها الرئيس عن تطوير الخطاب الدينى، وأبرز عباراته فى هذا السياق.

 

الاحتفال بالمولد النبوى الشريف 1 يناير 2015.. هناك نصوص وأفكار تم تقديسها وهى تعادى الدنيا كلها

١٥ دقيقة كانت مدة خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء حضوره احتفالية وزارة الأوقاف بذكرى المولد النبوى، يوم الخميس ١ يناير ٢٠١٥، فى حضور رئيس مجلس الوزراء آنذاك، المهندس إبراهيم محلب، وشيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب، والبابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.

ووجه الرئيس خلال الخطاب عدة رسائل، الأولى تمنى أن يكون عام ٢٠١٥ «عام خير وسلام واستقرار» للعالم، موجهًا رسالة لشيوخ وعلماء الأزهر الشريف، طالبهم فيها بـ«تجديد الخطاب الدينى».

الرسالة الثانية من السيسى كانت تتلخص فى دعوة المصريين إلى «التأسى بالرسول كقدوة»، الذى دعا إلى نشر قيم العدل والمساواة، فيما كانت الرسالة الثالثة تدور حول «عدم الاقتصار على المظاهر الاحتفالية» فيما يتعلق بإحياء ذكرى مولد النبى محمد، داعيًا فى رسالته الرابعة إلى تدبر سيرته العطرة منذ مولده، مرورًا بحياته ورسالته وانتهاءً بوفاته، واصفًا رسالته الدينية بأنها كانت «دستورًا للإنسانية».

واعتبر السيسى فى رسالته الخامسة أن وفاة النبى محمد تشير إلى أنه «لن يبقى من بعد موت الإنسان إلا ما قدمت يداه»، ولم يكتف السيسى بتوجيه الرسائل إلى المصريين بل تساءل: «هل نحن حقًا قد اتبعنا تعاليم رسول الله؟»، وتبعه بسؤال ثان يقول: «أين نحن من أخلاقه وصفاته وأوامره ونواهيه؟».

رسالة السيسى السادسة كان ملخصها أن «نحسن القول والعمل وأن نسعى إلى التعليم»، وفقًا لسنة النبى محمد، داعيًا فى رسالته السابعة إلى أن «نتوكل على الله، وبالتالى ينبغى علينا ألا نتواكل اعتمادًا على صدفة»، وعبَّر السيسى عن حاجة المصريين إلى الصدق والأمانة، موضحًا فى رسالته الثامنة: «ما أحوجنا لتلمس ذلك الصدق وتلك الأمانة»، مقدمًا تساؤله الثالث: «يا ترى إحنا صادقين فى كل أحوالنا وفى كل تصرفاتنا فيه صدق وأمانة ولا لأ؟».

وعن تجديد الخطاب الدينى، قال فى رسالته التاسعة «الخطاب الدينى اللى بنقصده اللى هو بيتناغم مع عصره»، موجهًا حديثه لأهل الدين: «لازم نتوقف كثيرًا قدام الحالة اللى إحنا موجودين فيها»، مشيرًا إلى «نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب أوى لدرجة أنها بتعادى الدنيا كلها»، مقدمًا سؤاله الرابع: «يعنى الـ١.٦ مليار هيقتلوا الدنيا اللى فيها ٧ مليارات عشان يعيشوا هما؟».

وقال لعلماء الأزهر فيما يتعلق بتجديد الخطاب الدينى: إنه لا بد أن يكون «تجديدًا واعيًا»، مشددًا على «دعم الدولة الخطاب الدينى الوسطى»، مضيفًا: «والله لأحاججكم يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى»، ملخصًا بعدها رسالته العاشرة، بقوله: «محتاجين ثورة دينية»، حيث وجه حديثه إلى شيخ الأزهر، موضحًا: «الدنيا كلها منتظرة منكم ومنتظرة كلمتكم، والأمة دى بتضيع وضياعها بإيدينا إحنا».

ودعا فى رسالته الـ١١ إلى أن يكون رسول الله هو الأسوة فى بناء مصر من حيث «إتقان العمل والمثابرة»، مضيفًا: «ما أحوجنا إلى الإتقان الحقيقى فى كل المناحى»، متحدثًا عن زيارته الأخيرة إلى الصين، لافتًا إلى أنهم يقدمون «التعليم لغاية ٩ مراحل بالمجان»، مشيرًا إلى أنه لا يقصد أى شىء فيما يذكره، موضحًا: «أنا ما بقصدش أى حاجة»، مضيفًا: «فبقول لهم لغاية الإعدادية بس»، مشيرًا إلى أنهم أبلغوه: «التعليم لغاية الإعدادية جيد ومتقن كويس»، فطرح سؤاله الخامس: «يا ترى التعليم عندنا متقن جيد؟».

وقال فى رسالته الـ١٢: «نحتاج ثورة على النفس ثورة ضمير وثورة أخلاق»، مشددًا على أهميتها لـ«بناء الإنسان المصرى».

وتطرق إلى الحديث عن «ظواهر إرهابية يرفضها ديننا الحنيف»، وقال: «عظّم نبينا حرمة النفس»، موجهًا رسالته الـ١٣ لرجال الجيش والشرطة: «إن الله معكم فى دفاعكم عن وطننا وشعبنا».

كما هنأ المسيحيين بعيد الميلاد المجيد، قائلًا: «كل سنة وأنتم طيبين»، داعيًا إلى «العدل معهم والبر بهم»، خاتمًا بأن ذكرى المولد النبوى «عيد للإنسانية، فما أحوجنا للاهتداء بنور النبوة».

 

الاحتفال بـالمولد النبوى فى مركز المنارة  الخميس 7 نوفمبر 2019.. المنهج المبنى على أسباب الدنيا وقوانينها وتطورها ينتصر فى النهاية

 

قال الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن التطرف والإرهاب، والتشكيك الكاذب، والافتراء على الحق، وجميع محاولات التدمير والتخريب المادية والمعنوية التى نواجهها، لن تثنى هذا الشعب ذا الإرادة الحديدية عن المضى فى طريقه نحو المستقبل الأفضل، مضيفًا: «سنواجه الشر بالخير، والهدم بالبناء، واليأس بالعمل، والفتن بالوحدة والتماسك».

جاء ذلك فى الكلمة التى ألقاها الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال الاحتفال بـالمولد النبوى الشريف، الذى عُقد اليوم فى مركز المنارة شرق القاهرة.

وإلى نص الكلمة..

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف،

السادة العلماء والأئمة الأجلاء،

السيدات والسادة،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، 

اسمحوا لى فى البداية.. أن أتوجه بالتهنئة لشعب مصر العظيم.. ولجميع الشعوب العربية والإسلامية.. بمناسبة ذكرى مولد النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم.. وأدعو الله سبحانه وتعالى.. أن يعيد هذه الذكرى العطرة.. بالخير على الشعب المصرى.. وعلى جميع المسلمين فى جميع أنحاء الأرض.

الحضور الكريم،

إنّ احتفالَنا اليوم بذكرى مولد نبى الرحمةِ والهدى.. يمثل مناسبة طيبة، للتأمل فى جوهر ومقاصد الرسالة التى تلقاها النبى الكريم.. والتى بلغها لنا متحملًا فى سبيل ذلك الكثير من الأذى.. الذى لم يحل بينه، صلى الله عليه وسلم، وبين أداء الأمانة، التى كلفه بها الله عز وجل.

إن فى المشاق الجسيمة، التى تحملها الرسول الكريم.. ما يعطى لنا الكثير من الدروس الواجب تعلمها واستيعابها.. وفى مقدمتها، تحمل الأذى بثبات.. والصبر على المكاره بأمل فى نصر الله.. ومواجهة الصعاب بعمل دءوب لا ينقطع.

إن المنهج الذى يجمع بين الإيمان واليقين فى الله سبحانه وتعالى.. والعمل المنظم والجهد المتواصل، المبنى على أسباب الدنيا وقوانينها وتطورها.. لهو المنهج الذى ينتصر فى النهاية.. إذ إن الله عز وجل يكافئ المجتهدين.. الذين يسعون للخير والسلام وتعمير الحياة.. ويعملون على تخفيف آلام الناس.. وتحسين الواقع الذى يعيشون فيه.

وأقول لكم بكل الصدق.. إننا إذ نقتدى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.. فإننا نبذل أقصى الجهد.. لتحقيق نقلة نوعية فى أداء دولتنا.. وتوفير أسباب القوة والتقدم لها.. على جميع المستويات.

فالأمانة التى يتحملها كل منا فى نطاق مسئوليته.. تحتم عليه ألا يدخر جهدًا فى الإحاطة بأسباب التقدم والعلو.. وتجنب أسباب الفشل والانهيار.

وبينما لا يشغلنا شىء عن تحقيق تطلعات شعب مصر العظيم.. فى الأمان والسلام والتنمية والازدهار.. لا نلتفت إلى محاولات التعطيل والإعاقة.. التى يقوم بها أعداؤنا.. ويكون ردنا عليها هو المزيد من العمل.. والكثير من الجهد.. والنظر إلى الأمام بأمل وثقة موقنين بوعد الله سبحانه وتعالى.. بأن ما ينفع الناس يمكث فى الأرض.

والحق أقول لكم.. إننى أثق تمام الثقة، فى نصر الله القريب لمصر وشعبها.. وفى تحقيق آمالنا جميعًا.. فى بناء وطن حديث متقدم، ينعم فيه شعبنا العظيم بحياة كريمة آمنة.

إن التطرف والإرهاب، والتشكيك الكاذب، والافتراء على الحق.. وجميع محاولات التدمير والتخريب المادية والمعنوية التى نواجهها.. لن تثنى هذا الشعب ذا الإرادة الحديدية.. عن المضى فى طريقه نحو المستقبل الأفضل.

سنواجه الشر بالخير.. والهدم بالبناء.. واليأس بالعمل.. والفتن بالوحدة والتماسك.

السيدات والسادة،

الحضور الكريم،

لعل سيرة النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم.. تكون لنا جميعًا قدوة حسنة.. تلهمنا القوة والإرادة.. والصبر والتحمل.. والجرأة والشجاعة.. وسلامة المقصد.. والغاية.

أشكركم،

وكل عام وأنتم بخير، ومصر الغالية فى تقدم ورفعة،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجلسة الأولى للمؤتمر الوطنى الثامن للشباب14 سبتمبر 2019.. علماء الدين متأخرون 800 سنة فى تفسير بعض النصوص

تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى، عن تجديد الخطاب الدينى، بتاريخ السبت ١٤ سبتمبر ٢٠١٩ خلال كلمته فى الجلسة الأولى للمؤتمر الوطنى الثامن للشباب بعنوان «تقييم تجربة مكافحة الإرهاب محليًا وإقليميًا». 

وقال الرئيس السيسى: «يا ترى الناس بتوع الدين شايفة تأثير عدم المواجهة الفكرية وتصويب الخطاب الدينى إزاى وإحنا بنواجه الإرهاب، أنت مش مصدق إنك متأخر ٨٠٠ سنة فى تفسيرك لبعض النصوص؟».

وتابع: «مش بتكلم فى ثوابت، ماحدش يقدر يتكلم فى ثوابت، أنا بقول تجديد الخطاب الدينى بما يتلاءم مع العصر اللى إحنا فيه، اللى بنقدمه بيصطدم مع الحياة ومع الإنسانية وتطورها، ربنا عمره ما ينزل أديان تصطدم مع التطور».

وأوضح السيسى أنه للأسف الإرهاب فى زيادة وليس انحسارًا، مضيفًا: «الإرهاب وّحش وخرج عن سيطرة اللى أطلقوه».

المؤتمر العالمى للأزهر٢٧ يناير ٢٠٢٠.. التجديد يجب أن يكون فى فقه المعاملات ومجالات الحياة العملية

 

ألقى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، صباح يوم ٢٧/١/٢٠٢٠، كلمة نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى المؤتمر العالمى للأزهر، الذى جاء تحت عنوان «مؤتمر الأزهر العالمى للتجديد فى الفكر الإسلامى».

وفى بداية كلمة الرئيس السيسى، التى ألقاها رئيس الوزراء، قال: «يطيب لى أن أرحب بكم جميعًا، فى بلد الأزهر الشريف، أرض مصر الطيبة التى تجلت عليها الذات الإلهية فزادتها قدسيًة وتشريفًا وتعظيمًا»، مُرحبًا بالضيوف على أرض وطن يمد يده بالخير والسلام والمحبة للجميع، من علماء المسلمين ومفكريهم ومثقفيهم فى هذا المؤتمر الاستثنائى، الذى نتطلع إلى دوره المهم فى تطوير الخطاب الدينى، لدعم مسيرة الأوطان العربية والإسلامية، وبث روح العمل والجد والمثابرة، وهى كلها شروط ضرورية للتنمية الشاملة المستدامة التى نسعى لتحقيقها فى المستقبل القريب إن شاء الله.

وتابع: لقد طالبتُ المؤسسات الدينية منذ عدة سنوات، وفى مقدمتها مؤسسة الأزهر الشريف، بأن تولى الأهمية القصوى لموضوع تجديد الخطاب الدينى، من منطلق أن أى تقاعس أو تراخٍ عن الاهتمام بهذا الأمر من شأنه ترك الساحة لأدعياء العلم وأشباه العلماء من غير المتخصصين ليخطفوا عقول الشباب ويزينوا لهم استباحة القتل والنهب والاعتداء على الأموال والأعراض، ويدلسوا عليهم أحكام الشريعة السمحة، وينقلوا لهم الفهم الخاطئ المنحرف فى تفسير القرآن الكريم، والتشويه المتعمد للسُنة المطهرة، ومن ثم جاء انعقاد هذا المؤتمر الحافل بهذه النخبة المختارة من كبار العلماء، ومُمثلى المؤسسات الدينية من الوزراء والمُفتين والمستشارين الدينيين من ٤١ دولة.

وأعرب الرئيس السيسى، فى كلمته، عن بالغ سروره وتقديره الكبير لهذا العمل الجليل، وتمنياته بأن تأتى نتائج هذا المؤتمر على قدر التحديات التى تُواجه عالمنا الإسلامى والعربى، وفى مقدمتها تحدى الإرهاب والتطرف، هذا الوباء الذى إن تُرك وشأنه فسوف يقضى على كل أمل فى تحقيق الاستقرار والبناء، ويحول دون تحقيق مسيرة التقدم والرفاهية.

كما أعرب الرئيس السيسى، فى كلمته التى ألقاها رئيس مجلس الوزراء، عن أمله فى أن ينتهى المؤتمر إلى حلول عملية لمختلف المشكلات والقضايا الفقهية والتشريعية، التى ينقسم حولها المسلمون، وتُشعل فتيل الاختلاف بينهم، مُوجهًا الحديث للعلماء والحضور بالمؤتمر قائلًا: إننا حين نطالبكم بتجديد الخطاب الدينى فإن ذاكرتنا تعى وتستوعب نهج النبى الكريم، صلى الله عليه وسلّم، فى هذا الإطار، مؤكدًا أن التجديد الذى نتطلع إليه ليس هو التجديد فى ثوابت الدين، ولا فى العقيدة، أو غيرها من الأحكام، التى اتفق أئمة الدين على إثباتها، فلا يوجد مسلم يؤمن بالله وكتبه ورسله يطلب تحليل الحرام، أو إباحة الكبائر، أو أى تشريع جديد يعارض القرآن والسُّنة الصحيحة، أو يصدم المقاصد العليا للشريعة.

وأوضح الرئيس السيسى، فى كلمته، أن التجديد الذى ننتظره هو التجديد فى فقه المعاملات فى مجالات الحياة العملية، ونحن متفقون على أن كثيرًا من أحكام هذا الفقه تغيرت من جيل إلى جيل على مدى عشرة قرون على الأقل، فلماذا يُحرم جيلنا من هذه الأحكام التى تُيسر الحياة، وجيلنا أحق الأجيال بالتجديد لما يواجهه من تحديات تتغير كل يوم بل كل لحظة، وأنتم أهل هذا العلم والمتمكنون من ضوابطه وشروطه أدرى الناس بأن من رحمة الله بنا أن شرع لنا أحكامًا ثابتة لا تجديد فيها وأحكامًا تتغير تبعًا للتطور، والفتوى هى الأخرى تتغيّر من بلد إلى بلد، ومن عصر إلى عصر، ومن شخص لآخر.

واختتم رئيس الوزراء كلمة الرئيس السيسى بالقول: إننى إذ أؤكد مرةً أخرى ضرورة موضوع «التجديد» لإنقاذ الإسلام والمسلمين، أتمنى أن يكون مؤتمركم هذا فاتحة لسلسلة قادمة من المؤتمرات فى هذا الإطار التى تتجدد عامًا بعد عام، مع دعائى للعلى القدير أن يوفقكم ويأخذ بأيديكم إلى ما فيه خير الأمّة ونفعها وصلاحها ورُقيها.

 

احتفالية الأوقاف بذكرى المولد النبوى 28 أكتوبر 2020.. مسئولية ثقيلة على علماء الدين لتصحيح المفاهيم وحماية الدولة

 

شهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، يوم الأربعاء ٢٨ أكتوبر ٢٠٢٠، احتفالية وزارة الأوقاف بذكرى المولد النبوى الشريف، بحضور شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ورئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، ومفتى الديار المصرية الدكتور شوقى علام.

وقال الرئيس السيسى إن شريعة الإسلام السمحة تقوم على أساس البناء لا الهدم، وعلى علماء الدين مهمة تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر صحيح الدين فى مواجهة دعاة الشر.

وجاء نص كلمة الرئيس السيسى على النحو التالى:

فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، السادة العلماء والأئمة الأجلاء، السيدات والسادة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نحتفل اليوم معًا بذكرى مولد نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، الذى أرسى بالحكمة والموعظة الحسنة دعائم وأسسًا عظيمة وخالدة للإنسانية جمعاء، وأتوجه بالتهنئة لشعب مصر الكريم ولكل الشعوب العربية والإسلامية بمناسبة هذه الذكرى العطرة، وأدعو الله سبحانه وتعالى، أن يعيدها على الشعب المصرى، وعلى الأمتين العربية والإسلامية وعلى العالم أجمع بالخير واليمن والبركات.

الحضور الكريم

إن احتفالنا اليوم بذكرى مولد سيد الخلق ونبى الرحمة، صلى الله عليه وسلم، يستدعى كل معانى الرحمة فى ديننا الحنيف، ويذكرنا بأن شريعة الإسلام السمحة قد قامت على البناء لا الهدم، وذلك تبيانًا لقول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»، بكل ما تحمله كلمة العالمين من معانى العموم والشمول والسعة، فمقاصد الأديان قائمة على تحقيق مصالح البلاد ومنفعة العباد من خلال السماحة واليسر، وليس التطرف والتشدد والعسر.

من هنا، ستظل قضية الوعى الرشيد وفهم صحيح الدين من أولويات المرحلة الراهنة فى مواجهة أهل الشر الذين يحرفون معانى النصوص ويخرجونها من سياقها، ويفسرونها وفق أهدافهم أو يعتمدون على تفسيرات خاطئة لها، مما يتطلب الاستمرار فى المهمة والمسئولية الثقيلة التى يقوم بها علماء الدين لتصحيح المفاهيم الخاطئة وتصويبها، لنحمى المجتمع والدولة من مخططات التخريب، وليدرك العالم أجمع سماحة الدين الإسلامى العظيم الذى يتأسس على الرحمة والتسامح والتعايش السلمى بين الناس جميعًا.

ومما لا شك فيه أن بناء الوعى الرشيد، يتطلب تضافر كل المؤسسات الدينية والتربوية والثقافية والإعلامية للإسهام فى بناء الشخصية القوية السوية القادرة على مواجهة التحديات والتمييز بين الحق والباطل، وبين الوعى السديد والوعى الزائف، وبين الحقائق والشائعات.

وإننى إذ أُقدر الدور الذى تقوم به مؤسسات الدولة الدينية فى نشر الفكر المستنير وتصحيح المفاهيم الخاطئة، فإننى أؤكد أننا فى حاجة إلى مضاعفة الجهد المبذول من جميع مؤسسات ومنظومة بناء الوعى، للوصول إلى جميع شرائح المجتمع فى هذه المرحلة الفارقة من تاريخ أمتنا ومنطقتنا والعالم من حولنا، وأؤكد لكم أن الدولة لن تألو جهدًا فى دعم الأئمة وفى توفير المناخ المناسب لأدائهم للدور المرجو منهم فى المرحلة الحالية من تاريخ مصر لدعم الخطاب الدينى الوسطى المستنير.

الحضور الكريم

لقد وهبنا الله سبحانه وتعالى نعمة العقل التى ميز بها الإنسان وشرفه على سائر مخلوقاته، ودعانا من خلال تلك النعمة العظيمة إلى البحث والتدبر فى ملكوت السماوات والأرض، وما يحتويه من دقة فى الصنع وإبداع فى الخلق، وإحكام فى النظام، وفرض علينا أن نصون هذه النعمة المميزة والمنحة الفريدة، ونهانا عن أن نسىء إليها بخرافات وأوهام أو أن نتبع أفكارًا هدامة بتعصب أعمى أو بانصياع يسلب الإرادة والقدرة على التفكير والإبداع والعمل والإنتاج.

كما أن رسالة الإسلام التى تلقيناها من الرسول الكريم جاءت انتصارًا للحرية، حرية الإيمان والاختيار والاعتقاد، وحرية الفكر، إلا أن تلك الحريات لم تأتِ مطْلقة حتى لا تحولها أهواء النفس البشرية إلى فوضى تبيح التخريب والتدمير، كما أن تلك الحريات ينبغى أن تقف عند حدود حريات الآخرين، تحترم الجميع ولا تخرج عن المنظومة المُحكمة التى خلق الله الكون فى إطارها، فما قد يعتبر قيدًا على الحريات إنما يصون بالمقابل الحقوق فى مواجهة الآخرين، وإن تبرير التطرف تحت ستار الدين هو أبعد ما يكون عن الدين، بل إنه مُحرَّم ومُجرَّم، ولا يتعدى كونه أداةً لتحقيق مصالح ضيقة ومآرب شخصية.

ودعونا نتفق على أن هذا التطرف لا يمكن قصره على دين بعينه، ففى جميع الديانات، وبكل أسف يوجد المتطرفون الذين يسعون لإذكاء روح الفتنة، وإشعال نار الغضب والكراهية، وهى الأفكار التى لا تثمر إلا عن تغذية خطاب التناحر والحض على التباعد والفرقة، حتى إن سيرة النبى العطرة لم تسلم من ذلك التطرف.

وأؤكد للجميع أن مكانة سيد الخلق النبى العظيم فى قلوب ووجدان المسلمين فى كل أنحاء العالم لا يمكن أن يمسها قول أو فعل، كما أؤكد الرفض القاطع لأى أعمال عنف أو إرهاب تصدر من أى طرف تحت شعار الدفاع عن الدين أو الرموز الدينية المقدسة، فجوهر الدين هو التسامح، ولنستلهم معًا فى هذا الإطار الدروس والعبر من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم الذى أرسله ربه عز وجل ليتمم مكارم الأخلاق، فرسخ صلى الله عليه وسلم أسس التعايش وقبول الآخر والإيمان بالتنوع، فلا إكراه فى الدين.

وختامًا.. فلنجعل من ذكرى مولده، صلى الله عليه وسلم نبراسًا يضىء لنا الطريق، لنعمر، ونحقق المفهوم الحقيقى للرحمة فى مواجهة جماعات القتل والتخريب، ولنجعل من وطننا صورة مشرقة لفهم وتطبيق صحيح الدين وتحقيق مقاصد الشرع الحنيف، حتى نبعث برسالة من مصر مهد التاريخ والحضارة الإنسانية تؤكد سماحة الأديان وتجعلها سبيلاً لسلام العالم وتراحم البشرية جمعاء، وكل عام وأنتم بخير، ومصر الغالية فى تقدم ورفعة.