رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وفي كتابه "الكتب الممنوعة"٬ يقدم مؤلفه الكاتب الإيطالي ماريو إنفليزي٬ من ترجمة وفاء البيه٬ وصدر عن دار كلمة للترجمة بالإمارات٬ سرد تاريخي لكراهية الكتاب وحرق الكتب وإبادتها٬ والتضييق الذي مارسته السلطات خاصة الكنيسة

من بينها «الديكاميرون» لبوكاتشيو و«الأغاني» لفرانشيسكو.. قائمة الكتب الممنوعة من محاكم التفتيش

اليوم العالمي للكتاب
اليوم العالمي للكتاب

قبل أن يصبح للكتاب يوما عالميا، والذي قررته منظمة اليونسكو في الثالث والعشرين من شهر إبريل عام 1995 مر الكتاب بمراحل اضطهاد كثيرة، بل أحرقت ملايين الكتب عبر العصور، وبين الأمم، سواء كانت في الشرق أو الغرب، حتى العالم الغربي وفي القلب منه أوروبا، التي عرف عنها إطلاق الحريات والتسامح، مرت هي الأخرى بعصور مظلمة، انتهكت فيها الكتب والكتاب، بل وأحرقت الكتب وكتابها خاصة في فترة محاكم التفتيش.

وفي كتابه "الكتب الممنوعة"٬ يقدم مؤلفه الكاتب الإيطالي ماريو إنفليزي٬ من ترجمة وفاء البيه، وصدر عن دار كلمة للترجمة بالإمارات٬ سرد تاريخي لكراهية الكتاب وحرق الكتب وإبادتها، والتضييق الذي مارسته السلطات خاصة الكنيسة٬ علي الكتاب والمبدعين. 

حيث يشير ماريو إنفليزي إلي أنه وبين عامي 1546 و1558 أصدر أساتذة اللاهوت في جامعة لوفانيو ــ استجابة لأوامر كارل الخامس٬ وفيليب الثاني ــ ثلاث قوائم٬ تحتوي علي مئات الأعمال الممنوعة٬ التي تشمل إلي جوار مؤلفات الإصلاحيين المعتادة٬ وطبعات التوراة والعهد الجديد٬ قائمة من الكتيبات الصغيرة الحجم باللغة الفلمنكية٬ أعدت لنشر فكر الإصلاح بين الطبقات الشعبية٬ ثم صدرت عام 1558 ــ بشكل استثنائي ــ قائمة بالكتب المسموح استخدامها في المدارس.  

وعن قوائم الكتب الممنوعة تداولها بين الناس يوضح ماريو إنفليزي: في إيطاليا خرجت أول قائمة للنور عام 1549 في البندقية، وفقا لاتفاق مناوئ للهرطقة بين كل من محكمة التفتيش والموفد البابوي٬ وهي الهيئة القضائية المنتدبة من الجمهورية للإشراف علي عمل المحكمة المقدسة٬ وقد ضمن القائمة ما يقرب من 150 عملا محظورا، كانت خمسون من بينها تمثل الإنتاج الكامل لمؤلف واحد. وعلى الرغم من صدور هذه اللائحة، إلا أنها لم تعلن أبدا، لأنها أثارت ردة فعل فوري لدى باعة الكتب، وجلس الشيوخ في البندقية. قلق الأوائل على مصير حوانيتهم الملأى بالبضائع٬ وثار الأواخر على تنفيذ قواعد أكثر تشددا، من تلك التي تطبق في روما ذاتها.

بعد ذلك بخمسة أعوام أصدرت الهيئة الكنسية الرومانية لوائح أخرى في البندقية٬ وفلورنسا٬ وميلانو٬ وفي هذه الحالات أيضا لم يتم إعلان القوائم٬ انتظارا لظهور أدوات موحدة٬ كانت في طريقها للإعداد تحت إشراف بولس الرابع (جان بيترو كارافا).

وفي عام 1559 بعد فترة عمل طويلة وشاقة٬ صدرت القائمة الرومانية الأولى، التي مثلت طفرة حاسمة في نوعية الصراع الذي قادته كنيسة روما علي الهراطقة. كانت قائمة بولس هي الوحيدة التي أعدتها محكمة التفتيش الرومانية٬ والأشد صرامة في التاريخ٬ بما حوته من إدانات لم تعرف مهادنة أو تمييز. كان بولس الرابع البابا الذي قام بنشرها٬ والمفتش العام السابق لأعوام عدة٬ رجلا ذا عزم لا يلين٬ في الدفاع عن العقيدة٬ وكراهية لأية محاولة للتفاهم مع البروتستانت. وتتوائم إزاحة الأساقفة الذين اضطلعوا وحدهم في السابق بالعمل الرقابي، عن مواقعهم وإسناد الأمر كله في المقام الأول إلى هيئة التفتيش، بقصد أن تخضع لرقابتها الإنتاج الفكري بأكمله٬ مع منطق قمعي دقيق٬ يعود إليه أيضا إلزام المؤمنين بتسليم الكتب التي تدخل في نطاق الأصناف الممنوعة إلي المحكمة المقدسة، وفروعها مباشرة، عوضا عن إعطائها إلى الأساقفة.

ويستطرد ماريو إنفليزي: يجدر بنا تأمل بنية القائمة٬ التي ظلت على حالها بشكل جوهري٬ حتى منتصف القرن الـ 17 كانت الأعمال الممنوعة٬ التي تناهز الألف مرتبة ترتيبا أبجديا٬ وموزعة إلى ثلاث مجموعات٬ ضمت المجموعة الأولى المؤلفين من غير الكاثوليك٬ وقد طال الخطر كافة مؤلفاتهم٬ بما فيها تلك التي لا تمت للدين بصلة. تلت ذلك مجموعة ثانية شملت 126 عنوانا خص 117 كاتبا٬ ثم 332عنوانا مجهول المؤلف. وفي نهاية الجرد أضيفت قائمتان إضافيتان: إحداهما تضم 45 طبعة ممنوعة من التوراة والعهد الجديد٬ والأخري تشمل 61 طباعا٬ يضاف إنتاجهم إلي نطاق الحظر٬ وجميعهم يقيمون في مدن سويسرية وألمانية باستثناء فرانشيسكو بروتشولي من البندقية.

وأخيرا صدرت داخل المجموعة الثالثة٬ وتحت عنوان "كتب عامة" أوامر حظر جماعية٬ ممتد إلى فئات كاملة من الكتب منعت هكذا ولم تتناول الدين٬ وكل الكتب التي لا تحمل علي أغلفتها الداخلية اسم المؤلف٬ والناشر٬ وتاريخ النشر ومكانه٬ وتلك نشرت علي يد طباعين ملحدين٬ أو دون الحصول علي تصريح من الأسقف المحلي٬ والمفتش٬ والأعمال ذات المضمون الفلكي والسحري٬ وكان يسمح بمطالعة التوراة والعهد الجديد٬ وفقا لرخصة تصدرها المحكمة المقدسة فقط٬ ولم يكن يصرح بها للنساء٬ أو لمن لا يجيدون اللاتينية أبدا.  

ويختتم ماريو إنفليزي مؤكدا: أثار تشدد الوثيقة الجديدة اضطرابا عظيما. كانت أوامر الحظر تتجاوز التطاق الديني والعقائدي٬ سعيا لتنصيب المحكمة المقدسة قاضيا أعلي٬ علي كل ما يكتب. وكان يعتد بالتصريح الذي يمنحه المفتشون وحده٬ ولم يعد للتصريح المدني محل. إضافة إلي ذلك كانت التبعات قاسية للغاية علي الثقافة المكتوبة باللغة العامية. شمل الحظر أعمالا ذات انتشار واسع٬ لا تتعارض في شيئ مع القضايا اللاهوتية المتأججة٬ لأنها أعتبرت معادية للكنيسة وفاضحة ولا أخلاقية.  

ترتب على ذلك إدانة أعمال عدة لبييترو أريتينو٬ ومؤلفات نيكولو ميكافيللي كاملة٬ وريبلاي٬ وإرازموس دا روتردام٬ و"الأغاني" لفرانشيسكو بيرني٬ و"الخطابات" لأنطون فرنشيسكو دوني٬ و"الديكاميرون" لبوكاتشيو٬ إضافة إلي الأعمال الشهيرة والمنتشرة للويجي بولتشي٬ وجوفان ديلا كاسا٬ وأورتسيو لاندو٬ ونيكولو فرانكو.