رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل لطفي يكتب: حوار مع شيخ الأزهر

 

بداية هذا حوار بين معلم وبين طالب علم.. بين مسلم سنى وبين إمام أهل السنة.. بين مواطن من بلد الأزهر وبين شيخ الأزهر.. هذا حوار بين صاحب رغبة فى تجديد الإسلام وبين عالم كبير يطرح تصوره لتجديد الإسلام. 

إن أكثر ما يلفت نظرى ويفتح شهيتى للحوار.. أن الشيخ يعتبر الحق فى تجديد الخطاب الدينى ملكية خاصة له.. فهو الذى يحدد من الذى له الحق فى الحديث عن الموضوع.. ومن الذى يجب عليه التزام الصمت.. وهو يحدد ما هو التجديد.. وكيف يتم.. ومتى يتم.. والحقيقة أن هذه أولى الخطايا فى حق فكرة التجديد.. فالأزهر يجب أن يستمع لكل الأصوات.. ويناقش كل الآراء.. ويجب ألا ينزع عن مسلم الحق فى الحديث عن التجديد.. ما دام ذلك يتم على أرضية الإيمان بالله وملائكته ورسله.. إننا عندما نحرم المفكرين والباحثين من الحديث عن تجديد الخطاب الدينى فكأننا ننزع عنهم إسلامهم.. أو نقول لهم أنتم ناقصو العقيدة.. وهى نفس الفكرة التى تطرحها الجماعات التكفيرية التى يحاربها الإمام الأكبر ويدين أفكارها.

لقد لفت نظرى أن الإمام الأكبر تحدث فى حلقته قبل الماضية عن من له حق الحديث عن التجديد قائلًا: «اليوم لا يخامرنا أدنى شك فى أن التيار الإصلاحى الوسطى هو الجدير وحده بمهمة التجديد الذى تتطلع إليه الأمة وأعنى به التجديد الذى لا يشوه الدين ولا يلغيه، وإنما يأخذ من كنوزه، ويستضىء بهديه، ويترك ما لا يناسب من أحكامه الفقهية إلى فترتها التاريخية التى قيلت فيها».. إن ما يقوله الإمام الأكبر رائع جدًا.. وعظيم بالفعل.. لكن هناك مشكلة.. هذه المشكلة فى السطور التالية والتى يقول فيها «وإذا كان تيار الانغلاق قد أخفق فى رسالته بعد ما راهن على قدرة المسلمين على العيش والحياة، بعد أن يغلقوا أبوابهم فى وجه حضارة الغرب وتدفق ثقافته، فإن تيار (المتغربين) و(الحداثيين) لم يكن بأحسن حظًا من صاحبه، حين أدار هذا التيار ظهره للتراث، ولم يجد حرجًا ولا بأسًا فى السخرية والنيل منه.. وكان دعاته كمن يغرد خارج السرب وزادوا المشهد اضطرابًا على اضطراب».. إننى أتوقف كثيرًا أمام العبارة الأخيرة لشيخ الأزهر- وأخشى- ولست متأكدًا.. أن فيها تكرارًا لأفكار الإخوان المسلمين والمتطرفين دينيًا الذين يقسمون الناس لمعسكرين.. أحدهما معسكر الكفر.. وثانيهما معسكر الإيمان.. أخشى- مجرد خشية- أن يكون العداء للعالم ولحضارة العالم الحديث.. هو إعادة إنتاج لأفكار رجال مثل حسن البنا وتابعيه.. إننى مسلم وسطى لا أعتبر نفسى «تغريبيًا» ولا «حداثيًا»، ومع ذلك أؤمن بأن الحضارة الإنسانية كل متكامل.. وأننا لا يجب أن نناصب الحضارات الأخرى العداء.. ولا أن نصف من تعلموا فى جامعات العالم وانفتحوا على ثقافات الدنيا بأنهم «تغريبيون» و«حداثيون»، وكأننا نقول للناس إنهم غير مسلمين.. إن الحضارة الإنسانية على مدار التاريخ هى كل متكامل.. ودور الإصلاح هو أن يزيل المشاكل بين الإسلام والعالم.. وأن يعيد تأسيس مفاهيم مثل «دار الحرب» و«دار الإسلام».. وأن يقنع مليارًا وسبعة ملايين مسلم بأن علاقتنا بالعالم هى علاقة «تنافس» لا علاقة «صراع» وبين الاثنين فارق كبير.. إننى كمسلم مصرى.. أحيى إعلان شيخ الأزهر عن ضرورة الإصلاح بعد سنوات من المطالبة به.. لكننى أدعو فضيلته لمراجعة معنى الإصلاح الذى يطرحه.. وأدعو فضيلته لعدم استبعاد المثقفين المصريين والعرب والمسلمين من كل أنحاء العالم من الحوار حول الإصلاح.. وأدعوه لعدم وصفهم بـ«التغريبيين» و«الحداثيين».. بل أدعوه أن يصفهم بالمسلمين غير الأزهريين.. ما داموا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.. وإلى حوار آخر حول التجديد بإذن الله.