رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"النيل فى خطر": قراءة في كتاب مهم (4)

في هذا المقال ننتهي إلي الحلقة الرابعة والأخيرة من استعراضنا لكتاب الراحل الكبير الأستاذ "كامل زهيري": "النيل في خطر"، وقد وصلنا إلي ما كتبه حول مشروع نقل مياه النيل في أنفاق تعبر تحت قناة السويس إلي سيناء، فحدود فلسطين المُحتلة إلي صحراء النقب"، حسب مُخطط المهندس الإسرائيلي "إليشع كلي"، الذي فصله في مقال بعنوان "مياه السلام"، ثم في كتاب بعد ذلك.

وينبه الأستاذ "زهيرى"، إلى أن تنفيذ هذا المشروع معناه: "نقل مياه النيل إلى النقب الشمالي الغربي، لتتصل مياه النيل بمياه الأردن، وتمتد شبكة مائية إلى الجنوب لتعمير النقب بشرياً وزراعياً وصناعياً، بل وذريَّاً (لأن [مفاعل] ديمونا" يقع فى شرقى بير سبع)، والمعروف أن الاتجاه الجديد فى إسرائيل هو الاتجاه جنوباً إلى النقب"، وأهمية هذا المشروع لإسرائيل، كما يذكر المؤلف، تعود إلى أن الكيان الصهيوني استنفد "المياه، أو كل قطرة ماء من الأنهار، سواء الأردن أو العرجون، وكل قطرة ماء من الأمطار، أو تحلية المياه المالحة، أو حتي إعادة تصفية مياه المجاري"!

ومن هنا، فإن مد إسرائيل بمياه النيل، كما يرى الكاتب: "يُساعدها على الانتفاخ بإصلاح [صحراء] النقب، سواء عن طريق بيع مياه النيل، أو المُشاركة فى مشروعات مشتركة، سيؤدي إلى إضافة 4 ملايين صهيوني، وهو ما يجعل إسرائيل أقوى دولة في الشرق الأوسط بلا مُنازع"..، وفوق ذلك ـ يذكر المؤلف ـ أن هذا الأمر يقودنا إلى "تنبؤ رهيب بإمكانيات الاتجاه جنوباً على حدود السعودية والأردن ومصر، بما يحويه ذلك من إمكانات عسكرية خطيرة، قد تُبررها، من وجهة غير عربية، خطورة منابع البترول فى العالم العربي"!

والأخطر في هذا السياق، كما يرصد الكاتب ـ مُوَثِّقاً ـ هو الوعد الذي قطعه الرئيس "أنور السادات"، في رسالة بتاريخ 13 أغسطس 1980، إلى رئيس الوزراء الصهيوني، الإرهابي "مناحيم بيجن"ـ مُثبت نصها الكامل في ملاحق الكتاب (الذي نُشر قبل اغتياله) ـ بأن "أمدكم بمياه يُمكن أن تصل إلى القدس مارةً عبر النقب، حتى أُسَهِّل عليكم بناء أحياء جديدة للمستوطنين فى (أرضكم)!!!".

ثم أعاد الرئيس "السادات" التأكيد على "صدق نيته" في تنفيذ هذا العرض المجاني والخطير، في رسالة إلى ملك المغرب، "الحسن الثاني"، مؤرخة في 18 أغسطس من نفس العام، أشار فيها إلى أنه: "كحافزٍ للجانب الإسرائيلي، فقد عرضت إمداد الجانب إسرائيل بجزء من حصة مصر في مياه النيل، لاستخدامها في تسكين المستوطنين في منطقة النقب"، مُبرراً ذلك بأن: "هذا هو قدر مصر وكرم شعبها !"، وموضحاً أن "هذا العرض لم يكن قراراً انفردت به، بل إني بحثت الأمر وقلَّبته من جميع جوانبه مع نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووفد المُفاوضات، وكان هدفنا جميعاً هو دفع مسيرة السلام قُدماً، إلى أن تكتمل بشموخ مصر وتضحيات شعبها العريق"!

لكن الأمر لم يقف عند حد الوعود اللفظية وحسب، بل تعداها إلى الجانب التنفيذي، وهو الأهم. فقد نشرت مجلة "أكتوبر" (التي رأس تحريرها "أنيس منصور"، صديق السادات المُقرَّب)، في العدد (164)، (بتاريخ 16 ديسمبر 1979) هذا الخبر المُطول:

"يوم الثلاثاء 27 نوفمبر الماضي، أعطى الرئيس "السادات" إشارة البدء في حفر "ترعة السلام"، فيما بين فارسكور والتينة عند الكيلو 25 طريق الإسماعيلية ـ بورسعيد، لتتجه تحت قناة السويس إلى سيناء لتروى نصف مليون فدّان.

وقد التفت الرئيس "السادات" إلى المُختصين وطلب منهم عمل دراسة علمية كاملة لتوصيل مياه نهر النيل إلى مدينة القدس (المُحتلة) لتكون في مُتناول المؤمنين المترددين على المسجد الأقصى ومسجد الصخرة وكنيسة القيامة وحائط المبكى (!)، وقال الرئيس: "ونحن نقوم بالتسوية الشاملة للقضية الفلسطينية، سنجعل هذه المياه مُساهمةً من الشعب المصري، وباسم ملايين المُسلمين، تخليداً لمُبادرة السلام!".

وقال (السادات): "باسم مصر وأزهرها العظيم، وباسم دفاعها عن الإسلام، تُصبح مياه النيل هي "آبار زمزم" لكل المؤمنين بالأديان السماوية الثلاثة؛ وكما كان مُجمّع الأديان في سيناء بالوادي المُقدَّس طوى رمزاً لتقارب القلوب في وجهتها الواحدة إلى الله سبحانه وتعالى، فكذلك ستكون هذه المياه دليلاً جديداً على أننا دعاة سلام وحياة وخير"!

وقد علَّقت جريدة "التقدُّم"، التى كانت تصدر عن حزب "التجمُّع" آنذاك، على هذا العرض المجاني الكارثي، قائلةً: "إن شعب مصر يعلم أن دعم إسرائيل بمياه النيل، بعد دعمها بضمان 2 مليون طن من البترول سنوياً من منتوج طاقته، يُشكِّل خطراً مُباشراً على أمنه وحياته اليومية بعد ذلك، وليس معقولاً أن يدعم شعب مصر قوةً مُعاديةً له وقائمةً على حدوده، بكافة الطاقات الاقتصادية من بترول ومياه وفرص للحياة الاقتصادية والاجتماعية الرغدة، في منطقة تطفح بالثورة ضدها مثل المنطقة العربية، وفي مُقدمتها الثورة الفلسطينية، التي لم تُسلم لها إسرائيل بأية حقوق شرعية بعد"!

أمّا الأستاذ "كامل زهيري" فقد كتب يقول: "إن أخطار المشروع الصهيوني للحصول على مياه النيل، لا تقل  عن إنشاء إسرائيل نفسها عام 1948"!

... ومن هناك.. وصلنا إلى هنا!