رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحسين عبدالرازق يكتب: شكرًا للست رضا وتحية لمذيع الشارع!

حرّك مشاعري وهز وجداني وأسعدني وأبكاني مقطع الفيديو القصير الذي انتشر قبل عدة أيام على مواقع التواصل الاجتماعي، ولسوء حظي لم أره في حينه، فقط شاهدته بالأمس!

كان الفيديو شديد التأثير رغم قصره، وكانت الكلمات معبِّرة وموحية رغم محدوديتها، ولن أكون مبالغًا إذا قلت إن السيدة «رضا» بما قالته من عبارات بسيطة، صارت هي التجسيد الحقيقي والأجمل لبيت أمير الشعراء شوقي:

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق 

الست رضا أو «الحاجة أم سيد» هي أم لأربعة أبناء، رحل عنها زوجها منذ قرابة العام، فصارت هي الأم والأب معاً لأبنائها الأيتام، وكانت من قبل وفاة زوجها تعمل وتكد، لتساعد وتساند شريك حياتها المريض على اجتياز مصاعب الدنيا وعراقيل الحياة.

هي حلال كده؟؟

كان هذا هو السؤال الذي وجّهته الست «أم سيد» للزميل أحمد رأفت «مذيع الشارع»، والذي طلب إليها أخذ المبلغ الموجود في العلبة، كحق مستحق لها بعد نجاحها في الإجابة على سؤال المسابقة، ترددت الحاجة «أم سيد» في أن تأخذ المبلغ، لشكها في مدى حلاليته، فسألها المذيع متعجبًا، «هي حرام ليه يا حاجة؟»، لتجيبه السيدة المتعففة على الفور، دونما أي تفكير أو انتظار «عشان أنا ماشقيتش بيها!».

يا لها من صفعة قوية، وجّهتها تلك التقية النقية، إلى وجوه بعض أولئك الذين شاءت إرادة الله لهم، لحكمة يعلمها سبحانه ولا نعلمها نحن، أن يصبحوا في غفلة من الزمان من أصحاب الملايين والمليارات، والسيارات الفارهة والقصور والفيلات، وحمامات السباحة التي تطفو فوق مياهها الدولارات!.

درس شديد القسوة، لقّنته لهم ولنا تلك السيدة البسيطة بعدد قليل من الكلمات المحملة بالكثير من الرسائل التي يعجز حتى أهل الحكمة وأصحاب العلوم عن إيصالها، ولكنها أوصلتها بسلاسة وفهمناها.

كانت الرسالة الأولى، لا بل الدرس الأول الذي تعلمناه على يد الست «أم سيد» أن الدنيا لسِّه بخير، وأن شعبنا الأصيل بمعدنه النبيل لا يزال موجوداً، وأن أولئك الذين ملأوا الشاشات واكتظت بهم المسلسلات «غرباء علينا» ودخلاء، وأنه ما زال هناك بسطاء يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، نعم هم فقراء، ولكنهم شرفاء يتحرّون الحلال ويسعون وراءه ويبحثون عنه ويكتفون به ويحمدون الله عليه، وتحضرني هنا نصيحة والدي بارك لنا الله في عمره لي في بداية حياتي العملية «يا ابني الجنيه قبل ما يدخل جيبك لو عصرته وما نزلش عرق مايبقاش حلال».
الدرس الثاني الذي تعلمناه على يد الست الطيبة، كان هو الإيثار على النفس.. الست «أم سيد» وبعد أن ارتاح ضميرها وأخذت المبلغ بناءً على تطمين رئيسها في العمل لها، حمدت الله وقالت «ربنا عالم بالأيتام» ليفاجئها «مذيع الشارع» بمضاعفة المبلغ، فماذا فعلت أم سيد بالمبلغ الإضافي؟
هل ذهبت إلى أقرب «بيسين» وقامت بتطيير أوراق النقود في الهواء فوقه لتسقط وتستقر على مياهه؟ هل ذهبت إلى بيتها البسيط وألقت بالنقود أمام حيواناتها الأليفة؟
لا.. لم تفعل، فليس لدى الست أم سيد «بيسين» كما لا يوجد ببيتها حيوانات أليفة أو مخيفة!
لم تذهب «الست رضا» إلى بيتها، ولكنها آثرت على نفسها، ورجعت إلى محل عملها لتوزع المبلغ الإضافي على زميلاتها وزملائها بالعمل، والذين لا يقلون عنها تعففًا أو احتياجًا.

الشيء نفسه فعلته في منزلها مع بناتها وأختها، فالست «رضا» وكونها هي «نمبر وان» في منزلها، والمسئولة الأولى عن إسعاد أسرتها، قامت بتوزيع مبلغ المكافأة عليهم وكان لسان حالها يقول وبمنتهى الرضا «الحمد لله كده رضا».

الدرس الثالث والأخير، علمتنا الست «أم سيد» أن المال ما هو إلا وسيلة لإسعاد النفس والغير في الخير، ولم يكن أبدًا غاية، أو أداة لاستفزاز أو ظلم أو قهر الغير.. تحية من القلب للزميل أحمد رأفت وقبلة على جبين الحاجة «أم سيد».

حفظ الله مصر وشعبها، وأعان قائدها وزعيمها.. قائد جمع الحق والإيمان.