رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقه بني إسرائيل (5) ..ما بعد الموت.. كيف يرى اليهود "الجنة والجحيم"؟

يهود متدينون
يهود متدينون

اليهودية لها عدة جوانب غامضة حيرت الباحثين على مدى قرون، ولكن تظل فكرة الجنة والجحيم هي الأكثر غموضًا بين جميع أفكار الحياة الآخرة اليهودية، ليس فقط الغموض، بل التناقض أيضاً، حيث تتعارض المصادر اليهودية حول ما يحدث بعد الموت.

تقدم اليهودية مجموعة من الآراء حول الحياة الآخرة، وبينما في الفكر اليهودي التقليدي تم التعامل مع موضوعات الجنة والنار على نطاق واسع، ابتعد معظم المفكرين اليهود المعاصرين عن هذا الموضوع، مُفضلين اتباع النموذج التوراتي، الذي يركز على الحياة على الأرض.

الشيول في الكتاب المقدس: هاوية تحت الأرض

التعامل مع موضوع الموت يظهر بشكل غير مُحدد في الكتاب المقدس، على الرغم من الإشارة في أغلب الأحيان إلى أن الموت الجسدي هو نهاية الحياة، إلا أن هناك العديد من الإشارات الكتابية  ذكرت أن الموتى يذهبون إلى مكان يدعى "شيول"،  وهي حفرة توصف بأنها منطقة "مظلمة وعميقة"، وأحياناً يطلق عليها "أرض النسيان".

الرؤية حول الشيول قاتمة إلى حد ما، لا يوجد بشكل عام مفهوم للحكم أو الثواب والعقاب مرتبط به، واختلفت المصادرة اليهودية حول الشيول ولكن جميعها اتفق أنه المكان الذي سيذهب له جميع البشر بعد الموات، سواء كانوا خياراً أو أشراراً، أغنياء أو فقراء، عبيد أو أحرار، مثلما جاء في سفر "أيوب" في الإصحاح الثالث، ثم يذهبوا منه للحياة الأبدية سواء الجنة أو الجحيم.

العالم الآخر: اليهود ينتظرون مستقبلاً أفضل

يرتبط تطورمفهوم الحياة بعد الموت بتطور علم " العالم الآخر"، الذي بدأ من الفترة التي أعقبت تدمير الهيكل الأول في القدس (586 قبل الميلاد)، وقتها بدأ العديد من أنبياء بني إسرائيل الكلاسيكيين (عاموس، هوشع ، وإشعياء ) في التنبؤ بمستقبل أفضل لشعبهم.

ولكن مع الهزائم العسكرية المتكررة ، والنفي والاضطهاد التي بلغت ذروتها أثناء تدمير الهيكل الثاني في عام 70، بدأ المفكرون اليهود يفقدون الأمل في أي تغيير فوري، ومن هنا ظهرت فكرة التوقعات الأكبر التي ستأتي إلى اليهود في الحياة بعد الموت. 

تسببت كارثة تديمر الهيكل الثاني عام 70 م في أزمة لاهوتية لليهود، فكان التساؤل هو كيف يمكن أن يسمح إله إسرائيل ببساطة بتدمير الهيكل وهزيمة شعبه على يد الإمبراطورية الرومانية ؟ 

بعض الحاخامات كانت لهم إجابة وهي أن "إثم بني إسرائيل هو الذي أدى هزيمتهم، ولكن فيما بعد تطورت هذه الفكرة إلى فكرة أخرى. وهي أن الشخص الصالح قد يعاني في هذه الحياة ، فإنه سيكافأ بالتأكيد في العالم التالي، وستكون تلك المكافأة أكبر بكثير.

في الواقع، في بعض الحالات، يرى الحاخامات أن الأبرار قد أُجبروا على المعاناة في هذا العالم بحيث تكون مكافأتهم أكبر بكثير في العالم الذي سيأتي مثلما جاء في "سفر اللاويين".

جنة “عدن” اليهودية 

العالم الذي سيأتي ليس واضحًا على الإطلاق، وعند الحديث عن الجنة أو الجحيم يزداد الغموض، يشير استخدام مصطلح "جان عدن" لوصف "الجنة" أي جنة عدن، وهناك حاخامات صوروا الحياة الأخرى كعودة إلى الوجود السعيد لآدم وحواء في جنة عدن قبل "النزول إلى الأرض"، كما تعتقد اليهودية أن الروح البشرية في جنة عدن سوف تكون موجودة بلا جسد حتى وقت القيامة الجسدية عندما يأتي المسيح المخلص.

إحدى القصص التلمودية المثيرة للاهتمام، والتي تتناول الحياة الآخرة، كانت عن الحاخام جوزيف، ابن الحاخام جوشوا بن ليفي، الذي مات وعاد إلى الحياة.

سأله أبوه: ماذا رأيت؟ أجاب: رأيت عالماً عكس هذا العالم؛ أولئك الذين هم في القمة هنا كانوا في الأسفل والعكس صحيح، قال له والده: "يا بني ، لقد رأيت عالمًا مُصححًا."

في التقليد الكبالي (الصوفي اليهودي)، هناك الكثير من النقاش حول رحلات الروح البشرية إلى جنة عدن والعوالم السماوية الأخرى خلال حياة المرء على الأرض، غالبًا ما تتم هذه الرحلات في الليل ، بينما يكون الجسد في حالة راحة.

أما حول وصف الجنة، فجاء في سفر حزقيال تصور عن جنة عدن، بأن ستكون داخل جبل عظيم، ممتليء بشجر الأرز، ويتدفق منه الأنهار.

أما موقعها، فبحسب ما ورد في سفر التكوين، فهناك أربع اقتراحات مختلفة، في رأس الخليج العربي، في جنوب بلاد ما بين النهرين (حاليا العراق ) حيث دجلة و الفرات تجري الأنهار في البحروفي أرمينيا، وبحسب سفر حزقيال فإن جنة عدن ستقع في لبنان. 

في التلمود والكابالا اليهودية، يتفق العلماء على أن هناك نوعين من "جنة عدن". الأول أرضي يتميز بخصوبة وفيرة ونباتات وفيرة، تُعرف باسم "جان عدن السفلي"، والثاني سماوي، وهي ستكون مسكن لأرواح صالحة، يهودية وغير يهودية، توُعرف باسم "جان عدن الأعلى"، ويقال عن جنة عدن أنها لم تشهد مثلها عين، وهي ماتتوافق مع وصفة الجنة في الإسلام "مالاعين رأت".

جهنوم: جحيم يهودي

يقول الحكماء اليهود إن الأرواح الصالحة فقط ستصعد مباشرة إلى جنة عدن، بينما الأشرارسيهبطون إلى أسفل إلى مكان للعقاب و/ أو التطهير، يشار إليه عمومًا باسم "جهنوم".

الاسم مأخوذ من واد "جي هنوم" الذي يقع جنوب القدس مباشرة، فيرى البعض أن جهنوم سيكون مكان للتعذيب والعقاب والنار، بينما يتخيله الآخرون بشكل أقل قسوة، كمكان حيث يراجع فيه المرء أفعال حياته، ويتوب عن آثام الماضي.

بحسب المعتقد اليهودي، فإن حكم الروح في جهنوم سيكون لفترة تطهير مدتها 12 شهرًا فقط، قبل أن تأخذ مكانها في الحياة الأبدية، ولكن  الأشرار لن يصعدون إلى جنة عدن في نهاية هذا العام، وتختلف المصادر حول ما يحدث لهذه الأرواح بعد فترة التطهي،  فيقول البعض أن الأشرارسيتم تدميرهم تماماً في جهنوم، وآخرون يرون أنهم سيعودوا بعد التطهير للحياة الأبدية (موسى بن ميمون، مشناه توراة، قانون التوبة ).

التلمود وصف "جهنوم"  أنه مكان أكثر 60 سخونة من النار الأرضية، ويوجد جهنوم (السفلي والعلوي) مثل جنة عدن السفى والعليا، وبحسب المراجع اليهودية فإن حاجز من أربع بوصات يفصل بينهما. 

ولكن كيف يتم الحكم على الشخص بالجنة أو الجحيم؟ 

اليهودية فسرتها بأنها بالأغلبية، فإذا كان أغلبية افعال الشخص جيدة سيذهب لجنة عدن، والعكس إلى "جهنوم" أي الجحيم،  وإن كانا متساويين فالله برحمته ينزع أفعال الشر، ويضعها في ميزان الحسنات، ويدخل الجنة.