رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدراما الوطنية

رغم افتقادنا في الآونة الأخيرة للأعمال التاريخية التي اعتدنا أن نُشاهدها في الدراما التليفزيونية في شهر رمضان المُعظم؛ إلا أننا وفي هذا العام حظينا بمُسلسلين في قمة الروعة ليس من الناحية الفنية والدرامية فحسب؛ بل أيضا من ناحية التأثير النفسي سريع المفعول على المشاهدين؛ وهما "هجمة مُرتدة"؛ و"الاختيار ٢".

هذان العملان لا خلاف على أنهما قد تمت كتابتهما بحرفية شديدة؛ ويبدو أنه تم بذل مجهود كبير لكي يخرجا إلى النور في أفضل صورة؛ وذلك من ناحية السيناريو والحوار والديكورات، والأداء، والإخراج، وكل تلك العناصر عندما تتضافر؛ لا بد أن يخرج عمل فني في غاية الدقة؛ لدرجة تُشُعر المُشاهد بأنه حدث بينه وبين أبطال العمل تلامس نفسي شديد.

والحقيقة أننا كُلنا في أمس الحاجة إلى تلك النوعية من الأعمال الدرامية؛ لأن الجُمهور الحالي، خاصة من الشباب، كان في حاجة شديدة إلى الإحساس بالقيادات الوطنية التي تُضحي بأرواحها فداءً للوطن.

فللأسف؛ دخول الكثير من الثقافات الغربية علينا عبر وسائل التواصل الاجتماعي جعل الهوية المصرية تهتز بداخل الشباب بشكل كبير، وبات افتقادهم المثل الأعلى والقدوة الحسنة شيء ملحوظ، خاصة بعد انتشار ألوان غريبة من الفن عملت على حدوث صراع نفسي بداخل هؤلاء الشباب، فلم يعد هناك ما يمكن أن يُقال عليه ذوق مصري مائة بالمائة؛ بسبب التوك توك؛ وأغاني المهرجانات والألفاظ التي باتت دخيلة على الساحة العامة؛ التي تم استيرادها من الخارج؛ بفضل السوشيال ميديا التي يصعب وضع قيود عليها.

ومن هنا بات هؤلاء الشباب في حالة شتات مُستمر بين موروثات آبائهم وأجدادهم؛ من حكايات وتراث وتذوق إبداعي حقيقي؛ وبين ما يعايشونه يوميّا؛ء ومن هنا أصبحت الهوية المصرية في خطر محدق حقيقي؛ وكل هذا تزامن مع تراجع عدد القراء وانحسارهم بشكل لافت للنظر، لأن القراءة كانت هي الجسر الذي يعبر منه كل شخص يشعر بالشتات؛ الذي قد يصل به إلى حد الضلال؛ فهنا كان يبحث ويُنقب في الكتب والمراجع لكي يصل إلى المعلومة التي تدله على الطريق والنهج الصحيح؛ الذي يتعين عليه أن يسير فيه حتى لا يضل الطريق.

ومن هنا جاء هذان العملان السالف الإشارة إليهما لكي يُغيرا من فكر الشباب ويُحركا الوطنية الحقيقية بداخلهم؛ ويُظهرا القامات المصرية التي تستحق أن تكون رموزًا يهتدوا بها في حياتهم؛ لكي يسيروا على نهجهم، خاصة أن هذين العملين الدراميين يُعتبران ملحمتين وطنيتين تُؤرخان فترات هامة في تاريخ مصر؛ حيث إن تلك الفترة كانت من الفترات الشائكة التي تداخلت وتضاربت فيها الآراء السياسية؛ لدرجة أصابت المواطنين بالشتات السياسي؛ وكل ذلك لا شك أنه أثر بشكل واضح على الشباب وأفكارهم؛ لذا كان لا بد من وجود أعمال أدبية ودرامية تُجِلي رموز الوطن؛ وتُظهر الأعمال الوطنية الجليلة التي قاموا بها من أجل الحفاظ على الوطن وحمايته من براثن الأعداء.

ولا خلاف على أن هذين العملين نجحا وبصورة غير عادية في إعادة التوازن النفسي لدى الشباب وحملهم على إعادة حساباتهم في العديد من أفكارهم؛ فيكفي زرع الوطنية بداخلهم واستعادة القُدوة الحسنة؛ والخروج من بوتقة الأفكار السطحية. 

وكل هذا لا ولن يحدث إلا عن طريق الإبداع الفني؛ لأنه هو الذي يُغْذي الوجدان وينجح في نقل الأحداث إلى المُشاهدين بطريقة سلسة وجذابة؛ وهذا هو ما يُعرض الآن بالفعل من خلال الدراما الوطنية؛ التي تعمل على نقل البطولات الوطنية في حياتنا لتكون أكبر حافز للشباب على استكمال تلك المسيرة حتى النهاية.