رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من 62 إلى 67


 

جميعنا يتابع ويترقب تلك التصريحات والتصرفات الاستفزازية التى تقوم بها حاليًا الحكومة الإثيوبية فيما يتعلق باعتزامها القيام بالمرحلة الثانية لملء سد النهضة فى شهر يوليو القادم، ضاربة عرض الحائط بالدعوات التى توجهها مصر والسودان إلى الاحتكام بالتفاوض تحت مظلة دولية.
وهو الأمر الذى جعل الكثير من أبناء الشعب المصرى يشعر بالقلق والتخوف مما هو قادم، وهو تخوف مشروع كما قال السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولا يمكن أن يلوم أبناءه على تلك المشاعر، بَيد أن هناك طائفة يبدو أنها موجهة لدفع الدولة إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة، بل ومن الممكن أن تجعلنا محل انتقاد وعقوبات من المجتمع الدولى، حيث تطالب تلك الطائفة القيادة السياسية بضرورة توجيه ضربة عسكرية لهدم سد النهضة، كما لو كان ذلك إذا تم لن تكون له ردود أفعال دولية قد تؤدى لفرض عقوبات وإدانات عالمية إذا لم يكن هناك تمهيد دبلوماسى على أعلى مستوى للتأكيد على حق الشعبين المصرى والسودانى فى مياه نهر النيل التى تمثل شريان الحياة لهما.
وفى هذا الإطار فقد أشار السيد الرئيس فى أحد لقاءاته مؤخرًا إلى ما تعرضت له الدولة المصرية عند دخولها حرب اليمن عام 1962 لمساندة المشير عبدالله السلال ورفاقه حال تأسيسهم تنظيم الضباط الأحرار لإسقاط حكم الإمام محمد البدر حميدالدين الذى كان يحكم اليمن بقبضة حديدية مدعومًا بكل قوة من المملكة العربية السعودية، وقد جاء تدخل القوات المسلحة المصرية لدعم الجيش اليمنى بشكل أفقده المئات من خيرة رجاله وقياداته فى حرب قبائل استمرت ثمانية أعوام، تكبدت فيها مصر الكثير والكثير من السلاح والشهداء، بالإضافة إلى عداء مستحكم استمر لسنوات طويلة بين مصر والسعودية.
وكان ذلك بسبب التدخل فى تلك المعارك بشكل غير مدروس ومتسرع ويمكننا القول بأنه كان تدخلًا غير مبرر أيضًا، ثم جاءت انتكاسة عام 1967 حيث كانت الغلبة للجيش الإسرائيلى المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، وتكبدنا خلالها ما يقرب من 15 ألف مقاتل ما بين شهيد ومصاب، بالإضافة إلى 338 أسيرًا وتدمير 209 طائرات مقاتلة مصرية من أصل 340 طائرة هى كل الأسطول الجوى، وذلك كله جاء نتيجة استفزازات متبادلة بين الطرفين، بالإضافة إلى الاستهانة بقوة العدو الإسرائيلى والاعتقاد بأن قواتنا المسلحة قادرة على تحقيق الانتصار فورًا.
كل ذلك كان محل دراسة واهتمام من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو يتحدث إلى الشعب مؤكدًا لهم أن أى تدخل عسكرى يجب أن يكون مدروسًا وموثقًا وممهدًا له دوليًا أولًا ثم داخليًا، حتى لا نقع عرضة لأمور نحن فى غنى عنها حاليًا، وإن كان سيادته قد أكد أن جميع الخيارات مفتوحة ومتاحة، فى إشارة قوية إلى استعداد الدولة المصرية للتدخل فى الوقت المناسب وبالشكل المناسب حفاظًا على حقوقنا التاريخية المشروعة فى مياه النيل.
إن السيد الرئيس يُثبت يومًا بعد يوم أنه مدرك تمامًا أبعاد ملف سد النهضة ومن يقف وراء هذا التعنت الإثيوبى ويتعامل بشكل متوازن سياسيًا حتى النفس الأخير ليضع العالم كله أمام مسئوليته السياسية والإنسانية تجاه حياة ووجود الشعب المصرى والسودانى، ولعل تلك السياسة الرشيدة للدولة المصرية هى ما جعلتها تعود إلى سابق عهدها ووضعها كدولة المركز فى المنطقة العربية، بل وفى الشرق الأوسط بالكامل، وتكاد تكون هى الدولة الوحيدة فى المنطقة التى تتمتع بشراكات استراتيجية مع واشنطن وموسكو وبكين فى نفس الوقت، وهى فى كل هذا تسعى إلى حشد الجميع لتأييدها من أجل قضيتها.. لقد أصبحت القاهرة تمتلك قرارها وتحدد توقيتها ولن يدفعها أحد إلى اتخاذ أى موقف أو قرار أهوج يترتب عليه ما يتمناه خصومها.
وتحيا مصر.