رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«القاهرة: كابول».. ملحمة درامية تكشف عوالم وأسرار التنظيمات الإرهابية

القاهرة: كابول
القاهرة: كابول

«ترسيخ الوعى»، هو الشعار الأبرز الذى رفعته الدراما الرمضانية التى أنتجتها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية هذا العام، ويعد «القاهرة: كابول» أبرز الأعمال، التى عملت على تصحيح المفاهيم وتوضيح حقيقة الأفكار، خاصة مع تناول العمل صلب العقيدة المتطرفة للتنظيمات الإرهابية.

نجاحات «القاهرة: كابول» تجلت فى قدرته على تجميع الأسر المصرية أمام الشاشات، مثل سابق عهدها مع الأعمال الراسخة فى الوجدان قديمًا، وأدى ذلك إلى إيصال جرعات من الوعى وتصحيح الكثير من المفاهيم لدى المشاهدين، خاصة شريحة الشباب، خاصة حول دور الدولة فى محاربة التطرف والإرهاب.

وفى التقرير التالى، تستعرض «الدستور» الآثار الإيجابية لـ«القاهرة: كابول» فى فضح حقيقة التنظيمات الإرهابية، وتأثير ذلك على المشاهدين فى تصحيح المفاهيم المغلوطة، كما يتحدث عدد من نجوم العمل حول طبيعة أدوارهم وكيف جسدوها والأفكار التى تطرحها كل شخصية وغيرها من التفاصيل، كما نسرد دور الفن المصرى فى فضح المخططات والأفكار المتطرفة على مدار السنوات الماضية، عبر الكثير من الأعمال الناجحة.

 

طارق لطفى: «رمزى» يقدم تحليلًا لنفسية الإرهابى وعوامل تحوله 

قال الفنان طارق لطفى إن عرض العمل خلال الفترة الحالية مهم للغاية، نظرًا للتداعيات التى تعرض لها العالم بأسره جراء الأفكار المتطرفة والتنظيمات الإرهابية.

وتحدث طارق لطفى عن كواليس كتابة وإخراج ذلك العمل، قائلًا: «عرفت بأمر المسلسل من الكاتب عبدالرحيم كمال والمخرج حسام على، كانت لديهما الرغبة فى تقديم هذا العمل فى إطار معركة الوعى التى تخوضها الدولة المصرية حاليًا فى مواجهة التطرف والإرهاب».

وأشار إلى أن هذا العمل مختلف، وهو لم يقدم فكرة الإرهابى بسطحية أو ببساطة، لكن يتطرق إلى طبيعة نفسية الإرهابى، التى تحاط بكمية من المغالطات والأزمات والهوس النفسى. ونفى أن تكون الشخصية التى يقدمها تجسيدًا لشخصية الزعيم الإرهابى أسامة بن لادن.

وأردف: «الأمر ليس كذلك على الإطلاق، الشخصية على الشاشة ليست أسامة، هناك عوامل بالطبع متشابهة معه، لكن الشخصية كانت عميقة للغاية، وخلال الحلقات ظهرت الجوانب الرومانسية والفنية لها، من خلال الشعر وسماعه أحد الشباب وهو يعزف، مع الشدة والدهاء من ناحية أخرى».

وواصل: «المشاهد سيجد فى النهاية أنها شخصية (ميكس) من أكثر من شخصية، وليس المهم هنا من هى فى الحقيقة، المهم أنها تقدر على توصيل الفكرة من خلال التطرق إلى رحلة تكوين الإرهابى وتحويله لزعيم التنظيم».

وذكر أن «رمزى» نشأ فى أسرة مصرية بسيطة وسوية، ولا يوجد بها أى جانب من جوانب التطرف، ومتعلم وعلى قدر من الثقافة، ولكنه فى النهاية سار خلف معتقد زائف وتحول بشكل كامل إلى التطرف والإرهاب لاحقًا.

وتابع: «نجسد ذلك فى العمل ليكون بمثابة جهاز الإنذار لدى المتفرج، ونقول ما سبب تحول الشخص الطبيعى إلى هذا الشكل، والأمر بالطبع لا يحدث مرة واحدة، ولكن تكون هناك تراكمات تؤدى إلى ذلك».

وأشار إلى أن العمل يضع أيدينا على مفاتيح تساعد فى مواجهة الظاهرة وليس حلها بالطبع، ولكن هنا نتجه نحو التوعية بالأسباب التى تقود الأشخاص إلى هذا المستنقع، ومن ثم القدرة على معرفة التأثيرات التى تقودنا إلى التطرف والإرهاب، ومع زيادة الوعى والمواجهة من أكثر من مكان، وبهذا نستطيع رويدًا رويدًا تحجيم الظاهرة. 

عبدالرحيم كمال: يعرض جذور الأفكار المتطرفة وكيفية التصدى للظاهرة

أكد الكاتب الكبير عبدالرحيم كمال، أن أحداث «القاهرة: كابول» تتناول قصصًا مشوقة وأحداثًا مستمدة من الواقع، محورها الرئيسى المؤامرات التى تعرضت لها المنطقة العربية ومصر بالأخص على مدى أكثر من ٣ عقود.

وتحدث «كمال» عن الملامح العامة لفكرة العمل، والمدة التى استغرقها فى الكتابة؛ قائلًا: «بدأت فى التحضير للمشروع منذ ١٠ سنوات، وتحديدًا وقت اندلاع أحداث يناير ٢٠١١، ووضعت الخطوط العريضة للملحمة، واستوقفنى المشهد والحالة الاجتماعية والسياسية للبلاد والمخططات الإرهابية الدنيئة».

وتابع: «كان يجب علىّ ككاتب أن أرصد ذلك مع إيجاد المعالجة والحلول الكافية المستوفية للتصدى للعديد من المشاكل، من خلال رصد مسيرة ٤ أصدقاء يمثلون ٤ أنماط مختلفة، هم الإرهابى، ورجل الأمن، والفنان، والإعلامى، الذين عاشوا طفولتهم معًا جيرانًا فى أحد أحياء السيدة زينب، وتلقوا نفس مستوى التعليم والرعاية الصحية بحكم ظروفهم الاجتماعية والمادية المتوسطة والمتقاربة، متنقلين فى الأزمنة بين السبعينيات لعام ٢٠١١، لنستعرض الاختلافات التى طرأت على شخصياتهم لدرجة قد تصل لحد التناقض، فنتساءل من خلال الأحداث: ما الذى جرى لتلك الشخصيات، وما انعكاس تلك التغييرات التى تعرضت لها على الوطن، واعتبرها محاولة درامية جديدة لفهم التطرف والتوعية بخطورة الإرهاب وفضحه.

وأكد أنه اختار مناقشة التحولات التى تحدث للشخصيات، من وجهة نظر جميع أفراد المجتمع، قائلًا: «الشخص الواعى أثناء مشاهدته الأحداث يكتشف أننى أناقش الشخصيات بفكر مختلف، ولا أقصد شخصًا بعينه».

وأكمل: «المسلسل يعتمد فى أحداثه على ٤ شخصيات رئيسية، فى مقدمتها النجم طارق لطفى، الذى يتحول إلى تكفيرى، فيما يصبح خالد الصاوى رجل أمن مكلفًا باعتقاله، ومن ثم يظهر فتحى عبدالوهاب بدور رجل الإعلام الذى يسلط الضوء على تلك الحالة، والفنان أحمد رزق الذى يظهر كفنان، ليبرز أهمية دوره فى المجتمع».

وتابع: «بهذه السردية الجدلية، نتناول وجهة نظر المجتمعين المصرى والعربى حول الإرهاب وجذوره وغيره من المواضيع الشائكة، ونستعرض رأى الدين السمح فى هذه القضية، فى مقابل وجهة نظر أخرى متشددة ووافدة على مجتمعاتنا، ولا تنتمى إلينا على الإطلاق».

وعن رأيه فى ربط البعض شخصية الشيخ رمزى التى يجسدها طارق لطفى بزعيم القاعدة الإرهابية أسامة بن لادن، أشار عبدالرحيم كمال، إلى أن «الشيخ رمزى» توليفة مجمعة لأفكار رموز الإرهاب والمخططات فى المنطقة العربية بأكملها، وليست شخصية أسامة بن لادن، لكن يقصد بها الشخصيات التى تنتمى إلى تلك التنظيمات.

وأرجع ربط المشاهد والناقد الشخصيتين ببعضهما البعض، أو حتى بشخصيات إرهابية أخرى، هو أن ملامح جميع الإرهابيين قد تكون متشابهة، كونهم يكتسبون نفس الأفكار والسمات والطباع، فتظهر عليهم ملامح ونظرات تكاد تكون واحدة.

وأشاد بتعاونه لأول مرة مع المخرج حسام على، قائلًا: «فخور جدًا ومُندهش باحترافية وعبقرية حسام على، الذى وجدته يتعامل بتكنيك وأسلوب مختلفين، يبحر فى سيناريو العمل لإخراجه بأفضل صورة احترافية، كما تتسع لديه روح التعاون، ويركز ويحرص على الدقة فى كل تفصيلة داخل العمل، من خلال خطة محكمة يضعها معى ومع كل شخص فى المسلسل أمام وخلف الكاميرا، وأتمنى أن تجمعنا مشاريع أخرى فى المستقبل القريب».

 

تناول التكوين العاطفى للإرهابيين بعيدًا عن الصورة النمطية الضيقة 

حقق «القاهرة: كابول» صدى واسعًا مع عرض الحلقات الأولى، حيث جلست الأسر والعائلات فى مصر فى الوطن العربى حول هذا العمل، سواء من خلال شاشة التليفزيون أو المنصات الإلكترونية، لكى يشاهدوا كيف دس الإرهاب السم فى العسل وحاول تزييف الوقائع لنشر أفكاره الإرهابية فى عقول الشباب واستقطابهم ضمن محاولات لتقسيم وإسقاط الدول ونشر الفوضى فى المجتمعات.

ولأن الدراما هى القوى الناعمة ولها تأثير قوى فى نفوس المجتمعات العربية، نجحت فى تسليط الضوء على أخطر القضايا التى هددت الوطن العربى على مدار سنوات طويلة من خلال تجربة مختلفة، صاغها صناعها بحرفية شديدة فى محاولة لفهم التطرف والتوعية بخطورة الإرهاب وفضحه أمام مئات الملايين.

وتناول الكاتب عبدالرحيم كمال فى «القاهرة: كابول» أحداث ٣٠ عامًا مرت بها مصر، والمنعطفات التى تمت خلالها فى قصة اجتماعية.

وخلال ٣٠ حلقة تطرق «القاهرة: كابول» لطبيعة وتكوين الجماعات الإرهابية واتخاذها من الحدود بين أفغانستان وباكستان مقرًا، دون توثيق من يكون زعيم التنظيم الذى تناوله المسلسل، حيث قدم شخصية درامية من لحم ودم تمزج بين صفات أكثر من شخصية عرفها العالم ارتبطوا بالإرهاب الدولى، وغاص العمل فى شخصية وتكوين الإرهابى وعالمه السرى الداخلى، وكيف اتخذ من مشكلاته دافعًا لتبنى التطرف والعنف.

وما قبل «القاهرة: كابول» وما قبل ٣٠ عامًا، فى فترة التسعينيات، جسدت السينما والدراما المصرية الكثير من الأعمال التى رصدت حياة الجماعات المتطرفة، لتكون توثيقًا للأجيال القادمة لما شهدته مصر فى تلك الآونة.

ويعتبر طارق لطفى هو العنصر الدرامى المشترك بين مرحلتى التسعينيات والألفينيات، حيث قدم فى بداية انتشار الفكر الإرهابى فى التسعينيات مسلسل «العائلة» مجسدًا شخصية «مصباح» نجل حارس العقار الذى ينضم لإحدى الجماعات المتطرفة حتى قدم الشيخ رمزى فى «القاهرة: كابول» فى ٢٠٢١.

وبدأ الفن المصرى تناول الظاهرة بفيلم «الإرهاب ١٩٨٩» الذى كتبه بشير الديك وقدمته نادية الجندى وفاروق الفيشاوى، وأخرجه نادر جلال، ويعتبر أول الأفلام التى تناولت مصطلح الإرهاب كموضوع فيلم بنفس العنوان، واستخدام نمط وشكل للإرهابى غير متعارف عليه من خلال ملابس وملامح بسيطة، حيث تتعاطف معه صحفية وتساعده فى الحصول على براءته حتى يورطها فى تفجير طائرة على متنها عدد من الشخصيات المهمة.

وقدمت السينما عددًا كبيرًا من النماذج الفنية التى تتناول الظاهرة، مثل «انفجار» للمخرج سعيد مرزوق، و«الخطر» للمخرج عبداللطيف زكى، و«الناجون من النار» للمخرج على عبدالخالق، مرورًا بـ«المصير» و«الآخر» للمخرج يوسف شاهين، و«أمن دولة» للمخرج نادر جلال حتى «دم الغزال» للمخرج محمد يس، و«حين ميسرة» للمخرج خالد يوسف وتقديمه نموذج الإرهابى المتخفى وسط الأهالى وهادئ الطباع لا يشك به أحد، الذى جسده الفنان أحمد بدير.

ويعتبر الفيلم الأبرز الذى تناول حياة الإرهابى وجسد تفاصيل حياته وأفكاره العدوانية هو «الإرهابى» الذى كتبه لينين الرملى، وأخرجه شريف عرفة وجسده الفنان عادل إمام، الذى قدم شخصية على عبدالظاهر الإرهابى المنضم لجماعة ذات فكر تكفيرى.

ويعرض الفيلم طرق تعامل الإرهابيين داخل الجماعة وخارجها وكيفية التفكير والشكل الظاهرى لهم، والفيلم رصد لظاهرة العنف فى ذلك الوقت كاغتيال المفكر فرج فودة ١٩٩٢ وعدد من رجال الشرطة ومهاجمة أتوبيس سياحى، وغيرها.

وبالنظر إلى تلك الأعمال، فإن «القاهرة: كابول» لم يناقش فكرة الإرهاب بشكل ضيق كما قدم فى أفلام ومسلسلات أظهرت الإرهابيين مجموعة عشوائية يرتدون ملابس السلفيين، لكن غاص المسلسل فى تكوين الجماعات الإرهابية وعقد الاتفاقات والمعاهدات مع جهات كافرة من وجهة نظرهم، ولكن يعتبرونها صديقة وحليفة حين تساعدهم فى تحقيق غايتهم، بالإضافة إلى الغوص فى فكرة التجنيد والعوامل التى تلعب عليها تلك الجماعات لاستقطاب الشباب، كما تم التركيز على التكوين العاطفى والرومانسى والأدبى والفنى للإرهابى، حتى وإن ظهر أمام الجميع معارضًا لتلك الأمور.