رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«واحة المسافرين».. تراويح جامع الفتح: تمر هندى وحقائب سفر واختفاء أشهر مائدة رحمن

صلاة التراويح فى
صلاة التراويح فى مسجد الفتح

فى قلب أكثر ميادين القاهرة حركة وحياة، يفتح مسجد الفتح ذراعيه أمام الغرباء القادمين من كل مكان، فهنا يمتزج أهل الوجه البحرى مع أبناء الصعيد، يلتحمون معًا، وحقائبهم تدل على الرحلة الطويلة التى قطعوها أو على وشك البدء فيها.

وتختلف التراويح فى مسجد الفتح عمن سواها، فلا تقام الصلاة فى شهر رمضان المبارك إلا بالتزامن مع افتتاح أكبر وأشهر موائد الرحمن فى القاهرة، ولا يشترط أن يكون مرتادوها من الفقراء والمساكين، وإنما من أدركه أذان المغرب فليدخل دون استئذان.. لكن هذا العام، ونظرًا لظروف انتشار فيروس كورونا، اختفت المائدة الأشهر، لكن روح رمضان لم تغادر المكان هنا.

المصلون من مسافرى محطة مصر وأبناء رمسيس والعاملين بالمنطقة

يعتبر مسجد الفتح قبلة المسافرين فى شهر رمضان المبارك وفى غيره من الأيام الأخرى، فمن أدركته صلاة العشاء بعد خروجه من محطة مصر سيذهب ليصلى التراويح فيه قبل أن يكمل طريقه ويصل إلى وجهته النهائية داخل القاهرة، والآخرون من مغادرى العاصمة إلى مدينة أخرى وينتظرون موعد قيام قطارهم يسمح لهم المسجد بأداء الصلاة قبل بدء رحلتهم إلى أى مكان يقصدون.

والمسجد يستقبل كلًا من الواصلين والمغادرين، يعرفهم عمال المسجد من الحقائب التى يحملونها على ظهورهم، أو يمسكون بها ويفلتونها من أيديهم عند الوصول إلى باب المسجد، استعدادًا للصلاة، وبسبب كثرة عدد الحقائب التى تدخل المسجد، علق العمال لافتات فى كل مكان تفيد بأن المسجد ليس مسئولًا عن هذا الكم من المتعلقات الشخصية، وعلى كل شخص أن يتحمل مسئولية متعلقاته.

فيحمل الشباب حقائبهم ويحرصون على متابعتها أثناء الصلاة فيضعونها أمامهم، فهناك خط من المصلين، وخط من الحقائب المتراصة أمامهم، ويحاول عمال المسجد حماية الحقائب والأمتعة وملاحظة وجود أى حركة غريبة من أى شخص، ويستمرون فى فحص المصلين للتأكد من ارتدائهم الكمامات الواقية أثناء الصلاة، وتنظيم المسافات بين المصلين، وضبط سجادات الصلاة مع العلامات المخصصة لها، حتى تنتهى الصلاة دون أى فرصة للازدحام وانتشار العدوى.

باقى المصلين ينتمون إلى المناطق المحيطة بميدان رمسيس، حيث يحيط به العديد من المتاجر الصغيرة، وشوارع المكتبات بمنطقة الفجالة، وغيرها من المناطق التجارية الكبرى، فضلًا عن سكان المنطقة أنفسهم، الذين يفضلون إقامة صلاة التراويح فى أكبر مسجد بالمنطقة.

وبعد انتهاء صلاة التراويح وغلق الأبواب خلف المصلين وتعقيم المسجد، تبدأ صلاة التراويح بالنسبة لعمال المسجد، فهم ينتظرون حتى يتأكدوا من سير العمل ثم يبدأون صلاة الجماعة الخاصة بهم خلفًا لإمامهم، وحينها يكون عقلهم قد ارتاح من أداء المهمات، ويستعد لرحلة من الصفاء وراحة البال خلال الصلاة.

 

الكمامات مجانًا.. زجاجات المطهرات فى كل مكان.. ومشروبات للغرباء

ينتمى كل مسافر من المصلين إلى محافظة مختلفة، ولهذا يشدد القائمون على إدارة المسجد على ضرورة اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية، من ارتداء الكمامة وتوفيرها مجانًا لمن لا يقدر على دفع ثمنها، وسجاجيد الصلاة المتباعدة، حرصًا منهم على عدم الاختلاط.

وبسبب اختلاط مسافرى المحافظات داخل المسجد وكثافة عدد المصلين فى رمضان هذا العام، يجتهد العمال فى تعقيم وتنظيف المسجد كل فترة قصيرة، لأن فرص انتقال العدوى كبيرة جدًا فى حالات السفر من مكان إلى مكان، فزجاجات المطهرات منتشرة فى كل مكان فى المسجد، وتستخدم المواد المطهرة التى ثبتت فاعليتها ضد فيروس «كورونا المستجد» فى تطهير السجاد وأعمدة المسجد.

وقد اشتاق مسجد الفتح لهذا الزخم بعد إغلاقه العام الماضى بسبب الإجراءات الاحترازية، ولهذا حرص على استقبال المصلين من شتى المدن بطريقة تعبر عن اشتياقه لهم، فعُلقت لافتات كبيرة كتب عليها «عودًا حميدًا» يراها المصلى بعد دخوله إلى المسجد مباشرة.

ولمزيد من مظاهر البهجة والفرحة بعودة عباد الله إلى بيت الله، اختص عامل بتجهيز كمية كبيرة من المشروب الرمضانى «التمر هندى»، ومعه كميات كبيرة من الأكواب البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، وبين صلاة العشاء وصلاة التراويح يذهب المصلون لأخذ استراحة قصيرة مع كوب من التمر هندى البارد.

ويحاول القائمون على إدارة المسجد تعويض المصلين عما اعتادوا عليه من استقبال المسجد لهم فى كل رمضان، حيث كانت تعد مائدة رمضانية كبرى لمدة ثلاثين يومًا تستقبل الصائمين، وتقدم لهم الإفطار والحلوى الرمضانية الشهيرة، والمشروبات الباردة، ولكن هذا العام اختلف الحال كثيرًا.

  

أول رمضان يقتصر على الصلاة فقط

مائدة مسجد الفتح واحدة من أكبر موائد الرحمن فى القاهرة، وهى مائدة تعقد كل عام، تبدأ عملها مع أذان المغرب، ولا تنتهى حتى السحور، فتدعو كل المسافرين والفقراء والمساكين وأبناء السبيل لتناول إفطارهم المجانى، مع أطيب وألذ المأكولات، وهكذا جرت العادة لسنوات عديدة.

ويسجل التاريخ رمضان هذا العام كأول مرة تقام فيها صلاة التراويح دون مائدة الرحمن، فنظرًا للإقبال الشديد عليها لم يكن من الممكن السيطرة، والأعداد الكثيفة التى تتردد عليها كل يوم، ولهذا أطفأت المائدة أنوارها للعام الثانى على التوالى، وأعلنت أنها لن تعود قريبًا، أو حتى إشعار آخر.

لا تقدم مائدة مسجد الفتح الإفطار والسحور فقط، وإنما تعمل طوال العام، فهى ملاذ الفقراء كل يوم، حيث يوزع القائمون على المائدة وجبات الإفطار والغداء والعشاء كل يوم بطريقة دورية، ولا يردون سائلًا أبدًا، مهما كانت حالته، أو مهما عاد كل يوم يطلب الطعام.

واعتادت المائدة أن تكون عامرة بالطعام، ولكنها توقفت لأول مرة فى رمضان من العام الماضى بعد انتشار فيروس «كورونا المستجد»، وفرض الإجراءات الاحترازية لمواجهته، وكان ذلك بالتزامن مع إغلاق كل المساجد والموائد.

 

نشاط تجارى يخدم «ضيوف بيت الله»

تحيط الأنشطة التجارية بمسجد الفتح من كل مكان، وأغلبها أنشطة تجارية تخدم المسافرين، فبعد الصلاة يتجه المسافرون إلى الأكشاك المحيطة بالمسجد التى توفر لهم زاد الطريق من الماء وبعض الخبز، والمعلبات البسيطة.

وقد يريد المسافر الحصول على هدية لأهله فأفضل ما يمكن تقديمه هو الحلويات التى يشتهر بها ميدان رمسيس، وتماشيًا مع الظروف الخاصة بانتشار فيروس كورونا تنتشر سيارات القوات المسلحة التى تبيع المطهرات والأقنعة الواقية بالجملة وبأسعار مخفضة، تتناسب مع ميزانيات الجميع.

وهناك المطاعم التى تقدم الوجبات السريعة، سواءً لهؤلاء الذين فاتهم الإفطار فى رحلة القطار، أو الذين يستعدون للسفر بتناول سحور يكفيهم أثناء السفر الطويل، ويعينهم على صيام اليوم التالى، خاصة أهل الصعيد والمحافظات النائية.