رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سكينة فؤاد: عرفت الله من الصيادين فى بورسعيد.. ووجدته إلى جوارى فى كل المحن

الكاتبة الصحفية والأديبة
الكاتبة الصحفية والأديبة سكينة فؤاد

الكاتبة الصحفية والأديبة سكينة فؤاد من القلائل اللاتى عاصرن شلالًا من الأحداث المهمة فى عمر الوطن، فهى سيدة عاشت أجواء الحرب، واستأنست بالحب، سواء فى الحياة أو عندما عملت بالأدب وامتهنت الصحافة. 

ورغم امتلاء سيرتها بالحكايات والذكريات، اختارت «الدستور» لكى تغزل من مصنع حكاياتها حديثًا مختلفًا معها، حيث الحوار الذى يجمع بين لقاءى الدنيا والدين، فالله فى حياة صاحبة «بنات زينب» يبقى دائمًا الفصل الأهم فى رحلتها.. إذن ماذا قالت مؤلفة «ليلة القبض على فاطمة»؟.. لنقرأ معًا.

 

■ لنبدأ الحديث بسؤال عن الله فى حياة الكاتبة سكينة فؤاد.. متى كان اللقاء الأول؟

- اللقاء الأول كان مبكرًا جدًا، حيث نشأت فى مدينة معالمها تقودك إلى معرفة الله، بورسعيد، حيث الطبيعة الخلابة، البحر، الفضاء والأفق اللامحدود، لكن تبقى جملة «الرزق على الله» التى ينطقها الصيادون وتحكم حياتهم هى من قادتنى إلى دنيا الله، فأنا أعتبر نفسى نشأت داخل كتاب إلهى مفتوح.

■ وما أبرز سطور وآيات هذا الكتاب الإلهى المفتوح والمنهج الذى تسير عليه حياتك؟

- أبرز السطور كان رفض التعصب ونبذ التطرف، فالله كان حاضرًا داخل كل البيوت من خلال طقوس الحياة، حيث المصداقية، والاحترام، وتقدير الكبير، والأمانة، وكل هذه القيم زُرعت بداخلى بصورة تلقائية من خلال المعاملات المتبادلة مع البشر.

ولهذا أعتبر نفسى محظوظة بالانتماء إلى جيل كان يتمتع ويتحلى بجميع الصفات الحميدة، فنحن أبناء مرحلة من تاريخ مصر أهم ما يميزها الوسطية، فما بيننا وبين الله كان هو كل شىء، ولذلك جربنا الإيمان المعتدل، وأنا مررت فى طفولتى بظروف قهرية، ولولا وجود قوة إلهية تشد أزرى فى وقتها ما كنت تجاوزتها.

■ وهل تلك القوة الإلهية كانت مجرد نفحة عابرة حدثت دون أن تتكرر أم أنها ظلت رفيقة لكِ طيلة حياتك؟

- خطواتى دائمًا ما تتم تحت عناية السماء، لكن النفحة الكبرى التى ما كنت أريد أن أقُولها، لولا أن السؤال يقودنى إليها، هى أننى رأيت الله فى رؤيا عندما كانت الأيام تعصف بى، حيث شاهدت السماء مضيئة وخُيل إلىّ أن هناك من يربت على كتفى وكأنه نور إلهى.

وحين استيقظت من منامى وجدت كل الأشياء قد استوت وذهب الألم، حيث نمت خائفة وامتلأت بالرعب، فصحوت وأنا أشعر بكل الأمان التام الموجود على الأرض، فوضعى تبدل تمامًا من حال إلى حال آخر.

■ هل سبق لكِ زيارة بيت الله الحرام سواء لأداء فريضة الحج أو العمرة؟

- من حُسن حظى أن هدانى الله ورزقنى أداء أكثر من حج وعمرة، وأنا أؤمن بأن كل إنسان يستطيع أن يمارس تلك الشعائر العظيمة من خلال العمل الصالح والاجتهاد والإخلاص فى العمل، فهذا الدين فى تيسيراته يوازن بين رغبات القادر وأمنيات غير المقتدر.

وأعترف بأننى فى البداية قبل زيارة الكعبة كنت ألوم على من يؤدى الفريضة ويكررها، وكنت أنتقد من يفعل ذلك باعتبار أن مرة واحدة تكفى وفق الأمر الإلهى، لكن بعد العودة من البقعة الطاهرة وجدت نفسى أكثر شوقًا لتكرار التجربة، وهو ما دفعنى لكتابة مقال فى جريدة الأهرام بعنوان «عطش على عطش».

لكنى مع كل هذا أستدرك بقولى إنه طبقًا لظروف الأمة لا بد من الموازنة بين الاحتياجات والشعائر، فبطون الفقراء والمشردين والمساكين أولى بالكثير من هذه الأموال.

■ ما طقوسك الاجتماعية والإبداعية خلال شهر رمضان؟

- فى رمضان لدى فرحتان، الأولى منهما ما يتميز به الشهر الكريم من دفء وونس، وتقارب وصلة أرحام، بجانب الزيارات التى منها نستعيد ذكريات الأيام الماضية وحكايات الطفولة التى لا تُفارق العقل.

أما الفرحة الثانية، فمع كل النفحات والعطايا وما أُنعم به على الصائم من ثواب وأجر، فأنا أعتبر رمضان محطة نفسية وهبة ربانية، يستقر فيها الإنسان مؤقتًا لتغيير إيقاع حياته النمطى المُمل طيلة الشهور الماضية، فمثلًا الشعور بالجوع يجدد فى النفس البشرية فضيلة العطاء والمنح.

وأخيرًا هذا الشهر هو أعظم لحظات التواصل الإنسانى بين البشر وبعضهم البعض، وكذلك بين البشر وخالقهم.

■ هل هناك اختلاف بين رمضان الطفولة فى بورسعيد ونظيره فى القاهرة؟ 

- بورسعيد مدينة خُلقت للاحتفالات والبهجة، فهى دائمًا ما تستغل المناسبات فى مواجهة الاستعمار ورموزه، ولذلك كنا نستغل فرحة شهر رمضان فى دعم روح المقاومة وتأييدها التى بداخل أبنائها، بينما فى القاهرة الوضع مختلف تمامًا، فالطقوس الرمضانية بالعاصمة مختلفة.

■ إذا عدنا إلى ذكريات النشأة فى مدينة بورسعيد، كيف كانت الأجواء؟

- فى مدينة بورسعيد كانت لى أيام وذكريات، فالنشأة هناك خلال فترة الأربعينيات، وأثناء وجود الاحتلال الإنجليزى، أسهمت فى زرع محبة الوطن بداخلى وعلمتنى الخوف عليه، وكل أبناء مدن القناة الذين ولدوا خلال تلك الفترة كبروا وهم معبأون بداخلهم بالكرامة الوطنية والغيرة على الوطن، إضافة لذلك فالطبيعة البورسعيدية تهب أبناءها خصالًا وصفات لا تتوافر فى أحد غيرهم، فالبحر دائمًا ما يعلم أبناءه القوة والصمود والتحدى.

■ هل طبيعة بورسعيد سبب عملك بالكتابة والصحافة؟

- هى جزء مؤثر لكنها ليست كل الأسباب، فالكاتب فى الأساس عبارة عن مجموعة من المكونات تتفاعل مع بعضها لإخراج منتج نهائى، هذه المكونات هى النشأة والتعلم والقراءة والسفر والاحتكاك والنجاح والفشل.

وأنا منذ الصغر مررت بكل تلك الأشياء، حيث ذقت طعم الفرح وقاسيت الألم وعشت النجاحات وواجهت العثرات، وبعد فترة اكتشفت أن أفضل طريقة للتعبير عن كل ما سبق هى الكتابة، ومن هنا صادقتها كهاوية ثم لاحقًا جاءت فى فترة الاحتراف بالعمل فى الصحافة، ولولا دعم أسرتى ومن بعدهم أساتذتى ما خضت غمار هذا التحدى الممتع.

■ هناك من يعتبر سكينة فؤاد أديبة قبل أن تكون صحفية، فما ردك؟

- فى الأول والأساس أنا صحفية، وأعتز بذلك كثيرًا لكن دائمًا يوجد اختلاف بين الصحافة والأدب، وأعترف بأن الأولى أخذتنى كثيرًا من الثانية، خاصة أن تفاصيل العمل فى المجالين مختلفة تمامًا.

الصحافة تلزمها السرعة، وعندما توجد أمامى قضية ما مثل التعدى على الرقعة الزراعية فالطبيعى أن ألجأ للمباشرة بالكلام والكتابة، فى حين أنه حال التركيز على تحويلها لعمل أدبى فذلك يتطلب الانتظار لحين نضوج الفكرة بشكل كامل وتام، لكن لأهمية الموضوعات وصعوبة الانتظار، فالمعالجة الصحفية تسبق دائمًا الكتابة الأدبية.

■ ما أبرز الموضوعات التى لا تنساها سكينة فؤاد؟

- أعتز بمحاوراتى مع الكبار، وتحديدًا حوارى مع كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، فخلال تلك الفترة كنت فى بدايات عملى الصحفى، ومع ذلك لم تمنعنى رهبة البدايات من طلب حوار معها، ورغم توقعى بأن الرد على طلبى بالرفض لكنها وافقت، لأحقق آنذاك واحدًا من أهم انتصاراتى الصحفية، وكانت بمثابة شهادة الميلاد الحقيقية لاسمى داخل بلاط صاحبة الجلالة.

وسبب تشبيهى هذا الحوار بالانتصار نابع من الضجة الكبرى التى أثارها آنذاك، ودفعت صاحبة الصوت الذهبى للإشادة، والتأكيد على أنه ينتظرنى مستقبل باهر.

الحوار الآخر الذى لا أنساه كان من نصيب الأديب الكبير توفيق الحكيم، ورغم أنه كان حوارًا تليفزيونيًا، لكنه من أبرع الموضوعات التى قدمتها، بعدما أبهرتنى ذاكرته الحديدية، وجذبنى نضوجه الفكرى المتجدد وحضوره القوى.

■ أنتِ من المهمومات بقضايا المرأة.. هل يمكننا أن نقول إنها تعيش عصرها الذهبى حاليًا؟

- نعم المرأة المصرية تعيش أزهى أوقاتها، ولا تزال تطمح للمزيد، يوجد حاليًا اهتمام خاص بكل قضاياها، والأجمل هو محاولة طرح الحلول لجميع المشكلات التى كانت حاضرة خلال العصور السابقة.

التيارات الظلامية حاولت أن تسلبها كل الحقوق التى كانت تحصدها بالتعب والكفاح، لكن لأجل ترسيخ تلك المكاسب، لا بد من سن قوانين تؤكد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وأن يكون الاختيار مستندًا إلى منطق الكفاءة وليس أشياء أخرى.

■ أرشيفك ثرى بالعديد من الحكايات السياسية والمواقف الوطنية، أيها تعتزين به؟

- مشاركتى فى إلقاء بيان ٣٠ يونيو أبرز أحداث حياتى، فهو علامة فارقة فى تاريخ هذا الوطن، وعندما أتذكر تلك اللحظة أجد نفسى سعيدة وأشعر بلحظات سعادة غير طبيعية، بعدما تخلصنا من جماعة كانت تريد حكم مصر لمدة ٥٠٠ عام، رغم افتقارها لأى مشروع حضارى.

هذه المشاركة تمثل ميلادًا جديدًا لشخصى، وهو اختيار قدرى نابع من كونى ككاتبة سخّرت قلمها طيلة رحلتها مع صاحبة الجلالة للحديث عن قضايا الوطن وهموم أبنائه أملًا فى رفعته ورغبة فى ازدهاره.

■ كيف جاءت ترتيبات إخبارك بالظهور والمشاركة فى إلقاء بيان ٣٠ يونيو؟ ومتى عرفتِ بالأمر؟

- ما حدث وما دار سأتركه لأصحابه يتحدثون عنه، فأنا لا دخل لى بكيفية اختيارى، لكن ما أستطيع أن أقوله هو إن مصر دائمًا ما تزخر بالمناضلات المحبات لتراب هذا الوطن، ومرة أخرى أكرر فخرى واعتزازى بالوقوف إلى جوار كوكبة من خيرة أبناء مصر فى لحظة فارقة من عمر أم الدنيا.

■ بعد مرور ما يقرب من ثمانى سنوات على ٣٠ يونيو، وبعين الكاتبة والمواطنة، ما تقييمك للموقف بشكل عام خلال السنوات الماضية؟

- بحر الطموحات والآمال لا ينتهى، لكن على الصعيد العام هناك طفرة كبيرة على مستوى التعمير، فالصحارى الآن تحولت بفعل ماكينة لا تهدأ عن العمل إلى مسطحات خضراء ومدن حديثة، إضافة إلى العديد من الإنجازات الكبرى التى تتم فى كل ربوع مصر.

لكنى مؤمنة بدرجة كبيرة بأن الشعب المصرى لا يزال يستحق المزيد والمزيد من الإنجازات، وهو ما يدركه الرئيس ويعيه جيدًا، فأبناء هذا الشعب لديهم مكانة خاصة فى قلب «السيسى»، ويتجلى ذلك واضحًا فى الإشادات والثناء اللذين يرددهما دومًا فى خطاباته، عندما يقول إنه لولا صبر المصريين ما كان ليتحقق ما حدث.