رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود خليل يكتب.. جدّى أكلته المرأة

يشعر «آدم الحفيد» بأن دائرة ترتسم حوله.. وصوت يطلب منه ألا يفر خارجها.. تذكره بلعبة الدائرة التى قرأ عنها على فيسبوك.. يظل الشخص يلف ويلف داخل دائرة لا يعرف أولها ولا يعرف آخرها.. فقط يلف.. يقول له جده: كل نفس ولها دائرتها ولا يملك صاحبها إلا أن يلف ويدور فيها.. وأخطر اللحظات لحظة الخروج.

جدى «الترجمان» ظل يلف داخل دائرة نفسه.. لم يكن يستطيع أن يغادرها.. رفع عرضحال إلى الوالى محمد على يشرح فيه ما حدث من فريق «تعداد النفوس» فى شارع النحاسين.. وحقق الوالى فى الأمر وحكم بالجلد على البصاصين وشيخ الحارة والكاتب المسئول عن تزوير التعداد، وعنّف المدير التركى سليمان باشا أشد التعنيف لكنه لم يوقفه عن العمل.

غضبت زوجة الترجمان عندما حكى لها ما حدث وأنبته قائلة:

- الزوجة: مالك أنت والبصاصين ومشايخ الحارات.. هل تظن نفسك الوحيد الذى يملك لسانًا يرطن أو ذاكرة تحفظ الحساب؟

- الترجمان: هل تتوقعين منى أن أصمت وأنا أرى مال الوالى يسرق؟

- الزوجة: الوالى يسرق الناس.. والبصاص وشيخ الحارة والكاتب يسرقون مثله.. إنهم يأخذون الفتات مقابل تلال الأموال التى يجمعها الوالى.

- الترجمان: الوالى يحفر الترع.. ويختط الشوارع.. ويزرع.. ويبنى مصانع بهذا المال.

- الزوجة: إنه يفعل ذلك من أجل نفسه وليس للناس.

- الترجمان: وهل سيأخذ الترع والزرع والمصانع والطرق معه عندما يقف أمام الحسيب؟.. المهم أريد أن أحدثك فى موضوع آخر.

- الزوجة «بضجر»: خيرًا!

- الترجمان: جاءنى اليوم عزالدين الألفى المملوك الذى نصحنى بالعمل كترجمان بالقلعة.

- الزوجة: رجل أصيل.. ماذا يريد؟

- الترجمان: طلب منّى أن أتكلم له مع أحد رجال البلاط حتى يُصدر الوالى فرمانًا بمنحه عدة أرادب من القمح يتاجر فيها على أن يدفع ثمنها بالأجل.

- الزوجة: وماذا فى ذلك؟

- الترجمان: لا شىء.. الوالى يفعل ذلك.. لكننى أخشى ألا يُسدد كما يفعل بعض التجار.

- الزوجة: لا حول الله.. هل هذا جزاء معروفه معك؟.. لقد قلت بعظمة لسانك إن الوالى يفعل ذلك مع غيره.. تريد أن تمنع الخير عنه.. تريد أن تكون «مناعًا للخير»؟

يصمت آدم الجد.. ثم يقول: «رحمك الله يا جدى.. أكلته المرأة».. فيرد عليه الحفيد ضاحكًا: أكلته وهضمته وأخرجته.. لم يكن «الترجمان» يعلم أن المملوك الماكر يراقبه منذ فترة ويرتب للأمر.. وحتى الأزمة التى أثارها الترجمان فى النحاسين وعرض الحال الذى قدمه للوالى كان على علم بهما.. فقد كان صديقًا لأحد البصاصين الذين نالهم الوالى بالعقاب.

استجاب «الترجمان» لزوجته، وتوسط لعزالدين الألفى ونال مطلوبه وأكثر.. وكانت زوجته تتابع معه أخبار المملوك وتتوقع أن ينفح زوجها مبلغًا معتبرًا من المال جزاء معروفه. وبعد أن طال انتظارها للعطية حدثت «الترجمان» يومًا قائلة:

-الزوجة: لا بد أن تطلب حقك من المملوك.. أنت سبب الخير الذى يجرى بين يديه الآن.

- الترجمان: أى حق لى؟.. هل آخذ مقابل المعروف.

- الزوجة: يا رجل اتق الله.. «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».. صدق الله العظيم.

- الترجمان: صدق الله العظيم.. وكذبت.. اصمتى يا امرأة واتق الله.

- الزوجة «ساخرة»: ليس لديك ما ترد به.. قم واستعد لنخرج.

-الترجمان: إلى أين؟

- الزوجة «ضاحكة»: أريد أن أرى الطفل الذى وُلد بوجه فيل.

- الترجمان «باستغراب»: طفل بوجه فيل؟!

- الزوجة «تواصل الضحك»: قضت أشهر الوحم فى الفُرجة على الفيل فى «بركة الفيل» فولدت طفلًا بوجه فيل.. قم قم.

يضحك «آدم الصغير» ضحكة مخلوطة بالسعال.. ويتخيل صورة الطفل الذى أتى الحياة بوجه فيل أو رأس حمار.. وكيف وضعها على صفحته على الفيس.. وتعليقات أصدقائه الكوميدية عليها.. ثم يقول لجده:

- الشاب: عالم دماغها ضايعة.

- الشيخ: الناس يا ولدى ترى الواقع بخيالها.. «فخيل إليه من سحرهم أنها تسعى».. يكفى أن توحى إليهم بأمر غير موجود ليزعم لك كل منهم أنه رآه رأى العين.. الناس ترى ما تحب أن تراه.

- الشاب: يا جدى.. أكيد هذا الطفل «متركب» مثل الصور التى نركبها على السوشيال ميديا.

يصمت الجد قليلًا ثم يقول: كل عصر وله خيالاته.. والويل للإنسان من الواقع.