رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدراما تنتصر لقضية الانتماء للوطن


 

مثل كل عام، تستحوذ الدراما المصرية على اهتمام المشاهدين فى البيوت المصرية، حيث تجد الأسر متجمعة حول الشاشات لمتابعة المسلسلات التى تحظى بنسب مشاهدة أعلى خلال الشهر الكريم.
ومهما قلنا، فإن الدراما التى تعرض فى الشهر الكريم، تكون أعلى من أى شهر آخر فى السنة، وهذا العام لدينا وجبة دسمة، وسباق متواصل، وزخم فى الإنتاج يصل إلى ٥٥ مسلسلًا، ومثل كل عام، سأحاول أن أقدم للقارئ رؤية نقدية لأهم المسلسلات المعروضة خلال الشهر، إلا أننى أولًا لدى ملاحظتان أساسيتان:
- أولاهما: إن هناك ازدحامًا فى الإعلانات تتعذر معه المتابعة لنفس المسلسل، حيث تقطع الإعلانات التركيز، وطالبنا من قبل بأن يتم تنظيم الإعلانات بشكل متحضر ولائق، بما لا يخل بالتسلسل الدرامى، إلا أنه لم يحدث هذا، كما نطالب الهيئة العليا للإعلام بتنظيم هذا الأمر نظرًا للزحام الإعلانى المتواصل، حتى لا تفسد زحمة الإعلانات متعة المتابعة.
- ثانيتهما: إن هناك حشدًا من النجوم يشاركون هذا العام، وحشدًا من الوجوه الجديدة التى تم الدفع بها، وأسماء جديدة فى مجالات الدراما، كالإخراج، والتأليف، والسيناريو، وسأقدم للقارئ رؤيتى النقدية للدراما المصرية بشكل مكثف وسريع هذا العام، نظرًا لأن لدينا وجبة دسمة ومتنوعة، تتمثل فى أنواع مختلفة من الدراما التى تعكس فى رأيى تقدمًا وتميزًا تستعيد معه الدراما المصرية عرشها وريادتها مرة أخرى بجدارة. 
لدينا إنجاز مهم بالدراما المصرية فى الشهر الكريم، حدث هذا العام يجعلنى أتوقف عنده كثيرًا، لأنه يمثل انتصارًا للدراما المصرية هذا العام لقضية الانتماء الوطنى، وتقديم بطولات مصرية للشباب توازى بطولات شخصية السوبرمان الأمريكية، التى كان يتباهى بها الأمريكان رغم أنها شخصية خرافية، بينما لدينا فى مسلسل «الاختيار-2» نماذج أبطال حقيقيين من لحم ودم، من ملفات رجال الأمن الوطنى، ورجال الشرطة، والقوات الخاصة، الذين يطلق عليهم «رجال الظل»، لأنهم يقدمون أنفسهم فداءً للوطن ولحماية الشعب.
وتمكن «الاختيار» للعام الثانى على التوالى، من جذب انتباه الأسرة حول الشاشة لمشاهدة ملحمة وطنية جديدة بمسلسل يتجاوز فى مشاهداته كل التوقعات، ورغم أنه جزء ثانٍ من مسلسل الاختيار الذى أحدث ضجة ومشاهدة عالية فى العام الماضى بتسجيل بطولة بطل مصرى فذ من أبطال الجيش المصرى، وهو الشهيد البطل أحمد منسى، وأن الجزء الثانى عامة لا يأخذ نفس نجاح الجزء الثانى، بالإضافة إلى أنه كانت هناك محاولات مستميتة من جانب أعداء الوطن لمحاولة تشويه صورة رجال الأمن الوطنى ورجال الشرطة والقوات الخاصة، إلا أن الحقيقة أثبتت أنها أقوى من الخيال، وأن القوة الناعمة المصرية هى سلاح يمكن من خلاله بث روح الوطنية والانتماء والولاء والفداء للوطن، فضلًا عن تقديم الحقائق للشعب من خلال الدراما، وهذا ما طالبت به مرارًا وتكرارًا من قبل فى مقالات سابقة بالدستور.
فقد استطاع مسلسل «الاختيار- ٢» أن يحقق معادلة صعبة بين تقديم رسالة وطنية، وفى نفس الوقت، تحقيق نسبة مشاهدة عالية جدًا، كما نجح استخدام أسلوب الأكشن المتقن فى جذب انتباه المشاهد، وأيضًا نجح المخرج «بيتر ميمى» فى المزج بين مشاهد درامية مع مشاهد من الواقع الذى عشناه منذ سنوات قليلة، ولم ننسها، وخاصة مشاهد العنف والبلطجة، والإجرام الذى قام به الظلاميون أثناء فض اعتصامهم فى «رابعة العدوية»، وكان لنقل صور حية من قلب الأحداث أثره فى تفاعل المشاهدين مع الأحداث.
المسلسل إذن يُعد توثيقًا متميزًا كنّا فى حاجة إليه لنتذكر تفاصيل من فترة سيئة عاشها الشعب المصرى ولن تعود أبدًا بإذن الله تعالى، حيث رفضها الشعب إلى الأبد، وهكذا استحوذ «الاختيار- 2» على انتباه كل أفراد الأسرة، من الكبار والصغار، وقدم لهم نماذج من البطل المصرى، أفضل وأنبل، ومن لحم ودم بدلًا عن السوبرمان الأمريكى الخرافى، الذى كان المشاهد يراه من قبل فى أفلام الأكشن الأمريكى، والذى كان الأمريكان يتباهون بتقديمه للجمهور.
إن «الاختيار- 2» يؤكد أن الإتقان فى تقديم الفن الراقى فى ظل إنتاج جيد وإدارة واعية، يمكنهم جذب المشاهد والارتقاء بفكره ووعيه، كما يؤكد أيضًا خطأ مقولة كان يرددها لنا منتجو الدرجة التانية من الأفلام والمسلسلات التافهة والفجة والبلطجة، مرارًا وتكرارًا رغم رداءتها وهى «أن المشاهد عايز كده»....!!، إلا أن الحقيقة كانت وستظل واضحة كالشمس، مهما حاول هؤلاء وأمثالهم أن يطمسوها.
فالموضوع الجيد فى رأيى، كان وسيظل دائمًا، إذا قُدم بشكل فنى متميز، وإنتاج جيد، هو ما يجذب المشاهد، ولعل دراما هذا العام بمسلسل «الاختيار-2»، تعيد لنا تأكيد أن «المشاهد واعى ويريد الأفضل والأكثر جودة».
وفى تقديرى أن «الاختيار-2»، قد استطاع أن يقدم للصغار القدوة المستمدة من الواقع المصرى فى قصص بطولات وفداء حقيقية وفذة، وما زالت لدينا مئات القصص من بطولات رجال الجيش والشرطة، التى ننتظر أن تقدمها لنا الدراما المصرية، كما أعاد «الاختيار-2» إلى ذاكرتنا بعض ذكريات أليمة من عام أسود رأت فيه مصر أبشع الأهوال، وأعنف السلوكيات والممارسات الإجرامية، بالإضافة إلى خطط شيطانية لسرقة الوطن لصالح جماعة من المرتزقة باسم الدين.
وهذا دور مهم كنّا نطالب به صناع الدراما المصرية والإعلام المصرى، بأن تصبح الدراما سلاحًا فى كشف الواقع، ووسيلة لتنوير العقول، ومن هنا فإننى أتمنى أن يستمر هذا الاتجاه فى تقديم البطولات المصرية طوال العام، وذلك من خلال دراما تحيى الواقع وتقدم بطولات من الجيش والشرطة المصريين البواسل.
وإننى أقترح أن يقوم مسئولو الإنتاج الذين قدموا «الاختيار» بوضع خطة طموحة بذلك، فتكون القوة الناعمة المصرية بذلك قد قامت بدور عظيم وفعال ومستمر، بما نطالب به من إعلاء قيم الانتماء والولاء وغرس الوعى الوطنى بين المراهقين والشباب، وبتقديم نماذج من أبطال مصريين من لحم ودم، يعيشون بيننا، وبما يمكن أن يمثل حائط صد أمام محاولات غسل مخ الشباب نحو اتجاهات متشددة، تحاول استلاب عقولهم أو جماعات تبث بينهم أفكارًا مغلوطة عن الوطن والدين والدولة.
لقد اقتحم الجزء الثانى «الاختيار» بجرأة، لمحات من حياة رجال الأمن الوطنى والشرطة أو رجال الظل الذين لا يعرفهم المواطن العادى، والذين يخوضون فى كل يوم حربًا شرسة ضد الإرهاب، مما يُعد تسجيلًا حيًا لدورهم غير المعروف، وخاصة فى العمليات الاستباقية، وفى عمليات شجاعة وصعبة، تعتمد على الفداء، والتضحية بالنفس، ومنهم ذكريا يونس، ويوسف الرفاعى، ومحمد مبروك.
لقد نجح الجزء الثانى من «الاختيار» وبجدارة فى استخدام أسلوب الأكشن السريع، ومشاهد تفجيرات تم تقديمها بحرفية عالية، ومن ثم قدم المسلسل بعض مشاهد من الحياة فى بيوت الأبطال، فجعل المشاهد يتعاطف معهم، ويدرك مدى تضحيات ومعاناة الأسر التى تدعمهم فى دورهم البطولى.
هذا المسلسل، من وجهة نظرى، يتصدر قائمة أفضل دراما هذا العام، وبعده يأتى مسلسل متميز بتقديم بطولات رجال المخابرات المصرية وأقصد به «هجمة مرتدة»، والذى سيكون محل حديثى فى مقال مقبل إن شاءالله تعالى.
تلخيصًا، لقد قدم مسلسل «الاختيار-2» لنا مرة ثانية مؤلفًا متميزًا عن جدارة، هو «هاني سرحان» الذى قدم لنا من قبل بطولات رجل البوليس فى مسلسل كلبش، ومخرجًا قديرًا فى أسلوب الأكشن، الذى مزج معه الجانب الإنسانى فى حياة رجال الأمن وهو «بيتر ميمى»، وإجمالًا قدم لنا المسلسل مجموعة من الممثلين، استطاعوا أن يقدموا أفضل ما لديهم من أداء، وفى مقدمتهم: كريم عبدالعزيز وأحمد مكى، والوجه الصاعد التى لفتت الأنظار بأدائها الطبيعى، وأتوقع لها النجومية بملامحها السمراء ووجهها المعبر، الممثلة الشابة «أسماء أبواليزيد».