رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الخيامية" في مصر.. صُنع مصري على شاكلة القُدماء

«الخيامية».. إرث ثقافي وحرفة مصرية تزدهر في رمضان

خيامية رمضان
خيامية رمضان

مع بداية شهر رمضان من كُلّ عام المُرتبط بطقوس احتفاليه متعددة في البيوت المصرية وفي أزقّة وشوارع المحروسة التاريخية، يتجه المصريين لشراء المنتجات ذات الطابع الإسلامي لتزيين المنازل والمتاجر والكافيهات والموائد وما غير ذلك، وإضفاء أجواء رمضانية ينتظرها الناس كل عام.

 

وتعُدّ الخيامية أو كما يسميها البعض بـ"الفراشة" واحدة من الحرف والفنون التراثية التي ترتبط عند المصريين بشهر رمضان، وهي إحدى الفنون التراثية ذات الطابع الإسلامي الممزوجة برائحة الفاطميين وعوالم مصر القدماء، يُقبل عليا الكثيرين  في بداية شهر رمضان الكريم، كنوعًا من الزينة الرمضانية. 

في القاهرة القديمة أو التاريخية كما يقولون البعض، وتحديدًا في منطقة الغورية بالقُرب من باب زويلة ومنطقة تحت الربع؛ نشأت سوق الخيامية منذُ زمن بعيد، تحسبًا لصناعة الخيام التي كان يشتهر بها العصر الإسلامي بخاصة عصر الفاطميين والمماليك.

 

صانعي "الخيام" ومماليك سوق الخيامية، يؤكدون كثرة الطلب عليها، وإقبال المصريين من كل مكان على شراءها قبل بداية شهر رمضان بأيام.

 

سوق الخيامية، هو أحد أكبر أسواق التراث الإسلامي في مصر، يجمع بين الماضي والحاضر، يُعاصر السنوات بتطوّر الحال، ويحتفظ بحِرف القدماء لا يُهملها، لذا ما زال يحافظ على هويته وصناعة الخيامية بكُل ما دخل إليها من تطوّر، ولا ترتبط بالقماش التقليدي واللوحات المصنوعة يدويًا فحسب، إنما أصبحت تستخدم في العديد من قطع الديكور العصرية وفي السنوات الأخيرة، صنعت منها فوانيس رمضان.

صانعي الحِرف يتحدّثون:

 

يقول رجب السيد، 27 عامًا، أحد صانعي الخيامية، إنَّ الحُبّ لهذا المجال بدأ في سن مُبكّرة، ففي الثامنة من عمرة، كان يتوجه إلى مشغل جده وسط كبار فناني الخيامية في هذا الوقت، وتعلّق كثيرًا بهذا الفن وكانت لديه رغبة كبيرة في تعلمه. 

 

ولأن الخيام، هو إرث متوارث في عائلته كما في كثير من العائلات التي تعمل فيه، ارتبط بصناعتها وصار يهدي فنه للمصريين؛ فالخيامية فن مصري أصيل وهناك مناطق متعددة في القاهرة تضم ورشًا لتصنيعها، إلا أن أشهرها على الإطلاق هي منطقة الخيامية في القاهرة القديمة.

ويصف الشاب الذي لم يتجاوز عُمر الثلاثين، شارع "الخيامية" أنَّه من المناطق الثرية بالتراث الإسلامي بشكل عام، ومنذ زمن طويل اشتهر بخروج قافلة منه كانت تعرف بالمحمل وتحمل كسوة الكعبة في حدث سنوي فريد، مؤكدًا على أنَّه يزدهر في رمضان بشكل كبير لارتباطه بالتراث الإسلامي والثقافات الإسلامية، لذلك يكثر الطلب عليها بأشكالها المختلفة.

 

مراحل تصنيع الخيام

 

كشأن أي حرفة تراثية، تحتاج القطعة الفنية إلى وقت وصبر وإخلاص من القائم على تنفيذها لتخرج في أفضل صورة، وهي تمر في مراحل متعددة حتى تصل إلى شكلها النهائي.

يقول إبراهيم شلبي، 40 عامًا، إنَّ القطعة الواحدة تمرّ بعدة مراحل مختلفة حتى تصل إلى شكلها النهائي. في البداية، يرسم التصميم على باترون ثم يتم قص الموتيفات التي تم رسمها واختيار الأقمشة والألوان المناسبة والمتناسقة مع بعضها، ومن بعدها يقص القماش على شكل الموتيفات المطلوبة، ومن ثم يتم تركيبها باستخدام الغرز المعروفة مثل الغرزة السحرية، غرزة التشطيب، أو رجل الغراب لتعطي الشكل النهائي للقطعة.

ويضيف شلبي، أنَّ الفترة الزمنية التي تحتاجها القطعة، تختلف باختلاف حجمها والتصميم، فهناك تصميمات بسيطة وأخرى معقدة وتنفذ بحجم كبير، بالتالي تأخذ وقتًا أطول، وبشكل عام فن الخيامية يحتاج إلى جهد وصبر لتخرج القطعة بشكل مميز يبهر كل من يراها.

 

الجمع بين القديم والمعاصر في الصناعة اليدوية

تحدّ كبير تواجهه الحرف والصناعات التراثية في مصر ما بين التمسك بهويتها وشكلها التقليدي القديم وما بين العمل على إدخال تصميمات وأشكال معاصرة لتتناسب مع طبيعة الحياة وذوق المستهلك، بخاصة من الأجيال الجديدة. فكيف يتعامل فنانو الخيامية مع هذا الأمر؟

يقول اسماعيل فرج، 35 عامًا، إنَّه لابد أن يعمل صانعي الحرف التراثية وفنان الخيامية على الجمع بين القديم والمعاصر لكل زمان، لذلك يقوم بتنفذ التصميمات التقليدية المتعارف عليها والتي لا يتوقف الطلب عليها باعتبارها الأساس الذي يرتبط في أذهان الناس، وفي الوقت نفسه يعمل على تصميمات حديثة تواكب العصر وتناسب ذوق المستهلك، فكل منهما له من يطلبه.

يضيف فرج، أنَّ أبرز التصميمات المتعارف عليها في فن الخيامية هي الموتيفات الإسلامية باختلاف أشكالها والتصميمات على شكل زهرة اللوتس، إضافة إلى التصميمات المستوحاة من الحضارة الفرعونية.

الحفاظ على التراث الإسلامي وعصر المماليك

 

يتحمّل أصحاب الحرف التراثية مسؤولية كبيرة على عاتقهم، ليس في إنتاج قطع فنية تعكس الثقافة والحضارة المصرية فحسب، وإنما في العمل على الحفاظ على هذه الحِرف لتبقى مستمرة باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من إرث ثقافي يواجه شبح الاندثار.

ويوضّح فرج، أنَّ الحفاظ على مثل هذه الحرف ينبغي أن يتم وفق محورين أساسيين. الأول هو محاولة تطويرها بإدخال تصميمات وألوان وقطع عصرية تناسب ذوق الناس حاليًا، ويمكن تطويعها لتخدم احتياجاتهم وتتوافق معها، والثاني هو العمل على تعليم هذه الحرفة لآخرين وعدم احتكارها من قبل القائمين عليها حتى يكون لها امتداد واستمرارية ولا تندثر بمرور الزمن.