رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقه بنى إسرائيل (4).. القيامة والخلود .. ما شكل "الآخرة" فى اليهودية؟

اليهودية
اليهودية

ما الذي سيحدث عندما نموت؟ إذا كنت تريد أن تعرف وفقا للعقيدة اليهوية فلن تجد إجابة واضحة، "الآخرة" شديدة الغموض عند اليهود؛ خلود الروح، والعالم الذي سيأتي، وقيامة الأموات كلها أمور تظهر في التقاليد اليهودية، لكن ماهية تلك الأشياء بالضبط وكيفية ارتباطها ببعضها البعض كان دائمًا غامضًا في فقه بني إسرائيل.

الآخرة في الكتاب المقدس

نادراً ما تتم مناقشته "الآخرة" في الحياة اليهودية، سواء كان ذلك بين الإصلاحيين، المحافظين، أو الأرثوذكس اليهود، ولكن في الوقت نفسه حافظت اليهودية على الإيمان بالحياة الأخرى، لكن الأشكال التي اتخذها هذا الاعتقاد، والطرق التي تم بها التعبير عنه تباينت كثيرا،  واختلفت من فترة إلى أخرى.

حتى اليوم العديد من المفاهيم المتميزة حول مصير الإنسان بعد الموت، وطبيعة العالم الذي سيأتي بعد العصر المسيحاني، تظهر داخل اليهودية دون وضوح، على الرغم من أن هذه المفاهيم متشابكة، إلا أنه لا يوجد نظام لاهوتي مقبول بشكل عام يتعلق بعلاقاتها المتبادلة أو يفسرها ويشرح طريقة تداخلها أو تسلسلها بشكل واضح.

يحتوي الكتاب المقدس على إشارات قليلة جدًا إلى الحياة بعد الموت، ويظهر مفهوم القيامة في مصدرين كتابيين آخرين هما دانيال وإشعياء.

سفر دانيال 12:2يقول:" كثير من الذين ينامون في تراب الأرض سيستيقظون، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ البعض على الحياة الأبدية"، وهو ما يعني ضمنا أن القيامة سيتبعها يوم حساب، وأولئك الذين حُكم عليهم بشكل إيجابي سيعيشون إلى الأبد، وأولئك الذين يحكم عليهم بأنهم أشرار سيعاقبون".

وفقًا لبعض المعتقدات الدينية عند بني إسرائيل فإن القيامة ستكون للأبرار فقط، بينما رأت مصادر أخرى أن الجميع سيقوم، أبرارا وأشرارا، وسيأتي يوم الدينونة - كما هو مذكور في سفر دانيال.

يعود نص دانيال إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وفي مرحلة ما خلال القرنين التاليين، دخلت فكرة أخرى عن الحياة الآخرة إلى اليهودية، وهي خلود الروح، والتي تعني أن الروح البشرية تعيش حتى بعد موت الجسد. في العصور الوسطى، اهتم المتصوفون اليهود بهذه الفكرة، وطوروا نظريات حول تناسخ الروح.

لماذا لا تتطرق اليهودية إلى "العالم الآخر"؟

لماذا لا تتطرق التوراة إلى هذه القضية مع العلم أن اليهودية تؤمن بـ "العالم الآخر"؟ يشرح الحاخام "جوزيف تيلوشكين "أظن أن هناك علاقة بين عدم مناقشة اليهودية للحياة الآخرة، وحقيقة أن التوراة نزلت بعد الإقامة اليهودية الطويلة في مصر، فقد كان المجتمع المصري الذي نشأ منه العبيد العبريون مهووسًا بالموت والحياة الآخرة، كان أقدس عمل أدبي مصري يسمى كتاب الموتى، بينما كان الإنجاز الرئيسي للعديد من الفراعنة هو إقامة مقابر وهي الأهرامات، في المقابل، فإن التوراة مهووسة بهذا العالم أيضا لدرجة أنها تمنع كهنتها من ملامسة الجثث (لاويين 21: 2).

وبالتالي، يفترض جوزيف أن المقصود من اليهودية أن تختلف عن الديانات الأخرى جزئيًا بسبب الطريقة التي يمكن بها استخدام فكرة الحياة الآخرة، ولهذا تتجنب الحديث عنها.

الآخرة اليهودية: العالم الذي سيأتي

تشير بعض المصادر اليهودية إلى أن قيامة الأموات ستحدث خلال العصر المسيحاني، وهو عصر مجيء المسيح المُخلص، بينما  يشير آخرون إلى أن القيامة ستتبع العصر المسيحاني.

أما الآخرة، فهو يعرف في اليهودية باسم "العالم الذي سيأتي" وبالعبرية " عولام هبأه"، وهي الفكرة اليهودية الأكثر انتشارًا والمتعلقة بنهاية الزمان؛ حيث يظهر في المصادر الحاخامية المبكرة على أن ستمنح المكافأة النهائية للفرد اليهودي (وربما العشائر الصالحة) ستكون في العالم الذي سيأتي.

ومع ذلك، ليس من الواضح بالضبط ما هو شكل "العالم الذي سيأتي"؟، ومتى سيكون موجودًا؟، وهناك تفسيرات من مراجع يهودية تشير إلى أن "العالم الذي سيأتي" هو العصر الذي ستبدأ فيه قيامة الأموات، وربما هو العالم الذي سيتمتع به الصالحون الذين يستحقون حياة إضافية.

ووفقًا لما ذكره موسى بن ميمون ، فإن "العالم الذي سيأتي" يشير إلى وقت يتجاوز عالم القيامة، وعند هذه النقطة ستتمتع أرواح الصالحين بوجود روحي بلا أجساد في حضور الله.

ومع ذلك، في مصادر أخرى، يشير "العالم الذي سيأتي" إلى العالم الذي يسكنه الأبرار بعد الموت مباشرة – وهناك من يرى أن العالم الذي سيأتي موجود الآن، في عالم موازٍ ما.

حتى وإن اختلفت المصادر اليهودية في شكل الآخرة، لكنها تتفق في أن النفس الفردية المسجونة في الجسد هنا على الأرض، ستقوم، وإذا كانت روح الإنسان الصالح، فستدخل الجنة، بينما يعاني الأشرار من الموت الأبدي.

الموت في اليهودية

الموت في اليهودية يحيطه الغموض أيضا وتختلف حوله الرؤى أيضا، فبحسب التقليد اليهودي فعندما يموت الإنسان، تترك روحه جسده، لكنها تحتفظ بعلاقة مؤقتة معه خلال الأشهر الـ 12 الأولى، تظل تأتي وتذهب حتى يتحلل الجسد، وخلال هذا العام ستكون فترة تطهير النفس، وبعد ذلك يذهب الصالحون إلى الجنة ، "جان عدن" ، والأشرار إلى الجحيم، "جيهينوم".

الحالة الفعلية للروح بعد الموت غير واضحة، ولكن تشير بعض الأوصاف إلى أنها ستكون هادئة، وأن أرواح الصالحين ستكون "مخبأة تحت عرش المجد"، بينما تتحدث بعض المراجع اليهودية إلى الوعي الكامل الميت، فكتاب المدراش يقول: "الفرق الوحيد بين الأحياء والأموات هو القدرة على الكلام"، كما أن هناك أيضًا سلسلة كاملة من الخلافات حول مدى معرفة الموتى بالعالم الذي تركوه وراءهم.

وعلى الرغم من كل الاختلافات والغموض السابق ذكرهم، فإن في اليهودية الإيمان بالحياة الآخرى ليس فكرة أو معتقدا وحسب،  بقدر ما هو ثمرة منطقية لمعتقدات يهودية أخرى. 

إذا كان المرء يؤمن بإله لديه قدرة كاملة وعادل، فلا يمكن أن يعتقد أن هذا العالم، الذي ينتصر فيه الشر في كثير من الأحيان، هو الحلبة الوحيدة التي توجد فيها الحياة البشرية، لأنه إذا كان هذا الوجود هو الكلمة الأخيرة، ويسمح الله للشر بالفوز، فهذا ضد العدالة الإلهية وهذا ضد العقيدة اليهودية التي تؤمن بأن الله عادل وسيكافئ الصالحين في نهاية الزمان.