رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى اليوم العالمى للكتاب.. هذه قصة حرق الكتب فى التراث العربى

اليوم العالمي للكتاب
اليوم العالمي للكتاب

منذ 26 عاما قررت اليونسكو٬ تحديدا في العام 1995 أن تجعل يوم الثالث والعشرين من أبريل يوما عالميا للكتاب٬ والعالم يحتفل في مثل هذا اليوم بالكتاب ومؤلفي الكتب من المبدعين والمثقفين. على أن هذا الاحتفاء سبقته قرون من حرق وإبادة الكتب. لم يتوقف الأمر على أمة دون غيرها٬ ولا على ديانة دون الأخري. ففي كتابه "حرق الكتب في التراث العربي" يشير مؤلفه ناصر الحريمي٬ إلى أن كراهية الكتاب وإبادته ظهرت منذ فجر الإسلام٬ راصدا وموثقا العديد من الروايات التي أشارت إلى كراهية الكتاب والكتابة في مقابل تمجيد الشفاهية والرواية السماعية المتناقلة شفاهيًا.

 

يدرج ناصر الحريمي ثبتًا بأهم النصوص التي حرضت علي إبادة الكتب ومنع الكتابة٬ فيقول في المبحث الأول من الكتاب:"إنا أمة أمية لا نكتب٬ ولا نحسب" موضحا: هذا النص يقرر أمية الأمة التي ظهر فيها الإسلام٬ ولهذا رفعوا من شأن الحفظ ومجدوه٬ حتي أصبح من أهم وسائل تحمل الرواية٬ بل ذم بعض الصحابة كتابة الحديث. كالذي روي عن أبي نضرة قال:"وقيل لأبي سعيد: لو اكتتبنا الحديث. فقال: لا نكتبكم٬ خذوا عنا كما أخذنا عن نبينا صلي الله عليه وسلم."وعن ابن عباس قال:"إنا لا نكتب العلم ولا نكتبه". وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: “إنه كان ينهي عن كتابة العلم وقال: إنما ضل من كان قبلكم بالكتب". 
 
 

ويؤكد ناصر الحريمي: فهذه النصوص جميعها تذم الكتابة والكتاب٬ وهو موقف موروث عن الفترة التي سبقت الإسلام. قال إعرابي: "حرف في تامورك خير من عشرة في كتبك". وجاء عن الشعبي نحوه وهؤلاء كلهم عرب٬ وقال النبي صلي الله عليه وسلم:"نحن أمة أمية٬ لا نكتب ولا نحسب". وهذا مشهور أن العرب قد اشتهرت بالحفظ٬ كان بعضهم يحفظ أشعار بعض في سمعة واحدة٬ وقد جاء أن ابن عباس رضي الله عنه حفظ قصيدة عمر بن أبي ربيعة: "أمن آل نعم أنت غاد فمبكر.. في سمعة واحدة على ما ذكروا". فاحتقار كتابة العلم بالقراطيس هو سمة عربية صميمة٬ وهو رأي جمعي عند العرب المتقدمين أورثوه لمسلمي صدر الإسلام. عن يحيي بن جعدة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنة٬ ثم بدا له ألا يكتبها٬ ثم كتب في الأمصار:"من كان عنده شيء فليمحه".

 

وعن عبدالله بن يسار قال: سمعت عليا يخطب يقول: “أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه٬ فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم. وعن أبي بردة بن أبي موسي الأشعري قال: كتبت عن أبي كتابا كبيرا فقال: ائتني بكتبك٬ فأتيته بها٬ فغسلها. وعن أبي بردة قال: “كان أبو موسي يحدثنا بأحاديث فقمنا لنكتبها٬ فقال: أتكتبون ما سمعتم مني؟ قلنا نعم. قال: فجيئوني به٬ فدعا بماء فغسله٬ وقال: احفظوا عنا كما حفظنا".      

 

ويستطرد ناصر الحريمي: إن هذه المواقف أوجدت نوعا من الجرأة المبررة على إتلاف المدون "الحديث النبوي"٬ ما عدا القرآن٬ وعليه فمن باب أولى أن يتلف ما عداه فيما بعد٬ والذي شمل كتب الرأي والكلام٬ وغيرهما٬ حيث يحتج المتأخر بفعل المتقدم ومسلكه٬ وهو موقف خدم كثيرا السلطة الأبوية٬ التي انتقلت من طور إلى طور آخر أكثر نضجا٬ واتساعا حيث تبنته السلطة الزمنية٬ ومارسته مع احتفاظ كل نسق بمواقفه من المدون وخصوصية هذه المواقف.

 

فالعداء قبل الإسلام يشمل عموم المدون. وفي الفترات المبكرة من الإسلام استثني القرآن الكريم من هذا العداء فدون مصحف عثمان٬ وأتلف ما عداه من المصاحف. ثم تطور الموقف فاستثني تدوين السنة مع القرآن٬ وكره ما عداه من كتب الرأي (الفقه المجرد) والتي استثنيت فيما بعد٬ حتى شمل ذلك كتب الأدب٬ والتاريخ٬ واللغة٬ وأصبح الإتلاف ينحو منحى آخر.