رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شهر البركة.. قصة تطور موائد الرحمن في رمضان عبر العصور

صوره عن الاحتفال
صوره عن الاحتفال بشهر رمضان

تعتبر موائد الرحمن من أهم المظاهر التي يرتبط بها المصريين في شهر رمضان لدلاتها الواضحة علي كرم أصحابها وتقربهم إلى الله عز وجل بالإضافة إلى التقارب الاجتماعي بين فئات الشعب المختلفة والذي يجمعهم طعام واحد معد بطريقه سليمه شكلاً ومذاقاً.

 يظن البعض أن موائد الرحمن ما هي إلا تطور "للتكية" والتي تعني باللغة التركية "وتأ" و"اتكأ" بمعنى استند أو اعتمد إلى شيئا للراحة والاسترخاء، ونجد ارتباط اسم التكيه بالمثل الشعبي السلبي "ماهي مش تكية السيد الوالد" وتدل على المال السايب والتنبلة، إلا أن المعني الحقيقي "للتكية" هو العمل الخيري والأهلي والتكيه هي مكان استعمله المولويون كملجأ للدراويش أي المريدين المولويين. 

تم أُنشاء التكيه" من قبل العثمانيين لرعاية من لا عائل لهم والذين لا يقدرون على كسب رزقهم وكبار السن العاجزين والأرامل من النساء اللائي لا يستطعن ضرباً في الأرض إلى جانب الفقراء والغرباء وعابري السبيل الذين لا يجدون لهم مأوى في البلاد التي يمرون بها، ومن ميزات التكايا المولوية أنها كانت مركزا لتطوير الفكر والموسيقى والشعر بالإضافة للترقي الروحي والعبادة، وانتهت بعد الحرب العالمية الأولى عندما حظر أتاتورك الديانات ومنه المولوية فهدم الكثير من "التكايا" وحول بعضها إلى متاحف وأغلق الباقي.

 لم تكن التكيه في زمنها وهو "العهد العثماني" هي موائد الرحمن الآن حيث إن التاريخ يظهر لنا فضل "الإمام ليث بن سعد" والذي كان يتميز بالثراء الواضح والذي يرجع الي الأراضي الكثيرة التي كان يمتلكها، وكان أصحابه والمقربون منه يقولون عنه انه رغم ذلك كان زاهدًا فكان يعد مآدبه طعام للنَّاس طوال أيام السنة أما هو فكان يأكل الخبز والزيت. 

أما عن "الأمير أحمد بن طولون" و هو مؤسس الدولة الطولونية، كما أنه أول من أعد مائدة للإفطار في السنة الرابعة من ولايته وكان الحكام وكبار رجال الدولة والتجار والأعيان في عهد الفاطميين يطلقون على مائدة الرحمن "سماط الخليفة" وكانت تعد في أول يوم من أيام شهر رمضان، و كان يجمع على مائدة حافلة بصنوف الطعام القادة والتجار والأعيان وكان يخطب في فيهم ويقول: "إنني لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلا لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم في حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب، ولكنني وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم في رمضان، ولذلك فإنني آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير المحروم".

وكذلك الخليفة "المعز لدين الله الفاطمي" وهو أول الخلفاء في الدولة الفاطمية بمصر، كان هو أول من أقام مائدة في شهر رمضان لكي يفطر عليها أهل جامع عمرو بن العاص، وكان يقوم بإعداد موائد ضخمة فكان يخرج من قصره 1100 قدر أي (صحن أو طبق) بها جميع ألوان الطعام لكي توزع على الفقراء والمساكين والصائمين، ويشير البعض أن المعز لدين الله الفاطمي هو أول من وضع تقليد للمآدب الخيرية التي تستهدف الفقراء والمساكين وأبناء السبيل.

كما أوضح الحاج سيد نصار لـ"الدستور" وهو أحد أبناء السيدة زينب وأحد أصحاب "شركه نصار خيمة" وهي شركة عائلية، وقال: "نعتبر الجيل الرابع حيث تأسست الشركة منذ عام 1883 من قبل الحاج سعيد علي منصور وتخصصت في صناعة المنسوجات والكراسي والطاولات ومن أبرز الاحتفالات التي قمنا بها "حفل زفاف الملك فاروق" و"مراسم تدشين السد العالي".

أصبحت موائد الرحمن في عصرنا الحديث غير مقصورة على رجال الدولة وإنما يقدمها الجميع وحتى أهالي الحي الواحد في محاولة للشعور بدفء وروحانيات الشهر الفضيل وهذا ما افعله بمشاركه عائلتي نعد مائدة رحمان تستوعب 300 صائم والتي تبدأ أول أو ثاني شهر رمضان وتستمر قبل العيد بيومين تحتوي على جميع العناصر الغذائية "لحوم وخضروات وسلطات ومخللات والفاكهة بالإضافة إلى الحلويات الشرقية" حتى يشعر الصائم بالرضا، في أوقات كثيرة يساهم البعض بالمال في مائدة الرحمن وأسعد بهم جميعا فنحن نجتمع على فعل الخير، أما عن عملي الخاص نقوم بإعداد موائد الرحمن للراغبين ويقتصر العمل على الفراشة والكراسي والطاولات فقط ولا نتقاضى أجرها ونعتبرها ضمن زكاه رمضان، نحترم قرار منع موائد الرحمن هذا العام بسبب جائحة "كرونا" و نتمنى انقضاء هذه الفترة علي خير حتي نعود لما كنا عليه.