رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطقوس الدينية فى وادٍ.. والأخلاق المستقيمة فى وادٍ عكسى

كنت أنوى أن أكتب هذا المقال الجديد عن إنتاج الأمصال واللقاحات الخاصة بالتطعيم ضد كوفيد 19، ولكننى عجزت عن التركيز من شدة ارتفاع ميكروفون المساجد المجاورة لبيتى التى يوميًا على مدار العام تمسك الميكروفون بعد كل أذان وتظل مبقية عليه لمدة ساعة أو ساعة ونصف متتالية.
وفى شهر رمضان ترتفع شدة الميكروفونات ويطول وقت الدعاء والتسبيحات والابتهالات وقراءة القرآن كله فى الميكروفون المرتفع، لا أدرى مفيش جهة فى البلد تراقب هذه السلوكيات المتناقضة مع الصلاة والصوم والطقوس الدينية وتمنع هذا الاستخدام غير الحضارى من قبل المساجد والجوامع؟.
مفيش جهة فى البلد تعلم هؤلاء شيئًا اسمه احترام قدسية حرمة البيوت والسكن وخصوصية الحق فى الهدوء والسكينة وعدم الإزعاج؟ مفيش جهة فى البلد تحمينا من هؤلاء الذين لا يعرفون حاجة اسمها العيب والخلق القويم وإدراك أنهم ليسوا وحدهم فى المجتمع وأن المجتمع ليس عزبة خاصة لهم؟ حتى انتشار كورونا لم ينفع معهم.
تناقض فج صارخ ليل نهار كل يوم على مدار السنة بين المفروض من ممارسة الطقوس الدينية فى تعليم الأدب والتهذيب واحترام البشر، وغياب بديهيات الأخلاق القويمة لمنْ يحرصون على أداء الطقوس الدينية وإطلاق مواعظ الصراط المستقيم علينا.
اللغز الذى يحيرنى هو كيف مع انتشار واستمرار الوازع الدينى وفى كل شبر فى مصر ويخيف الناس من العقاب الإلهى المتربص الشديد لو تركوا الطريق المستقيم، نجد أن الطرق غير المستقيمة المتعصبة تزداد؟ كل سنة مع بداية رمضان تتجدد الدعوة إلى تشريع أو قانون يجرم الإفطار جهرًا فى نهار رمضان، هل يتوافق هذا مع "لا إكراه فى الدين" أم أنه إرهاب من الدرجة الأولى باسم الصوم والفرض الإلهى؟ هل نحن نتقدم فى الانفتاح والتعدد الحضارى أم نمشى إلى المزيد من التعصب والتطرف والتحكم فى الناس والإرهاب تحت اسم فرض "الصيام" وممارسة الطقوس الدينية؟
وما منفعة وفائدة الطقوس الدينية إذا لم تعلم الإنسان الأخلاق الرفيعة النبيلة والحساسية لاحترام حقوق الآخرين والأخريات فى كل مجال؟ وكل عام تقرر وزارة الأوقاف تنظيم فوضى مكبرات الصوت فى المساجد والجوامع فى شهر رمضان، وهذا لم يحدث ونسمع أصواتا غاضبة مستاءة تعتبر مثل هذا القرارات قلة إيمان وقلة إسلام وقلة تدين وكأن الإيمان والإسلام والتدين لا يكتمل ولا يؤدى رسالته إلا بانتهاك خصوصية البشر  فى أكثر أماكنهم حميمية "بيوتهم"؟
كان لا بد لمجتمعاتنا بكل طقوسها الدينية وصوتها المرتفع بالميكروفونات أن تصبح أفضل المجتمعات أخلاقيًا، هذا لم يحدث لماذا؟ لماذا لم يؤد الصوم المتراكم فى رمضان عبر زمن طويل إلى الصوم عن مفاسد الدنيا ومتاعها الزائل وغرورها الأحمق؟ لست قلقة على حالنا من الناحية الاقتصادية، فكل أزمة اقتصادية معروفة السبب والحلول ولا يخلو أى مجتمع من المعاناة الاقتصادية مهما عظم شأنه وازدهرت قدراته وموارده، بل إن بعض التعثر الاقتصادى ضرورى لاستنهاض الهمم وتحفيز الإرادة الكامنة إلى المزيد من الإنجازات.
كما أننى لست قلقة على انتشار كورونا، فالأمصال متاحة ومتوفرة لكننى قلقة على حالتنا الأخلاقية وتدنى السلوكيات الحضارية التى وصلنا إليها رغم أننا نصلى ونصوم ونحج ونزكى ونعتمر ونقيم صلوات التراويح ونمسك السبح ونبسمل ونحوقل ونرسل ذريتنا إلى مدارس وكتاتيب تحفيظ القرآن ولا شىء يسعدنا قدر تغطية النساء بالأقمشة وذكورية القوانين الجائرة.
ما جدوى الاقتصاد المزدهر طالما الذى ينعم به إنسان فقد نقاء الأخلاق ونزاهة الأخلاق واتساق الأخلاق؟، إنسان "صائم" عن لذات الطعام والشَراب والجنس لكنه "يفرط" فى التهام نبل الخلق ورقى المشاعر وأدب السلوك، إنسان "ممتنع" عن دخول أى شىء يدنس الفم يسرع للتطعيم ضد كورونا لكنه  "مرحب" بكل الأشياء التى تدنس النفس والعقل والقلب ما فائدته؟
من بستان قصائدى
لو كان التدين يُقاس بكثرة الصلوات والتعصبات العمياء
طول اللحى وميكروفونات المساجد بتغطية وكسر أجنحة النساء
لو أن الإيمان يُقاس بانتظام الصوم فى رمضان
كثرة مرات الحج والعُمرة
عدد المشايخ والدعاة والفقهاء
لما كانت أحوالنا ما هى عليه الآن
أيها الناس زمان والآن
لماذا لا تفهمون أن التدين فى القلوب
وأن الإيمان فى العمل
وأنه جريمة كبرى شنعاء
انتهاك خصوصية البيوت وإيذاء البشر بالضوضاء.