رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«موسى زمارة».. آخر المماليك من الحرس الإمبراطورى لنابليون بونابرت

موسي زمارة
موسي زمارة

بينما يهتم التاريخ بالأحداث الكبرى في حياة الشعوب والأمم٬ ويحرص على ذكر تاريخ الملوك والرؤساء والأسماء الأشهر في تاريخ البشر٬ نجده يسقط من ذكره الأشخاص العاديين من ملح الأرض، ورغم أنهم ملح الأرض من لأجلهم يكتب التاريخ ويسجل٬ إلا أن النذر اليسير منهم فقط من يأتي التاريخ على ذكرهم.

ومن بين هذه الشخصيات التي عاشت وأسقطهم التاريخ، فلم نعرف عنهم شيئًا٬ شخصية المملوك «موسى الكوسة» أو «موسى زمارة»، والذي يحكي لنا قصته٬ الكاتب الدكتور على الحفناوي، في كتابه «حكايات تاريخية من هنا وهناك»، والصادر حديثًا عن دار العين للنشر.

و«موسى زمارة» هو آخر المماليك من الحرس الإمبراطوري لنابليون بونابرت، ولد بمدينة عكا بفلسطين عام 1791، وتوفي ودفن في مدينة لافور بفرنسا عام 1873، اسمه الأصلي «موسى الكوسة»، لكنه سمى «موسى زمارة»٬ عندما انضم إلى جيش بونابرت٬ وتولي في البداية مهمة النفخ في النفير لإخطار قادة الفرق بأوامر نابليون الحربية أثناء المعارك٬ فأطلق عليه زملاؤه من المماليك لقب «زمارة»٬ ثم تمت تسميته بالسجلات الفرنسية بهذا اللقب ليكون اسمه الدائم.

ويتابع الحفناوي: «بعد وفاة أسرته في يافا بفلسطين٬ وقت هجوم حملة نابليون عليها٬ هرب وهو طفل في الثامنة من عمره إلى مصر٬ حيث كان يعمل والده محصلًا بجمارك ميناء بولاق، وعندئذ٬ ولانبهاره بقوة الجيش الفرنسي بالمقارنة بالجيش العثماني٬ طلب موس الانضمام لقوات نابليون مع مجموعة المماليك التي انضمت٬ وبعد عدة محاولات٬ تم بالفعل تجنيده وهو في الثامنة ليبدأ تدريباته العسكرية، ثم رحل مع القوات الفرنسية عن مصر وهو في الحادية عشرة من العمر٬ ثم تم تثبيته ضمن قوات فرقة المماليك بالجيش الفرنسي».    

ويستطرد «الحفناوي»: «عطف نابليون علي موسى وعينه بالحرس الخاص مع تكليفه بمهمة النفير في البداية٬ ثم وصل إلى تولي قيادة قوات الحرس عندما احتدمت المعارك العسكرية٬ أسهم وأبلي بلاء حسنًا في معارك نابليون الكبرى٬ خاصة في روسيا وأسبانيا، وأخيرًا في معركة واترلوو الشهيرة ضد إنجلترا».

وكان «موسى» قد فقد أصابع قدميه من تأثير برودة الجو في سهول روسيا المثلجة٬ لكنه لم يتوقف عن القتال بشراسة٬ كما أنه أصيب عدة مرات في مختلف المعارك، وكان نابليون منبهر بشجاعة كل فرق المماليك التي رافقته٬ فشكل منها حرسه الخاص٬ واحتفظوا بملبسهم المصري الملون حتى في استعراضات القوات المسلحة في باريس أثناء الاحتفالات الوطنية.

ظل «موسى الكوسة» مرافقًا للإمبراطور نابليون في كل تحركاته حتى النهاية٬ وبعد خلع نابليون٬ استقر «موسى» في مدنية لافور بمقاطعة التارن٬ حيث تزوج وأنجب ابنًا وابنة٬ وعمل بها بعد ترك الخدمة العسكرية مديرًا لمكتب البريد.

وقد عاش «موسى زمارة» متألمًا تحت وطأة التفرقة العنصرية الفرنسية٬ ولم يحصل على نيشانه العسكري وجوقة الشرف إلا عام 185، أما والده الذي حاول أيضًا الحصول على الجنسية الفرنسية بعد مغادرته مصر مع ابنه٬ فقد ظل مقيمًا في فرنسا كلاجئ بلا أي حقوق اجتماعية، وقبل وفاته٬ قال «موسى» مبررًا ارتباطه بفرنسا: «لكل إنسان وطنان٬ وطن مولده وفرنسا».