رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الطيب»: اقتحام الفقه المعوج لحياتنا الاجتماعية نتج عنه «فوضى الزواج»

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن فلسفة الأمر والنهي في أحكامِ التشريعِ الإسلاميِّ، تتَّضحُ فيها وسطيةُ هذا الدِّين ويسرُه ورحمتُه بالناسِ، موضحًا أن الأحكامَ الشرعيَّةَ التكليفيَّةَ المُتضمِّنةَ طَلَبًا واقتضاءً تدورُ ما بين الأمر والنهي، مؤكدًا أن صِيغ الأوامرِ والنواهي الواردةِ في القرآنِ الكريم والسُّنَّةِ القطعية ليست درجةً واحدةً؛ بل تفاوتَتْ درجاتُ الطلَب بين الإلزامِ بالفعلِ أو بالترك، أو عدمِ الإلزامِ بهما رُغم اتحادِ صيغةِ الطلبِ: أمرًا أو نهيًا في الحالَيْن.


وأوضح فضيلته خلال الحلقة الرابعة عشرة من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» الذي يذاع ‏للعام الخامس، أن الحكم التكليفي ينقسم إلى أربعة أقسام، الأول: ما ورَد فيه الطلب على وجهِ الإلزامِ والحَتْمِ، ويُسمى: الواجبُ، ومثاله الصلاة، والثاني: ما ورَد فيه الطلب لا على وَجْهِ الإلزام، بل على وَجْهِ الاستحبابِ، ومثاله: تسجيل الدُّيونِ وكتابتها، والثالث: النهي على سبيل الجزمِ، وهو: "الحرامُ" أو "المحظورُ"، وهو ما يكون فعلُه سببًا للذمِّ شرعًا ومثاله: شرب الخمرِ، والرابع: "المكروه: وهو كلُّ تصرُّفٍ تَرْكُه أَوْلَى من فعلِه، وحكمُه أنَّ تاركَه مُثاب، ومرتكبَه غيرُ مُعاقَب.
وأكد فضيلته أنه ليس كلُّ أمرٍ أو نهيٍ وَرَدَ في القُرآن والسُّنَّةِ وَرَدَ على سبيلِ الوجوبِ أوالحُرمةِ، مشددًا أن قدرًا كبيرًا من فَوْضَى الفتاوى المُعاصِرة، مرجعُه إلى خلطِ المستحبِّ بالواجبِ، والمكروهِ بالحرامِ، والاستدلالِ على وجوبِ المستحبِّ بمُجرَّدِ وُرودِ أمرٍ، وعلى حُرمةِ المكروهِ بمُجرَّدِ ورودِ نهيٍ، وفي ذلك ما فيه من افتراءٍ على شريعةِ الإسلامِ، مشددًا أن أخطَُ ما في هذا الأمرِ هو اقتحامُ هذا الفقهِ المُعْوَجِّ لحياتنا الاجتماعية، وبخاصةٍ الأسريَّة منها، وما نتج عنه من "فوضى الزواجِ وفوضى الطلاق"، وترويج مَقولةِ: أنَّ الأصلَ في الزواجِ التعدُّد، وأنَّ مخالفتَه مخالفةٌ للسُّنَّة.
 

وطرح فضيلة الإمام تساؤلًا: هل كلُّ أمرٍ ورد في القُرآن الكريمِ أو السنة المُطهَّرةِ يجبُ على المسلمِ فِعلُه؟ وأجاب فضيلته أن العلماء أجابوا على هذا السؤال بالنفيِ، موضحًا أنَّ "الأمرَ" قد يُفيدُ الوجوبَ، وقد لا يُفيد وجوبًا ولا استحبابًا أصلًا، وإنَّما يُفيدُ مُجرَّدَ إباحةِ فعلِ المطلوبِ أو تركِه، مضيفًا فضيلته أن علماء الأصول قد أحصوا خمسةً وعشرين معنى تدلُّ عليها صيغةُ "الأمر" غيرَ معنى الوجوب. 
 

وأكد فضيلته أن بيان فلسفةَ التقييدِ في مفهوم "الأمر" وصيغِه ودلالاتِه، تُضيِّقُ إلى حَدٍّ كبيرٍ من دائرة "الواجبات" في حياة المسلم العملية والاجتماعية، وتُؤمِّنُ له حريةَ الحركة في دائرةٍ لا نهائيةٍ من الجائزات والمباحات، مشيرًا إلى أن هذه النظرة تكشف عن "الانسجام" الداخليِّ بينَ القُرآنِ والكونِ، وأنهما وجهان لحقيقةٍ واحدةٍ، وأنَّ القرآنَ أشبَهُ بكونٍ مسموع، والكونَ أشبهُ بقُرآنٍ مرئيٍّ يُتأمَّلُ، وأنَّ الميلَ إلى تكثيرِ الواجباتِ وتفريعِها وازدحامِ الفروضِ والسُّنَنِ يَقدَحُ في فضيلةِ التأمُّلِ العقليِّ التي يُعوِّلُ عليها القرآنُ في اكتشافِ الحقائق، والعلمِ بالموجوداتِ على ما هي عليه، وهو العلمُ المسمَّى بـ"الحكمةِ الإلهيَّةِ"  التي ذكَرَها القرآنُ وأثنى عليها وعلى أصحــابِها في قولِه تعالى (يؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ). 
 

يذكر أن برنامج «الإمام الطيب» يذاع للعام الخامس عبر قنوات مصرية وعربية، وقد أطلق ‏البرنامج في رمضان 2016م، ويتناول البرنامج في عامه الحالي خصائص الدين ‏الإسلامي، ووسطية الإسلام ومظاهرها، وقواعد التكليفات الشرعية، ويسر الشريعة، ‏ومصادر التشريع، والرد على الشبهات حول السنة النبوية والتراث.