رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خفاجي: النزاع فى حصص نهر النيل أخطر من النزاعات المسلحة

دراسة جديدة للمستشار محمد خفاجي توثق عدوان إثيوبيا على قواعد الأنهار (2- 7)

المستشار محمد عبد
المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى

فى أحدث دراسات المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى  نائب رئيس مجلس الدولة المصرى المعروف بأبحاثه العلمية الوطنية بعنوان: "مسئولية الأمم المتحدة وحقوق مصر التاريخية فى مياه نهر النيل والاستقرار القضائى لمحكمة العدل الدولية توثيق لعداون إثيوبيا على قواعد الأنهار .

 دراسة تحليلية فى ضوء تدخل الأمم المتحدة فى النزاعات المائية النظيرة حماية للدول المتشاطئة من الإضرار بها، والمبادئ التى استنتها محكمة العدل الدولية فى وحدة المصالح للمجارى المائية لبيان عدوان إثيوبيا على  مياه نهر النيل "، وهو الموضوع الذى توليه مصر موضع الأهمية القصوى ويشغل بال المجتمع الدولى ويؤثر على استقرار المنطقة بأكملها، ونظرا لما تعرضه إثيوبيا من مغالطات للمجتمع الدولى وجب تنوير الرأى العام العربى والإفريقى والعالمى وفقا لقواعد العلم والانصاف والتاريخ، وسوف نعرض للجزء الثانى من  هذه الدراسة فيما يلى : 

أولاً: إثيوبيا استغلت ثورة 25 يناير 2011 بالمخالفة لمبادئ حسن النية وحسن الجوار وأنشأت سد النهضة بتصرف أحادى:

يقول الدكتور محمد خفاجى أن إثيوبيا استغلت ثورات الربيع العربى وثورة 25 يناير 2011 بالمخالفة لمبدأ  حسن النية وحسن الجوار بل بالمخالفة للمبدأ الأخلاقى فى عالم الدبلوماسية للشروع  في بناء سد النهضة قرابة الشهرين بعد تلك الثورة وتحديدا بتاريخ 2 أبريل 2011  بإعلان أحادي الجانب ودون التشاور مع مصر ، مستغلة أحداث  ثورة يناير حيث كانت  مصر منشغلة بإعادة بناء نظامها السياسي عقب ثورة 25 يناير 2011 ، وقد اعترضت مصر والسودان على قيام إثيوبيا لأعمال البناء الفعلي لسد النهضة دون التقيد بالالتزامات القانونية وفقاً لقواعد القانون الدولى في مجال إقامة المشروعات المائية، 

ثانياً: إثيوبيا راوغت ودعت لتشكيل لجنة خبراء وخادعت في أعمال البنية التحتية، وحولت  مجري النيل الأزرق للبدء فى الإنشاء دون انتظار لتقرير تلك اللجنة :

يقول خفاجى أن إثيوبيا استمرت فى مرواغتها ودعت فى خبث إلى تشكيل لجنة خبراء دولية للبحث في مدى وجود آثار سلبية محتملة على دولتي السودان ومصر نتيجة بنائها لسد النهضة , واجتمعت اللجنة بالسودان لاختيار الخبراء  الدوليين الأربعة من التخصصات المختلفة لعضوية اللجنة وقامت كل دولة من دول النيل الشرقي مصر والسودان وأثيوبيا بترشيح أربعة خبراء من كل التخصصات الاَتية  : علم إنشاء السدود، والخزانات الكبرى ، والبيئة وإدارة الموارد المائية، والعلوم الاجتماعية للانضمام لعضوية اللجنة من الدول الثلاث لتقييم الآثار المترتبة على بناء سد النهضة، وتعهد الجانب الإثيوبي بتقديم كافة المعلومات التي قد يحتاجها أعضاء اللجنة وبدأت اللجنة عملها فى 15 مايو 2012 إلا أن إثيوبيا عمدت إلى التدليس والخداع  في أعمال البنية التحتية، وقامت بالفعل  بتحويل مجري النيل الأزرق للبدء فى الإنشاء دون انتظار لتقرير تلك اللجنة. 

ويضيف بل أصدرت لجنة التحقيق تقريرها الختامي في شهر مايو 2013 تضمن  العديد من النتائج العلمية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية الهامة إلا أن إثيوبيا استمرت فى غيها ضاربة عرض الحائط بقواعد القانون الدوالى ولم تأخذ بأي منها وواصلت أشغال السد  .

ثالثاً: آبي أحمد لم يتحل  بأية مبادئ للفرسان حينما أخل باتفاق المبادئ الذى وقعه سلفه هيلاماريام ديسالين :

يستطرد خفاجي أنه في23 مارس 2015 فى الخرطوم بالسودان وُقع اتفاق حول إعلان مبادئ بين جمهورية مصر العربية وجمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وجمهورية السودان حول مشروع سد النهضة الإثيوبي وجاءت ديباجته مؤكدة على أهمية نهر  النيل كمصدر للحياة ومصدر حيوي لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان؛ ألزمت الدول الثلاث أنفسها بعشرة مبادئ على قمتها مبدأ التعاون علي أساس التفاهم المشترك، والمنفعة المشتركة، وحسن النوايا، والمكاسب للجميع، ومبادئ القانون الدولى والتعاون في تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها ومبدأ التنمية والتكامل الإقليمي والاستدامة ومبدأ عدم التسبب في ضرر ذى شأن  ومبدأ الاستخدام المنصف والمناسب ومبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد ومبدأ بناء الثقة ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات ومبدأ أمان السد ومبدأ السيادة المتساوية ووحدة إقليم الدولة والمنفعة المشتركة وحسن النوايا بهدف تحقيق الاستخدام الأمثل والحماية المناسبة لنهر النيل ومبدأ التسوية السلمية للمنازعات الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق.

ويضيف الدكتور خفاجى أن  آبي أحمد علي رئيس وزراء إثيوبيا الحالى ‏ الذى عُين في 27 مارس 2018 لم يتحل بأية مبادئ للفرسان حينما أخل باتفاق المبادئ الذى وقعه سلفه هيلاماريام ديسالين رئيس وزراء إثيوبيا السابق والمفرغ فى إعلان المبادئ في الخرطوم بالسودان في23 مارس 2015 بين جمهورية مصر العربية وجمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وجمهورية السودوان على الرغم من أن قواعد القانون الدولى تلزمه بها .

رابعاً: النزاع فى حصص نهر النيل أخطر من النزاعات المسلحة ويهدد السلم والأمن والاستقرار الدولى:

يذكر نائب رئيس  مجلس الدولة  أن التصرفات الأحادية من إثيوبيا دون موافقة مصر والسودان يضر بالحصص المقررة  لهما ويخلق نزاعا على مياه نهر دولى وهذا النزاع فى حقيقته أكثر خطرا من النزاعات المسلحة وتأثيره يتسم بالخطورة على السلم والأمن والاستقرار الدولى خاصة وأن هذا السد على النحو الذى نشأ به دون موافقة أو تفاوض سيؤثر على مصالح مصر التى يلعب نهر النيل فى حياتها دورا رئيسيا كأهم مورد مائى منذ اَلاف السنين  بسبب موقعها ومناخها ودرجة اعتمادها على المجرى المائي , إن  مياه  نهر النيل  قامت عليه  الحضارة المصرية  منذ فجر التاريخ ،  ويعد من الحقوق التاريخية المكتسبة التى لا يجوز المساس بها  وفقا لقواعد القانون الدولى .

خامساً: مصر دعاة سلام بقيادتها الحكيمة – والتاريخ يذكر الصراع  العسكرى المائى  بين بريطانيا وفرنسا عام 1898 للسيطرة على منابع النيل الأبيض أجبر الأطراف إلى التفاوض لتسوية النزاع  :

يقول “خفاجي” أن مصر دعاة سلام بقيادتها السياسية الحكيمة الواعية ببصر وبصيرة ,  وأن الدبلوماسية المصرية تتمتع بالخبرة والحنكة والكفاءة والأناة والصبر المتدبر , ولا ريب أن مصر حينما  اعتمدت فى تاريخها الطويل كليةً على نهر النيل فى بناء حضارتها فذلك يعنى أنها دولة قوية عبر اَلاف السنين, وتاريخها العسكرى نحو السلام يشهد بتفوقها وقوتها فى منطقة الشرق الأوسط .

ويتساءل الدكتور محمد خفاجى أن هل التاريخ سوف يعيد نفسه ؟ ذلك أن ذاكرة التاريخ شهدت بأن الصراع  العسكرى المائى  بين بريطانيا وفرنسا عام 1898 للسيطرة على منابع النيل الأبيض أجبر الأطراف إلى التفاوض لتسوية النزاع , حيث شهدت الساحة الدولة الصراع  العسكري بين بريطانيا وفرنساعام 1898  والذى وصفته الدوائر الدولية والفقهاء الأباء للقانون الدولى منذ 123 سنة بأنه  شبه نزاع مائي، عندما حاولت بعثة فرنسية السيطرة على منابع النيل الأبيض.  وكان على إثره أن اهتدى أطراف النزاع فرنسا وبريطانيا  في نهاية الأمر  إلى التفاوض بشأن تسوية هذا  النزاع  .

ويضيف ينبغى علينا أن ننظر إلى الماضى على أنه كان ذات يوم مستقبلاً , ونفكر فيما طرأ على الجذور الأولى لنزاعات الأنهار الدولية الضارة بالدول المتشاطئة وما طرأ عليها من تغيرات وتطورات كما لو كانت تتحرك أمام أعيننا لا كشئ ذهب وانقضى , وإذا التفتنا إلى الوراء منذ نشأة القانون الدولى فإنما نفعل ذلك لنستنتج منه التجربة ونستخلص النتيجة كى نتجه بأبصارنا إلى الأمام , ذلك أن التاريخ بالنسبة للعلوم الإنسانية يقوم بدور المختبر فى العلوم التجريبية ويبين الوسيلة التى تمكن الدول من أن تجعل من الحاضر مستقبلاً أفضل بفهم الطريقة التى أصبح بها الماضى حاضراً .

سادساً : إخلال أبى أحمد باتفاق المبادئ يجعله المانح والمانع بالمخالفة الصارخة لقواعد الأنهار الدولية لتحقيق أهداف سياسية تحت ستار أهداف اقتصادية تنموية:

يذكر الدكتور خفاجى إن إثيوبيا لديها رغبة جامحة من خلال مشروعها عن سد النهضة بإصرار أبى أحمد على رئيس وزرائها  على الملء الثانى للسد دون اتفاق أو تفاوض فى سابقة خطيرة على المجتمع الدولى لأنه يهدف به إلى السيطرة على أكبر كمية من مياه نهر النيل كأنه يحتكر حق الملكية للنهر الأعظم رغم الدول الشركاء , ويقصد منه التحكم في مياه النيل الخالد على نحو يجعل من دولته الدولة المانحة والمانعة لدول المصب فإن شاء منع وإن شاء منح , ويعد ذلك منه تصرفاً مخالفاً مخالفة صارخة لكل قواعد القانون الدولى المتعلقة بالأنهار الدولية , وتصوراً باغياً منفردا على كوكب الأرض لا يعترف بحق الحياة المشتركة للدول المتشاطئة بل وفى غيبة من الاتفاق أو التفاوض مع مصر والسودان , هادفاً تحقيق أهداف سياسية تحت ستار أهداف اقتصادية تنموية. 

ونعرض بعد غد  للجزء الثالث من  هذه الدراسة.