رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وصاية وهمية

«وصمة المعذور».. حكايات خاصة عن «التنمر» على المفطرين في نهار رمضان

فاطر في نهار رمضان
فاطر في نهار رمضان

كانت المرة الأولى التي يحل فيه شهر رمضان على أميرة هشام 25 عامًا ولا تستطيع صيامه، بعدما علمت منذ ثلاثة أشهر أنها مريضة بالفشل الكلوي، وحذرها الطبيب من المكوث أكثر من 16 ساعة بلا مياه، فاضطرت إلى الإفطار بحكم واستخراج كفارة.

في اليوم الأول من رمضان ابتاعت بعض المأكولات الخفيفة لتناولها في عربة السيدات بمترو الإنفاق، وأثناء ذلك سمعت صوت أنثوى يقول: "عيب على فكرة احترمينا"، لم تتوقع أميرة أن الحديث موجه لها من تلك السيدة الجالسة برفقتها.

تقول: "وقتها تعرضت للسب والتنمر من سيدات آخريات رأوا إنني حتى لو مريضة لا يجوز تناول الطعام أمامهم في نهار رمضان، بدأت استخرج علب الأدوية الخاصة بي حتى يصدقون إنني مريضة فشل كلوي ولا بد من شرب مياه غزيرة دون فائدة".

أميرة هي واحدة ضمن كثيرون سواء نساء أو رجال يتعرضون للتنمر والعنف بسبب اضرارهم للإفطار في نهار رمضان، لأسباب قد تكون مرضية أو أعذار شرعية، بالرغم من إجازة دار الإفتاء الإفطار أمام الصائم في نهار رمضان وعدم تحريمه مع تنفيذ الكفارة المنصوص عليها.

توقعت أميرة أن ما حدث مجرد موقف عابر لن يتكرر، ولكن استمرت النظرات الغريبة من الأخريات في الذهاب والإياب من عملها، حتى لجأت إلى محاولة التخفي في ذلك الوقت والامتناع عن تناول الطعام والشراب طوال الطريق تجنبًا للتعنيف.

تضيف: "في مكان أعملي أدخل غرفة مغلقة كي أتناول الطعام والأدوية الخاصة بي، وفي الطريق أصبحت لا أتناول شيء بالرغم من طول المسافة بسبب التنمر والتحريم ونظرات اللوم والعتاب التي اتلقاها دومًا من المارين دون سبب لذلك".

الدكتور عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتاوى السابق بالأزهر، يؤكد أن الإفطار في نهار رمضان جائز لأسباب متعددة منها العذر الشرعي للنساء، ومنها حالات المرض أو السفر، ويجوز للمفطر تناول طعامه أمام الصائم دون أن يكون عليه ذنب.

يستند عبدالحميد في ذلك إلى قوله تعالى: "من كان منكم مريض أو على سفر فعدة من أيام أُخر"، مشيرًا إلى أن الصيام من أهدافه وأسسه الإمساك عن الطعام والشراب وجهاد النفس تجاههما ويحدث ذلك في حال رؤية مفطر في نهار رمضان.

يضيف الأطرش: "التنمر على المفطرين في نهار رمضان يؤجج مشاعر العنف والتطرف بين أطياف المجتمع، لأن الصيام علاقة بين العبد وربه ولا إجبار فيها، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ولا يوجد أي نص قرآني أو حديث يمنع الإفطار في نهار رمضان أمام الصائم للأسباب المبينة".

كانت واقعة التنمر أشد على هانيا خالد 29 عامًا، والتي تكاد تكون تعرضت للضرب كما تصف نتيجة إفطارها في نهار رمضان، تقص ما حدث قائلة: "كان يوم شديد الحرارة للغاية وأنا أعمل مندوبة مبيعات وأقوم بجولات ميدانية على المنازل في الشارع وشعرت بهبوط حاد وقررت الإفطار في الحال".

هانيا توضح: "ابتعت عصائر ومياه وبعض المأكولات الخفيفة من أحد المحال وبمجرد خروجي من المحل، استوقفتني سيدة كبيرة في السن وآخرى صغيرة، وطلبوا مني عدم الإفطار في الشارع، حاولت التبرير لهم إنني مريضة ومكان سكني بعيد ولا استطيع التحمل إلا أنهم عنفوني للغاية".

احتد النقاش بين هانيا وتلك السيدتين حتى وصلت إلى أن إحداهن سحبت منها الطعام وألقته في الأرض وبدأ آخرون يتدخلون: "كانت عنيفة للغاية وكل حديثها أن ما أفعله حرام ولا يجوز ومصممة على إجباري استكمال اليوم بالرغم من تعبي".

منذ ذلك اليوم وتخشى هانيا التعبير عن تعبها أو رغبتها في الإفطار خلال نهار رمضان مهما بلغ منها التعب شدته، وإذ لجأت إلى ذلك يكون في الخفاء: "نستخدم رخص منحها لنا الله في الخفاء لأجل بعض المتشددين في الدين ونحاول التبرير بإننا لسنا كفار طوال الوقت".

وليس الشباب والفتيات فقط هم من يتعرضون للتنمر في نهار رمضان نتيجة الإفطار المسبب ولكن الأطفال أيضًا، كما تقول شيرين محمود ثلاثينية وأم لطفلين إحداهم في المرحلة الإعدادية وتعرض ابنها لتنمر شديد وتعنيف من زملاؤه لكونه تناول طعام في نهار رمضان.

تقول: "عاد ابني ذات يوم من المدرسة باكيًا، بسبب تعبه الشديد ووقعه مغشيًا عليه فاضطر إلى الإفطار في نهار رمضان وأمام زملاؤه، لكنه فوجيء أنهم سحبوه وسط المدرسة على منصة الفناء وقاموا زملاؤه بالحديث في الميكرفون بأنه فاطر وعنفوه بشدة".

وتوضح: "لا يعرف أحد ظروف الآخر وما الذي دفعه لذلك، من يومها يخشى ابني الإفطار لأي سبب كان خوفًا من تكرار ذلك الأمر مرة آخرى، لاسيما أن المدرسة في اليوم التالي لم تأخذ أي رد فعل تجاه ما حدث وبذلك تنمي لدى الأطفال فكرة التنمر".