رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلوى بكر: الإسلام ليس مجرد سبحة وذقن وجلابية.. وصلب الدين فى كلمتين «الدين المعاملة»

سلوى بكر
سلوى بكر

تجربة فريدة ورحلة طويلة خاضتها الروائية سلوى بكر فى عالم الإبداع.. ربما يتمثل أبرز نجاحاتها فى صناعة الخصوصية والفرادة لإنتاجها الأدبى، الذى لا يعكس إلا صوتها وحياتها الإنسانية ونضالها الوطنى وخبراتها المعرفية الهائلة، التى اكتسبتها على مدار سنوات من الوجود والعمل فى الحقل الثقافى، وهى النقطة الجوهرية التى تحقق لأى كاتب ميزة البقاء.

ولأنها شخصية دقيقة على المستويين العملى والإنسانى، تضع سلوى بكر تصورات خاصة لكل شىء فى الحياة، فالإبداع الأدبى بالنسبة لها شىء غامض وغريب لا يحضر بطقوس معينة أو فى أجواء خاصة، والدين بالنسبة لها هو ارتباط وثيق بين عمل القلب وعمل الجوارح، فالعبادات، من وجهة نظرها، ليس لها معنى دون أن يكون الشعور والوجدان متصلين بالخالق ومستشعرين وجوده. كل هذه التصورات وغيرها، تحدثت عنها سلوى بكر باستفاضة، فى حوارها مع «الدستور»، الذى كشفت خلاله أيضًا عن تصورها وتقييمها لشكل أو مستقبل الثقافة فى مصر، ورؤيتها للمنطلقات التى يجب أن يستند إليها المسئولون لإحداث تغيير جوهرى فى بنية الثقافة.

■ الله فى حياة سلوى بكر.. كيف هو شكل العلاقة؟

- أولًا: نحن بحاجة إلى وضع خطوط حمراء لجميع البشر، ومن خلال هذه الخطوط نقول للعامة إن العلاقة بين العبد وربه حالة خاصة جدًا، فإذا كنا نبحث تجديد الخطاب الدينى فلا بد من التركيز على تلك النقطة.

ثانيًا: خلال السنوات الماضية فى مصر أصبحت هناك حالة من الاستعراض الدينى، أفرزت نوعًا من التعالى رأيناه فى طريقة تعامل التيارات الإسلامية عندما صعدت للسلطة مع أغلبية الشعب المصرى.

نحن مطالبون بتبنى الشكل الغربى الذى يفصل تمامًا العلاقة بين الدين والحياة، فالتدين الظاهرى الذى نعيش فيه منذ فترة بعيدة كان أحد الأسباب التى أفرزت التطرف، لذلك ركزت على أن تكون العلاقة بينى وبين الله قائمة على المعاملة وليست العبادة، باعتبارها هى الجوهر.

■ هل هناك انفصام بين المعاملة والعبادة؟

- بالطبع، من الوارد أن تجد من يمارس جميع العبادات، لكن أفعاله مخالفة تمامًا لأعماله، وهناك فئة أخرى تروج لنفسها بأنها تقيم الصلوات، وتؤدى الزكاة، وتفعل الخيرات، لكنها فى الحقيقة لا تقوم بهذا ولا ذاك ولا تلك.

رأيى أن مفاتيح الحكم على أى شخصية لا بد أن تكون من خلال أعمالها وأفعالها، فذلك هو جوهر الدين الذى يخاطب الضمير الإنسانى.

وأستشهد على كلامى هذا بظاهرة يشتكى منها الجميع، ذلك الموظف الذى يترك أشغاله معطلًا مصالح العباد، والسبب الذى يتحجج به انشغاله بالصلاة، وهناك كذلك تلال من السلبيات يتم ارتكابها باسم الدين، رغم أنه برىء منها.

لذلك دائمًا ما أستغل المناسبات الدينية مثل شهر رمضان فى التأكيد والتركيز على ضرورة الترويج لجوهر الدين وصحيحه.

■ نحن الآن فى ذروة المواسم الدينية، حيث شهر رمضان المعظم.. ما المطلوب للترويج قولًا وعملًا لجوهر الدين؟

- صلب الإسلام وحقيقته يتمثلان فى كلمتين «الدين المعاملة»، الإسلام ليس مجرد سبحة وحجاب وذقن وجلابية، لكن حتى يصل هذا المفهوم إلى الناس مجددًا بعدما اختفى من حياتهم لا بد أن تتبنى وسائل الإعلام، وفى القلب منها الصحافة، الترويج لهذا المصطلح.

ما المانع مثلًا أن تكون هناك صفحة ثابتة داخل كل جريدة يكون عنوانها «الدين المعاملة»، هدفها دفع الناس إلى ما هو أحسن وأفضل.

■ ما أبرز طقوسك فى شهر الصيام؟

- بالنسبة لى شهر رمضان يشبه كل شهور السنة، وممارستى شعائر الدين طيلة العام المفترض أنها لا تختلف فى شهر عن الآخر، تلك هى رؤيتى للدين.

لكن فى شهر رمضان، الجديد يتمثل فى الفلسفة والحكمة الخاصة بالصيام، وهى العطاء، المفترض أن شعور الجوع والعطش يولد الرغبة نحو منح الفقراء والإغداق عليهم، وما عدا ذلك فأنا لا أنشغل بأى بهرجة أو زينة.

أما عن طقوس الكتابة، فالإبداع ليس مرتبطًا بتوقيت ولا زمان، إنما هو عملية معقدة وغامضة تحدث فى أى وقت، لكننى عادة ما أستغل أيام الشهر الكريم فى القراءة، باعتبارى أجلس فى المنزل لفترة أطول. 

■ تحدثت عن اختلال مفهوم الدين لدى المصريين خلال السنوات الأخيرة.. برأيك هل أصبحت الهوية المصرية غير قادرة على الدفاع والحفاظ على نفسها؟

- الهوية المصرية خلال السنوات الماضية تعرضت لهجمات شرسة لا أدرى من يقف وراءها، رغم أننا أقدم شعوب الأرض، والطبيعى أن نُصدر هويتنا لجميع البلدان، لكن الذى يحدث هو العكس تمامًا.

الهوية منقسمة إلى عاملين، عامل ممتد وآخر متغير، الطبيعى أن يمتص الثابت الجزء المتغير ثم يعيد طرحه بصورة عصرية، لكن هذا للأسف لا يتحقق.

واعتقادى أن الحفاظ على الهوية يبدأ من الأشخاص ذواتهم، فرغم أننى سافرت شرقًا وغربًا لكن حافظت على مصريتى تمامًا، فى حين تشد انتباهى ظاهرة تتمثل فى مذيعات التليفزيون، فنحن كمصريين نشتهر بالبشرة ذات اللون القمحى المشابهة لطمى النيل، لكنهن جميعًا فجأة أصبحن من ذوات البشرة البيضاء والشعر الأصفر، فى انقلاب يحدث على هويتنا الأم. 

■ على ذكر أسفارك المتعددة.. أى البلاد التى زرتها هى الأقرب إلى قلبك؟

- أعتقد أن الفترة التى قضيتها فى بيروت كانت هى الأكثر زخمًا، حيث منحتنى أكثر مما سلبت منى، أتاحت لى الظروف اللقاء والالتقاء مع مجموعات مختلفة ومتنوعة من الشباب العربى من جميع البلدان، وأتاح لى ذلك الاستماع إلى أحلامهم وآمالهم وآلامهم، وهو ما أفادنى بصورة كبيرة عندما بدأت فى كتابة الرواية.

إضافة لذلك، ذاكرتى تعتز بالمدة التى قضيتها فى قبرص، حيث عشت مع زوجى هناك بعضًا من أهنأ أيام حياتى، كما أننى لا أنسى رحلتى إلى دولة ألمانيا لتكريمى ونيل جائزة دويتشة فيله عن قصصى القصيرة. 

■ بمناسبة الجوائز.. هل يوجد نوع من الخصام بينكما مؤخرًا؟

- موضوع الجوائز لم يشغل أى حيز من تفكيرى خلال أى مرحلة من المراحل، والجوائز التى حصدتها لم أتقدم إليها، بل تكفل بعض الأساتذة والزملاء بتقديم أعمالى إليها، وبالطبع هم مشكورون فيما فعلوا لثقتهم فى أدبى وقلمى، فالجوائز مهما كانت ليست دليلًا على جودة الأعمال وعظمتها.

■ إذا كانت الجوائز ليست دليلًا على جودة الأعمال.. ما معيار الحكم عليها إذن؟ 

- تقييم الأعمال يكون من خلال الصدى ورد الفعل الذى يتلقاه الكاتب من القارئ، تلك أكبر جائزة يحصدها ويحصل عليها المؤلف.. أنا من المؤمنين بالمقولة التى تقول: «إن الكتاب الجيد هو العمل الذى حين تقرأه تصبح على نحو مغاير لما كنت عليه قبل قراءته».

فى كل الأحوال وغالب الأحيان يجب أن يكون هناك نوع من الجدوى الثقافية فيما نكتبه ونقدمه للقارئ، وإلا تصبح أعمالنا مجرد ديكور على جدار يُسر الناظرين، لكنه لا يمنحهم أى منفعة.

■ كيف ترين حال ومستقبل الثقافة فى مصر؟

- الثقافة المصرية حاليًا تزخر بالعديد من الكتاب والكاتبات القادرين على إحداث طفرة حقيقية على الصعيد الأدبى، لكن دائمًا ما أقول إن التغيير الثقافى الحقيقى يبدأ من على أرفف المكتبات الموجودة بالأقاليم.

نحن بحاجة إلى صياغة خطاب ثقافى يدعم مصر المستقبل، الهدف منه أن تكون الثقافة فى خدمة الإنسان وليس تحت أمر السياحة، والمهم أن يكون المسئولون مثقفين وليس مجموعة من الموظفين.

■ إذا ختمنا الحوار بمحور مختلف.. هل كتابات سلوى بكر موجهة للمرأة فقط؟

- أولًا: عندما أكتب لا أُشغل بمن أخاطب، دائمًا ما أضع فى ذهنى أننى أتحدث مع قارئ مجهول، والحقيقة الوحيدة التى أحرص عليها فى كتاباتى هى أن تصل رسالتى للجميع وتحقق غايتها ومرادها. 

ثانيًا: الكاتب يجب أن يكتب للجميع وعن الجميع، وليس هناك قانون يقول إن صاحب أى قلم عليه أن يكتب هذا ولا يحق له أن يكتب ذاك، لكن من الطبيعى فى مجتمعنا أن ينحاز قلمى كثيرًا للمرأة، خاصة أنها ما زالت تعانى وتجاهد فى سبيل الحصول على حقها.

■ لكن الجميع يشهد أن المرأة المصرية نالت حقوقها المفقودة خلال الفترات الماضية.. ما ردك؟

- آثم من ينكر عدم وجود طفرة حقيقية فى المكتسبات التى نالتها المرأة خلال الفترات الماضية، لكن حتى تدوم تلك المكاسب لا بد أن يكون هناك تفعيل لفكرة المواطنة، وسن القوانين التى تنصف المرأة وتحميها من التحرش الجسدى واللفظى وأيضًا المعنوى ما يعوقها عن الوصول لمناصب تستحقها.

بجانب ذلك الإعلام والصحافة والسينما مطالبة بالتركيز على طرح قضايا المرأة، بمنظور يرفع من قيمتها ويعلى قدرها داخل المجتمع.

■ هناك من يختزل قضايا المرأة فى موضوع الحجاب.. هل يستحق الموضوع كل هذه الضجة المثارة حوله؟

- همومنا وأحلامنا أكبر من الاستغراق فى الجدل حول قطعة قماش، فالحجاب عادة وليس عبادة، ولا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد، هو مجرد ظاهرة اجتماعية، وأعتقد أن معظم المحجبات فى مصر يبحثن عن سلامتهن الذاتية داخل مجتمع لا يرحم.

وحتى وقت قريب لم يكن الحجاب قد انتشر بالصورة التى هو عليها الآن، ففى جيلى لم يعرف طريقه إلى رءوسنا، وبنات مشايخ الأزهر لم يكن محجبات، لكننا حين تخلينا عن هويتنا المصرية الأصيلة أصبحنا أسرى لقضايا فرعية مثل هذا الموضوع.