رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كانت لها مؤلفات عن أسرار الجمال والشعر.. «كليوباترا» ملكة الأنوثة والدهاء

كليوباترا
كليوباترا

كليوباترا السابعة، آخر ملكات مصر البطلمية عرفت بأنها واحدة من أهم ملكات مصر والعالم القديم بل وكانت أهم شخصية في عصرها لما امتلكته من أنوثة أسرت بها أهم رجلين في العالم آنذاك: يوليوس قيصر وماركوس أنطونيوس، ودهاء سياسي كادت به أن تسقط مجد روما من السيطرة على العالم. وترسخت الفكرة الشائعة عن كليوباترا عبر العصور بأنها ذات جمال صارخ حيث ذكر المؤرخ البيزنطي أتيوس في القرن السادس الميلادي أن لها مؤلفات عن أسرارها للجمال وعلاج أمراض الشعر ووصفات لعطور ومرطبات الجسد من أجل الحفاظ على جمالها بشكل دائم، كما كان المؤرخ الروماني "كاسيوس ديو" يرى أنها أجمل نساء العالم، فقد كان في النظر والاستماع إليها وهج وبريق". 

وعلى النقيض، فقد دس أعداؤها في جميع البلدان تصويرها كساحرة، كما دفع أعداء قيصر وأنطونيو من شعراء داخل روما وخارجها تصويرها كعاهرة تجذب الرجال من أجل السلطة، فكان يرى المؤرخ الروماني بلوتارخ أنها أزيد قليلًا من المتوسط الجيد. وإنما الحقيقة أن الرومان كادوا أن يفقدوا مكانتهم فى العالم بسبب تلك المرأة التي كانت زوجة سابقة لقيصر ولها منه وريث شرعي وزوجة لأنطونيوس ولها منه أيضا أبناء كان لهم الحق في حكم روما والتحكم بغذائها وجيشها، وكادت مصر أن تحكم تلك الإمبراطورية العظمى بدلاً من حكم روما لمصر والعالم. 

 واستمرت فكرة تخليد جمال كليوباترا وسحرها خلال العصور الوسطى بداية من شكسبير في القرن الخامس عشر في مسرحيته أنطونيو وكليوباترا وروايات الخيال العلمي بالقرن التاسع عشر وحتى العصر الحديث حين اختار المخرج جوزيف مانكيفيتس مخرج فيلم كليوباترا من إنتاج عام 1963، الممثلة الأمريكية اليزابيث تايلور لتجسد هذا الدور لما تتمتع به من جمال، بالإضافة لما ظهر في الأدب العربي متمثلاً في مسرحية مصرع كليوباترا لأمير الشعراء أحمد شوقي.   

وظهرت كليوباترا ممثلة بأنماط مختلفة حيث ظهرت مصورة بالنمط المصري وهو ما ظهر في تماثيل وجدران معبدها بدندرة، طويلة، نحيلة، ترتدي الشعر المستعار ورداء من أفضل أنواع الكتان ويعتلي رأسها الريشتين وقرص شمس وقرني البقرة حتحور ورأس الأفعى الذي تُزين به أي ملكة من مصر القديمة، في حين تظهر في التماثيل والتصاوير الكلاسيكية بشكل مثالي حيث الملامح الهادئة والبشرة الخمرية والوجه المستدير والأنف الطويل والعينان الكبيرتان والشعر المجعد المربوط للخلف لينتهي بكحكة بينما يزين رأسها الإكليل المذهب. 

ومع ذلك، فإن النقود البطلمية تظهر كليوباترا بجمال محدود حيث لديها أنف كبير، ذقن بارزة وشفاه رفيعة، وهذه ليست من ملامح الجمال في عصرها على الإطلاق. ولكن من ناحية أخرى، تمتعت كليوباترا بشخصية كاريزمية ساحرة تتمتع بذكاء عالٍ وحضور كبير وصوت خلاب عوضها عن امتلاكها للجمال الجسدي، حتى ذكر بلوتارخ، والذي لم يكن معجباً بمظهر الملكة، أنه كان مندهشاً بقدراتها اللغوية "وصوتها والذي استطاعت به، كأي أداة موسيقية ذات أوتار، أن تنتقل من لغة لأخرى، حتى أنها لجأت لمترجم مرات قليلة أثناء حديثها مع الأمم البربرية.." وهو ما أكده بلليني في قوله بأنها حين تتكلم تصبح كالقيثارة عديدة الأوتار.. فهي تتحدث سبع لغات وتنتقل بتمكن من واحدة إلى الأخرى، وهي الفرعونية والحبشية والفارسية واليونانية والرومانية والسورية والعبرانية..".

ومن المعروف خطأ أن كليوباترا كانت مقدونية الثقافة والفكر، فرغم أن أسلافها البطالمة كانوا مصريين في الظاهر ومقدونيين في الباطن، إلا أنها وحدها التي كانت تتقن لغة المصريين وتعرف معبوداتهم، حيث كانت ترى نفسها من النسل المقدس للربة إيزيس، واعتبرت نفسها الوريثة لسحرها فتظهر في نقوشها في صورة مقاربة للربة المصرية، وهو ما جعل المصريين يحبونها رغم كرههم الشديد لأسلافها، حيث أعادت تجميل الإسكندرية بعد الحرب وفتحت جميع المعابد المصرية القديمة وشجعت العلماء ولم تخاطب الشعب إلا بلغته التي جهلها أجدادها. 

وكثر الحديث عن موت الملكة حتى أشيع أنها قد انتحرت بسبب عضة حية الكوبرا بعد أن أُحضرت لها في سلة، وهي الخرافة التي روجت لها المصادر الأدبية والأعمال الفنية خلال العصور الوسطى والحديثة، لكن هذا الأمر غير مؤكد تاريخياً، حيث إن الطبيب الخاص بالملكة والمدعو أوليمبوس لم يذكر هذا الأمر، في حين ذكر بلوتارخ أن سبب الوفاة كان نتيجة جرح سطحي سببه خدش دبوس للجلد ومنه تم دس السم، أما سترابون فقد قال أن سبب الوفاة يتأرجح ما بين عضة الثعبان أو نتيجة التسمم جراء مركب مساحيق سامة أُعد للملكة كي تشربه. وقد ألمح كاسيوس دو إلى وجود ثقب صغير في ذراع كليوباترا مما يعزى لأن يكون عضة الثعبان لكنه لم يصرح بهذا معتمداً على آراء بلوتارخ، ورأى أنها وخزة إبرة أو دبوس. ورغم تأكيد كل من المؤرخين الرومان فلوروس وفيلوس بتركولوس على فكرة الانتحار بالثعبان، إلا أن الطبيب الروماني جالينوس قد مال إلى فكرة جرح كليوباترا لذراعها ودس السم فيه. 

أما في العصور الوسطى فلم تتناول المصادر التاريخية سبب وفاة كليوباترا بشكل مفصل، حيث لم يؤكد الكاتب الإنجليزي توماس براون عام 1646م على سبب الوفاة ورأى أن الأدلة الفنية التي تظهر كليوباترا وحولها الثعابين الصغيرة التي عضتها لم تكن مشابهة للثعابين الكبيرة الموجودة بمصر في الحقيقة، في حين أن عالم التشريح الإيطالي جيوفاني باتيستا مورجاني قد أيّد في فكرة انتحار الملكة بسم الثعبان وهو ما دعمه العالم الفرنسي جان جولين في عام 1777م. أما حديثاً فقد شكك أيضاً فرانسوا بيتير ريتيف أستاذ الطب بجامعة فري ستيت من جنوب أفريقيا في كون كليوباترا قد ماتت بعضة الكوبرا، وأشار إلى أن تناول السم هو الذي قضى على الملكة وخادماتها، كما ألمح إلى فكرة أن الانتحار قد تم بالإبرة المسممة وهو كان أسلوب الانتحار في تلك الفترة مثلما حدث لكل من السياسي الإغريقي ديموثينيس والقائد القرطاجني هنبعل.

 ومن المعروف تاريخياً براعة الملكة كليوباترا وقدرتها الفائقة في تحضير ومزج السموم، حيث كانت تعتمد على الوصفات القديمة وتختبرها على عبيدها، وهو ما كان يقلق ماركوس أنطونيوس حينما كانت تدعوه إلى الطعام، فكان يجلب معه أحد الخدم ويدعى الفاحص ليتفحص الطعام كيلا يكون فيه شبهة سم، فيذكر لنا المؤرخ بلليني أنه في إحدى المرات دعت كليوباترا القائد الروماني لشرب كأس من الخمر وألقت فيه زهرة من إكليلها كاختبار لحبه لها، فرفع أنطونيوس الكأس ليشرب دون أن يطلب الفاحص لكن كليوباترا أخذت منه الكأس مسرعة وأمرت أحد المسجونين بتناول الكأس بدلاً منه فمات على الفور من جراء السم، حينها أخبرت انطونيوس بأنها لو أرادت أن تميته بالسم لفعلت رغم وجود الفاحص. 

وهناك رأي آخر يشير إلى احتمالية قتل القائد الروماني أوكتافياس للملكة كليوباترا أو إجبارها على تناول السم بعد انتصاره عليها في موقعة أكتيوم البحرية عام 30 ق.م واحتلاله لمصر، وهو الاحتمال الذي يروج له كل من جريجوري توسكالاس المحاضر بكلية الطب بجامعة ديموكريتوس باليونان وماركوس سجانتوس محاضر التشريح بجامعة تيسالي باليونان، حيث أراد أوكتافيان التخلص من الملكة دون أن تحصل على أي قدر من التعاطف خاصة مع انتشار شهرتها في العالم القديم.

ويبدو أن عدم العثور على مقبرتها أو جثتها حتى الآن يزيد من انتشار الخرافات حول طريقة موتها دون تأكيد الأمر. فقد عثر زاهي حواس والأثرية كاثلين مارتينيز من جمهورية الدومينيكان في 2009 على مجموعة من المومياوات في مقبرة بمحيط معبد أوزير بمنطقة تابوزيرس ماجنا (أبي صير) على بعد 48 كم غربي الإسكندرية، بالإضافة إلى العثور على عملات تحمل صورة كل من ماركوس انطونيوس وكليوباترا معاً وهو ما يعد بصيص نور قد يقودنا في المستقبل إلى معرفة مصير الملكة أو الوصول إلى جثتها، حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه "أشهر خرافات الفراعنة"، والذي صدر عن دار “ن” للنشر والتوزيع.