الدين والمؤسسة الدينية

ما هو الدين؟ تعددت تعريفات الدين على مر التاريخ حسب الرؤية الفلسفية والاجتماعية والسلوكية.. وهناك تعريفات فى علم اللغة وعلم الاجتماع وعلم النفس، ولكن هنا سنكتفى بتعريف د. عثمان الخشت للدين «الدين: حركة الشعور ونزوعه نحو المطلق فى منظومة من المعتقدات»، أى ببساطة شديدة أن الدين هو شعور وإحساس الإنسان وإدراكه الله المطلق من خلال المعتقد الذى يؤمن به هذا الإنسان لأى دين كان.. وهذا ما تم تلخيصه فى مقولة: «إن علاقة الإنسان بالله هى علاقة ذاتية وعلاقة خاصة لا يمكن لأى آخر إدراكها ومعرفتها والتدخل فيها».. «لا يعرف الإنسان إلا روح الإنسان الساكن فيه»، وأيضًا «الإيمان هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل». وهذا يعنى، وفى المقام الأول، أنه لا يستطيع أحد ولا يحق لأحد التدخل فى علاقة الإنسان بالله.. هنا، وعلى ذلك، فهل يوجب الأمر والإيمان بالله أن تكون  بين الإنسان وبين الله ما يسمى المؤسسة الدينية؟ بالطبع لا.. فالدين والإيمان الذاتى والشخصى لا علاقة له بالمؤسسات بشكل عام، فالمؤسسة هى تعبير سياسى واقتصادى يعنى العلاقة المادية والاقتصادية والحياتية بين العاملين والمستفيدين بهذه المؤسسة. ولذا فلا بد أن يكون هناك قانون ولوائح وضعية تحكم هذه العلاقة.. فهل هناك ما يحكم علاقة الإنسان بالله غير إيمانه به؟.. ولذا ففى كل التاريخ الحضارى العربى والإسلامى لم تكن هناك مؤسسة خاصة باسم الدين على الإطلاق، وإنما كانت مؤسسة قضائية مسئولة عن تطبيق الأحكام وفق الأحكام والشريعة القائمة، وفيما عدا ذلك فهناك مختصون وأهل ذكر فى كل مجال.. أما فى الإطار المسيحى، وللأسف، فلظروف تاريخية وسياسية واقتصادية وصراعية فى أوروبا، وتحديدًا فى العصور الوسطى، أخذت الكنيسة صفة المؤسسة العامة والشاملة والمتحكمة فى أتباعها، خاصة عندما استحكمت الأزمة الاقتصادية فى أواخر القرن الحادى عشر بأوروبا، الشىء الذى جعل البابا أوربان الثانى يقوم بحملاته الصليبية عام ١٠٩٥ تحت شعار حماية مسيحيى بيت المقدس ومسيحيى الشرق.. هنا كانت للكنيسة الزعامة الدينية «وليس الروحية» والسياسية والاقتصادية.. إلخ، حتى رأينا تلك الحروب بين الكاثوليك والبروتستانت المسيحيين، والتى استمرت ثلاثين عامًا باسم المسيح!!، فهل كانت هذه كنائس أم مؤسسات؟ كانت مؤسسات ولم تكن كنائس.. والكنيسة هى جماعة المؤمنين المتمسكين بكتابهم المقدس وإيمانهم الواقر فى قلوبهم، والكنيسة ليست المبنى المادى، ولكنها هى تعبير روحى إيمانى لا علاقة له بالمؤسساتية، ولكن عندما تتحول الأمور إلى مؤسسة، هنا تتحول إلى عملية مادية لا روحية، صراعية لا دينية، مصلحية لا بذلية، ربحية لا تطوعية.. فالمؤسسة دائمًا تسعى إلى تحقيق أكبر نسبة من الربح من خلال الإكثار من تابعيها فى مواجهة مؤسسة أخرى.. والمؤسسة تحاول دائمًا الحفاظ على تابعيها ليس من خلال الحوار والرأى الآخر ولكن من خلال الأوامر والطقوس غير المقدسة، التى يصبغونها دائمًا بصفة «المقدس» حتى تكون فى إطار الدينى والروحى، وحتى يسقط على المؤسسة والعاملين فيها الدينى والمقدس.. ولذا فهناك فرق كبير بين مكان للعبادة يقوم فيه المؤمن مع جماعة المؤمنين بأداء الطقوس المقدسة التى ترتبط بالعقيدة التى يؤمن بها هذا المؤمن، وبين مكان تحول إلى مؤسسة كل همها السيطرة على التابعين للمؤسسة وليس المؤمنين بالدين.. ودليل ذلك أن الصراعات بين الأديان وبين العقائد فى الدين الواحد هى ليست صراعات دينية ولا عقائدية لكنها صراعات مؤسسية، تسعى لمزيد من جذب الأتباع الجدد والسيطرة على الأتباع الحاليين فى مواجهة الآخر بكل السبل والطرق التى لا علاقة لها بالدين وسماحته، ولا بالعقيدة ومحبتها للآخر.. هنا نجد أن النتيجة هى فكر دينى خاضع ومصنّع فى المؤسسة ولصالحها، وللأسف كله باسم الدين.. هنا لا بد أن نعى جيدًا الفرق بين دور العبادة وبين المؤسسة، لأن الدين والإيمان لا يحتاجان إلى مؤسسة، ولكن إلى إيمان حقيقى يقبل الآخر ويترك الحكم لله صاحب الحكم.