رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسبوع الآلام.. المُدبر البطريركى للكنيسة الكلدانية: الشعب المصرى يرفض الحكم الديني

أسبوع الآلام
أسبوع الآلام

أشاد الأب بولس ساتى، المُدبر البطريركى للكنيسة الكلدانية بمصر، بجهود الرئيس عبدالفتاح السيسى للارتقاء بالمستوى المعيشى للشعب المصرى، مشيرًا إلى أن الأقباط الكلدانيين فى مصر حريصون على المشاركة المجتمعية وتقديم خدمات لجميع المصريين.

وقال الأب ساتى، فى حواره مع «الدستور»، إن الكنيسة الكلدانية كنيسة مصرية، ويُعترف بها كواحدة من السبع كنائس الكاثوليكية فى مصر، مشيدًا بأوضاع المسيحيين فى ظل حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى.

يشار إلى أن الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، المعروفة بـ«كنيسة بابل الكلدانية»، هى كنيسة شرقية مركزها فى بغداد.

■ بداية.. ما المحطات الأهم فى حياتك الرهبانية؟

- أنا أنتمى لرهبنة الفادى الأقدس، وتخرجت فى كلية الفلسفة واللاهوت بإحدى جامعات ألمانيا، ودرست لمدة ٦ سنوات بمعهد اللاهوت الرعوى، والتحقت بالسلك الرهبانى فى العشرين من عمرى، وتوليت عام ٢٠١٨ مسئولية المُدبر البطريركى للكنيسة الكلدانية فى مصر، والمُدبر البطريركى هو القائم مقام الأسقف أو المطران، ويُعين بالإيبارشية لحين انتخاب أسقف أو مطران عليها.

وقضيت فترة طويلة من عمرى بدول أوروبا، فالتحاقى بالسلك الرهبانى وعملى الرعوى بدأ من هناك، وانتقلت بعدها إلى مصر، وخدمت بأوروبا فى رحاب كنائس متعددة، مثل الكلدانية واللاتينية، فالخدمات فى الكنائس الأوروبية متعددة، وعلى سبيل المثال خدمت لمدة عام ونصف العام كراعٍ روحى مسئول عن أحد المستشفيات. 

■ ما الذى يميز الشعب المصرى؟

- الإيمان الفطرى، فالشعب المصرى يحب الله بالفطرة، ويحب رجال الدين ويحترمهم ويكرمهم، وهو أمر غير موجود دائمًا بالغرب، الذى يتعامل مع رجل الدين بشكل مدنى بحت.

■ كيف بدأ تاريخ الكنيسة الكلدانية فى مصر؟

- تعتبر الكنيسة الكلدانية من أقدم الكنائس بصورة عامة، وتسمى بـ«كنيسة المشرق»، وسُميت بذلك لكونها كانت تقع شرق الإمبراطورية الرومانية، مع مراعاة أن العراق «بلاد ما بين النهرين» كان تحت سلطة الفرس «إيران» حينما انتشرت به المسيحية، ومنذ ذلك الحين انتشرت فى بلدان متعددة، من سواحل اليابان وحتى جزيرة قبرص.

ووصل الكلدان إلى مصر فى القرن الثامن عشر، مع انتقال العراقيين إلى مصر، لا سيما التجار، والمتابع للتاريخ يلاحظ أن التوافد على مصر كان قويًا على مراحل، أولاها فترة الازدهار الاقتصادى بمصر، على يد محمد على الكبير، مؤسس مصر الحديثة، ثم أتت حقبة الحرب العالمية الأولى، وتوابعها، حيث أتى العديد من الكلدانيين إلى مصر.

وهنا يجب أن نشير إلى أنه بدءًا من الجيل الرابع لهؤلاء المستقرين بمصر من الكلدان، استحقوا اعتبارهم مصريين لا أجانب، فالكنائس الشرقية بشكل عام «مُصّرت» بسبب المصاهرة.

■ كيف بدأت العمل فى مصر؟

- مع بداية خدمتى بمصر كان علىّ أن أبحث عن الكلدانيين، فكان هناك كلدانيون غير مواظبين على الحضور للكنيسة، كما هو الحال فى كل كنيسة من الكنائس، ولعل الزواج كان أبرز العناصر التى ساعدتنى فى الوصول إلى بعض غير المنتظمين، فكل من يرغب بالزواج عليه أن يمر بنا ليوثق ويتمم بعض الإجراءات، وكذلك الوفاة، وهو ما يساعدنا فى الوصول إلى عدد كبير من الكلدان.

■ هل يتزوج الكلدانيون من نفس طائفتهم فقط؟

- لا بالطبع، فالتنوع أمر مُرحب به، لكن تحرص الكنيسة على أن يجرى إخطارها بزواج أى فرد من أفرادها، حتى ولو كان سيتزوج شريكًا كاثوليكيًا، من الأقباط أو الروم أو الأرمن أو اللاتين أو السريان أو الموارنة، وذلك لأسباب رعوية ومدنية.

■ كم عدد الكلدانيين فى مصر؟

- أستطيع أن أقول إن هناك ١٢٠ أسرة كلدانية فى القاهرة، وهناك كلدانيون فى الإسكندرية، ولدينا ٣ كنائس بالقاهرة، هى: «العذراء سيدة فاتيما بحى مصر الجديدة، ومار أنطونيوس بحى الفجالة، وهى أقدم رعية كلدانية، وكنيسة العائلة المقدسة والمعروفة بكنيسة المدافن، بمنطقة مجمع الأديان، وهى إحدى الكنائس المجددة حديثًا».

وعلى الصعيد الرعوى، لا يوجد كهنة من أصل كلدانى إلا أنا، لكنّ هناك مرشحين للكهنوت، وهناك كهنة يساعدوننى بعد تعلمهم الطقس الكلدانى.

■ ماذا قدمت الكنيسة الكلدانية لمصر؟

- فى البداية أحب أن أؤكد أن خدمات الكنيسة الكلدانية بمصر لا توجه للعراقيين فحسب، بل توجه للجميع، وأنا دائمًا ما أؤكد أن الكنيسة الكلدانية كنيسة مصرية، ويعترف بها كواحدة من السبع كنائس الكاثوليكية فى مصر.

وأنشأت الكنيسة الكلدانية دار مُسنات بحى مصر الجديدة، تضم ٤١ مُسنة، من بينهن ٥ كاثوليكيات، والبقية من كنائس مختلفة، وتلك هى سياستنا للإعلان عن رفض أى تمييز فى الخدمة للمجتمع.

■ كيف تساعد الدولة الكنيسة الكلدانية؟

- الدولة المصرية لم تميز بين الكنائس، ولم تهمل الكلدان، والدليل على ذلك هو أن الوثائق القديمة توضح أن توقيع رئيس الكنيسة الكلدانية فى مصر كان لا يُستغنى عنه فى أوراق متعددة بالدولة والكنيسة، أسوة بممثلى بقية الكنائس، وهو ما يُعد إرساءً لمبادئ ودعائم المواطنة.

وحتى الآن يشارك مندوبو رئاسة الجمهورية فى احتفالاتنا، لتهنئتنا، أسوة ببقية الكنائس، وهو ما يعتمد أيضًا على العلاقات الحسنة للكنيسة الكلدانية مع الدولة المصرية.

وأود أن أشير إلى أن الكلدانيين يحتاجون إلى حل مشكلة تتعلق بالكنيسة الكاثوليكية بصفة عامة، وهى مشكلة إقامة الرهبان والراهبات والخُدام والمكرسين الأجانب فى مصر، فعلى سبيل المثال أنا أحصل على إقامة سنوية، رغم أننى أعتبر رئيسًا للطائفة الكلدانية بمصر.

وبكل أسف، تسببت تلك الأزمة فى مغادرة رهبان وراهبات كانوا يسهمون بكل قوة فى خدمة المجتمع المصرى، وفى تلك المناسبة نؤكد أن القيادات المصرية تحرص كل الحرص على خدمة الوطن وكل من فيه، إلا أن هناك بعض الموظفين الذين يعطلون الإجراءات.

■ كيف ترى فترة حكم جماعة الإخوان لمصر؟

- لم أكن حينها هنا، فالمُدبر البطريركى للكلدان سابقًا بدأت خدمته بمصر بعد الثورة، وعاصر التعديات التى حدثت على الكنائس، وكانت ضمن تلك الكنائس كنيستنا «العذراء سيدة فاتيما»، والتى دافع عنها جيرانها المسلمون، الذين يتبرأون من أفعال الإخوان، الذين نسميهم فى بلدنا العراق بـ«القنفذ»، الذى يخرج بين حين وآخر.

المرور فى أحياء وشوارع مصر يؤكد أن ذلك الشعب يعتز بتاريخه وثقافته ولن يرضى مطلقًا بالحكم الدينى، فهو شعب يعشق أم كلثوم، ولن يرضى بتحجيب تمثالها، على الرغم من أنها ابنة شيخ، وأذهلت الجميع بتلاوتها سورة البقرة، وغنّت دون الحجاب، وبملابس قمة فى الاحتشام، ونرى أن الحكم الدينى كانت له مساوئ كبرى فى الجزائر وفلسطين، والجماعات الدينية لها بصمات سيئة فى العراق.

■ كيف تصف أوضاع الكلدان فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى؟

- الآن، فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى الأوضاع أكثر من رائعة، والتهنئات دائمًا ما تكون متبادلة، فنحن نهئنه فى كل خطوة مثمرة له، ودائمًا ما يقوم بالرد، ويوفد مندوبًا لتهنئتنا فى الأعياد. وأقول لمن ينتقدون الرئيس: «لو إنتوا مش عاوزين السيسى.. إحنا فعلًا محتاجينه».. تلك الجملة قلتها وجهًا لوجه فى حضور عدد من قيادات الدولة المصرية، فلو كان لدينا واحد مثل السيسى فى العراق، بإمكانياتنا المادية، فسيعود العراق إلى أحسن مما كان عليه بمراحل.

ولا أعلم كيف يجد هذا الرجل إمكانيات تساعده ليطلق تلك المشروعات العملاقة، مثل شبكة الطرق والوحدات السكنية، فلو كان فى العراق وبين يديه إمكانياتنا المادية لكان قد صنع إنجازات كبيرة.

■ ما ردك على من يقولون «بره أحسن»؟

- هى جملة يرددها من يجهل أسلوب الحياة فى الدول الغربية، فالدول الغربية «مش أحسن ولا حاجة»، فقد قضيت فترة كبيرة من عمرى بأوروبا، والمثل يقول «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، فأنت لا تتخيل حجم المعاناة المتمثلة فى الضرائب والبيروقراطية، فهناك ضريبة على الراديو والتلفاز والطرق وكل شىء إلا الهواء. وأتعجب ممن يتحدثون عن حقوق الإنسان فى مصر، فيجب على الجميع أن يعى أن هناك فرقًا بين التجاوز والديمقراطية، فحتى هولندا وإنجلترا بهما قوانين تجرم الإساءة للذات الملكية. 

وبالنسبة للتظاهرات مثلًا، حينما دخل تنظيم «داعش» الإرهابى الموصل، كنت أول راهب ينظم مظاهرة فى تاريخ بلجيكا الحديث، وذلك على الرغم من أن الكنيسة لا تتدخل بالسياسة، إلا أن الأمر خرج فى هيئة وقفة إنسانية احتجاجية على أفعال «داعش» بالعراق، واستغرق الأمر شهرًا للحصول على الموافقة، وجرى تحديد مكان المظاهرة، ولا يسمح بالانتقال أو التظاهر العشوائى.

■ ما الذى يقف فى طريق وحدة الكنائس؟

- نحن ككاثوليك لا مشكلات لدينا، إلا أننا يجب نراعى أن فكرة الوحدة ليست أمرًا سهلًا، فحتى نحن ككنائس كاثوليكية لكل كنيسة سياسة مستقلة، إلا أن هناك مطلبًا كنسيًا، وهو ضرورة أن نتواصل مع بعضنا بعضًا بشكل أكبر.

وذلك الملف الآن فيه رأيان، الأول متشدد وتسيطر عليه أمور غير إيمانية، والثانى أصوات ترجح الوحدة، مثل البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، وهو شخص له ثقل ووزن، ودائمًا ما يقول على سبيل المثال إن «فترة عيد الميلاد المجيد ممتدة من ٢٥ ديسمبر وحتى ٧ يناير»، وتصريحاته تعطى أملًا فى الوحدة.

هل فيروس كورونا غضب من الله؟

- الله يؤدب البشر لكن لا يعاقبهم، فهناك أزمات كثيرة تسبب بها إهمال الإنسان وخطاياه، مثل السرطان والإيدز، وكان أول ما تسبب فيه الإنسان لنفسه هو طرده من الجنة، وإن كان الله يحب عقاب البشر لما مات عنهم المسيح.