رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

احذر الأخطاء التالية.. فن التفكير الواضح «١-٣»

 

فى كتابه «فن التفكير الواضح» يسرد الكاتب الألمانى «رولف دوبلى» ٥٢ خطأً عليك تجنبها، حتى لا تقع فى دائرة التفكير المشوش أو التفكير الخاطئ، وبالتالى تتخذ قرارات تؤدى لنتائج كارثية، أو على الأقل لا تحقق لك ما تصبو إليه.

اعتمد الكاتب على سرد الكثير من القصص التى تدلل على الطريقة الخاطئة التى نفكر بها، وقد شدت تركيزى قصة، قد تكون حقيقية أو مجرد مزحة، لكنها عميقة المغزى، وتدعو للتأمل والتفكير، تقول القصة: «بعد حصوله على جائزة نوبل فى الفيزياء عام ١٩١٨، قام ماكس بلانك بجولة فى أرجاء ألمانيا كلها، وبصرف النظر عن المكان الذى كان يُدعَى إليه، فإنه كان يُلقِى نفس المحاضرة عن ميكانيكا الكم، مع الوقت حفظ السائق المحاضرة عن ظهر قلب، وقال لسيده يومًا: (لا بد أن الأمر مملٌّ لحضرتك سيدى الأستاذ بلانك أن تُلقِى كلَّ مرة نفسَ المحاضرة، أقترحُ أن أُلقى المحاضرةَ نيابةً عنك فى ميونخ، بينما تجلس أنت فى الصف الأول وترتدى قبعةَ السائق، وبهذا يتوافر لكلٍ منا بعض التغيير)».

أعجبَت الفكرةُ «بلانك» على سبيل التسلية فوافَقَ، وهكذا ألقى السائق المحاضرةَ الطويلة حول ميكانيكا الكم أمام جمهورٍ من ذوى الهامات السامقة، وبعد برهة من الوقت طرح أحد أساتذة الفيزياء سؤالًا، فأجاب السائق كما يلى: «لم أكن أتصوَّر قطُّ أن سؤالًا بسيطًا مثل هذا يُطرَح فى مدينة متقدِّمة مثل ميونخ.. سأطلب من سائقى أن يتفضَّل بالإجابة».

هذه القصة تقودنا للتساؤل عن أنواع المعرفة التى نتلقاها كل يوم، وعن حقيقة من يقدمون لنا هذه المعلومات، خاصة فى وسائل الإعلام، التى تهتم بمن يتحدثون بلباقة ويستطيعون استعراض معلوماتهم وآرائهم بمهارة، والسؤال الأهم، كيف نفرِّق بين العالم والمتعالم؟

يقول «رولف دوبلى»: يوجد نوعان من المعارف، الأول هو المعارف الحقيقية، إنه العلم الذى يصدر عن أناس اكتسبوه من خلال بذل وقت وعمل عقلىٍّ كبيرين، أما النوع الثانى فهو معارف السائقين، والسائقون هم أولئك الذين يدَّعون أنهم يعرفون، لقد تعلَّموا كيف يقدِّمون عرضًا جيدًا، ربما لديهم صوت جميل أو مظهر مقنع، إلا أن العلم الذى ينشرونه أجوف.

وهم يستطيعون ببلاغتهم أن ينثروا كلامًا فارغًا، لا تثق فى الأشخاص الاستعراضيين، العلماء الحقيقيون يعرفون بحق ما يعلمون وما لا يعلمون، وإذا وجد أى منهم خارج دائرة تخصصه، فإنه سيلتزم الصمت، ولن يشعر بالحرج فى أن يقول لا أعرف.

وما يقودنا إليه خطأ «معارف السائقين» هو وجوب فهم كيف يتعامل كل من العالم والمتعالم مع المعرفة، فالمعرفة فى يد من يتظاهر بامتلاكها «المتعالم»، هى وسيلة لتحقيق أهداف شخصية ضيقة، كالتظاهر والمباهاة والحصول على مكاسب مادية ومعنوية.

ولكن المعرفة فى يد العالم هى وسيلة للتعامل المفيد مع البيئة المحيطة، وهى طريق لكشف طرق جديدة لتيسير حياة الإنسان وتحقيق تقدمه، المعرفة هى إجابة عن سؤال تقود إلى مزيد من التساؤلات، ولا يكتسب العالم المعرفة بمجرد التلقين أو النظر فى الكتب، لكنه يتحصلها نتيجة مجهود فكرى منظم، يتضمن جمع وتنظيم وتصنيف وبرمجة المعلومات والبيانات التى تم اشتقاقها من الظواهر والأشياء المرتبة وغير المرتبة، وهذه المعرفة تجعل العالم قادرًا على الجدل والتفكير المنطقى، بما يسهم فى النمو الحضارى للإنسان والمجتمع.

فكل مَن يردد ما تعلمه دون أن يضيف إليه أو يطوره ما هو إلا وعاء ناقل فقط، ولا تزيد أهميته على أوعية حفظ المعلومات كالكتب والسيديهات، بل إنه يقل كفاءة عن الأوعية المعتادة بسبب ما يعترى الإنسان من نسيان وانحيازات نفسية.

وللحديث بقية.