رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقه بني إسرائيل (8)..أسرار الكابالا.. كيف تنظر الصوفية اليهودية إلى الله؟

الكابالا
الكابالا

"الكابالا"هو الاسم الذي يطلق على الصوفية اليهودية، فبينما تركز قوانين الشريعة اليهودية على ما يريده الله من الإنسان، تبحث "الكابالا" بشكل أعمق في جوهر الله نفسه. يعتقد الكاباليون أن كلمات التوراة لا تعطي فقط رسالة إلهية، ولكنها تشير إلى رسالة أكبر بكثير iدفها هو تعليم بني إسرائيل عشرات الدروس والعظات. 

أصل "الكابالا"

يُعتقد أن الكابالا بمعناها الحالي، ظهرت في فرنسا، وكان من أهم روادها أبراهام بن داود، وابنه إسحق اللذان بدآ يتداولان كتاب (الباهير) في القرن الثاني عشر، وهو الكتاب الذي ان يجمع تعاليم الصوفية، ثم انتقل مركز الكابالا بعد ذلك إلى إسبانيا حيث نشأت حلقات متصوفة تحاول أن تتواصل مع الإله من خلال التأمل في التجليات النورانية العشرة والتي أطلق عليها (سفيروت).

كان هؤلاء المتصوفون يهدفون إلى تجديد تقاليد النبوَّة، وإلى الكشف الإلهي من خلال الشطحات الصوفية، ومن خلال التأمل في حروف الكتاب المقدَّس، وقيمها العددية وأسماء الإله المقدَّسة؛ حيث ركز التصوف اليهودي على استكشاف الطرق الغامضة التي استخدمها الله في خلق العالم. يعتقد الكابليون أن أهم عمل صوفي في الحياة هو خلق العالم من خلال ترتيب الحروف والأرقام.

أنواع التصوف اليهودي

التقليد اليهودي الصوفي متنوع، اتخذ عدة أشكال، وبحسب التصنيف الذي وضعه الباحث موشيه إيدل هما نوعين أساسيين: مُعتدل ومُكثف. 

التصوف المعتدل هو فكري بطبيعته، ويعد محاولة لفهم الله وعالم الإلوهية، ومحاولة للتأثير في نهاية المطاف على العالم الإلهي وتغييره، ويتضمن هذا النوع من التصوف العديد من جوانب اليهودية التقليدية، بما في ذلك دراسة التوراة ووصاياها، وإضفاء طابع صوفي على الممارسات الدينية.

أما التصوف المُكثف فهو تجريبي بطبيعته، يستخدم الصوفيون المكثفون خلاله أنشطة دينية غير تقليدية، بما في ذلك الترانيم والتأمل، في محاولة للتواصل مع الله.

ويمكن التمييز بين نمطي التصوف بتقسيم آخر: أحدهما نظري تناول الطريق إلى المعرفة والفيض الإلهي، وعملي اقرب إلى السحر الذي يستخدم التسبيح ورموز الحروف والأرقام.

الصوفية والعالم الحديث

"الكابالا" كانت منذ فترة طويلة واحدة من المجالات المهمة للفكر اليهودي، فالأفكار التي قد يعتقد العديد من اليهود المعاصرين أنها غير يهودية جاء معظمها من الكابالا، وعلى الأخص الاعتقاد في فكرى تناسخ الأرواح.

على الرغم من دخول اليهود إلى العالم الحديث، الذي يعد التفكير العقلاني فيه أكثر شيوعاً من الفكر الصوفي، نجد أنه في السنوات الأخيرة، كان هناك تزايد اهتمام بالصوفية اليهودية، واليوم تتم دراستها بشكل شائع بين اليهود الحسيديين(طائفة من المتدينيين)، وبين العديد من اليهود غير الأرثوذكس (الغير المتدينيين). وبشكل واضح تتخلل المفاهيم الصوفية التقليدية الفكر اليهودي السائد حتى يومنا هذا (على سبيل المثال، مفاهيم إصلاح العالم). 

بالإضافة إلى ذلك، ازدهرت الدراسة الأكاديمية للتصوف اليهودي في العقود الأخيرة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عالم واحد، هو جيرشوم شولم الذي اكتشف وفسر مجموعة واسعة من المخطوطات الصوفية وألقى الضوء على أصول وتطور التصوف اليهودي، ووضعها في مصاف العلوم التي تُدرس.

كتاب "الزوهار "

ازدهرت الكابالا في إسبانيا في القرن الثالث عشر بعد نشر كتاب "الزوهار"، الذي كشفه العالم اليهودي موسى دي ليون الذي ادعى أن الكتاب يحتوي على الكتابات الصوفية لحاخام القرن الثاني سمعان بار يوشاي الذي تستند إليه كل تطورات الكابالا التي ظهرت بعد ذلك، فيما يعتقد جميع الأكاديميين اليهود المعاصرين تقريبًا أن "دي ليون| نفسه هو من قام بتأليف كتاب زوهار. ولايزال اليهود يختلفون الآن حول الكتاب، ونشأته، لكنهم لايختلفون عما ورد فيه، فجميع اليهود يعتبرونه المرجع الأول والأساسي للصوفية اليهودية.

كُتب الزوهار باللغة الآرامية (لغة التلمود) في شكل تعليق على أسفار موسى الخمسة (التوراة )، وفي حين أن معظم التعليقات التي تفسر التوراة ينظر إليها كعمل سردي وقانوني، إلا أن الزوهار بالنسبة للصوفيين اليهود عمل لا يقل قدسية عن التوراة . 

كيف يرى "الكاباليون" الله؟

بالنسبة للكابالا، الله او الإله لا يمكن للبشر فهمه، ومع ذلك، تحاول الصوفية اليهودية فهم الله من خلال عشر صفات صوفية يطلق عليها اسم "سفيروت" .

يُنظر إلى "السيفروت" كأشياء مشروعة للتأمل البشري؛ وكأنها تمثل طريقة يمكن للبشر من خلالها التواصل مع الله. من خلال التأمل والعمل الفاضل، يمكن للبشر أيضًا أن يحصلوا بها النعمة الإلهية ويجلبوها إلى هذا العالم.

رغم أن الكابالا وجهت انتقادات للتوراة والتلمود إلا أن هناك أفكاراً كابالية جاءت بشكل واضح من الكتاب المقدس اليهودي، على سبيل المثال، في بداية سفر حزقيال، يصف النبي تجربته مع الإله قائلاً: "انفتحت السماوات ورأيت رؤى الله، جاءت ريح عاصفة تجتاح الشمال - سحابة ضخمة ونارًا ساطعة، يحيط بها وهج ؛ وفي وسط النار، وميض من العنبر"، وهي الفكرة ذاتها التي تعتمد عليها الكابالا أي رؤية الإله.

لاقت الكابالا تواصلاً مع الحركات اليهودية الآخرى، فتم ارتباطها بالحركة الحسيدية، وهي حركة دينية ظهرت في القرن الثامن عشر، نشرت الفكر الصوفي بين يهود أوروبا، من خلال تعليم أن كل الناس يمكن أن يكون لهم علاقة تجريبية مع الله، ولاتزال الحركة الحسيدية أحدى التيارات الرئيسية لليهودية الأرثوذكسية أي المتدينيين.

من ناحية أخرى، اعتبر حاخامات التلمود الدراسة الصوفية عن الله مُهمة لكنها خطيرة، ورأوا أنممارسة الأنشطة الصوفية قد تجعل البشر غير متوازنين عقلياً. وهي الفكرة التي من أجلها قام حاخامات القرن السابع عشر بوشع بسن قانون ينص على أن الكابالا يجب أن يدرسها فقط الرجال المتزوجون الذين تجاوزوا الأربعين من العمر.

ولاتزال الكابالا أحدى الجوانب الخفية في التقاليد اليهودية، والتي مثلها مثل جوانب أكثير يحيط بها الغموض والتناقض.