رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حياة كريمة» تنهى الأمية بفصول «اتعلم واتنور»

حياة كريمة
حياة كريمة

 

بحلول الثامنة صباحًا، داخل شارع «جمال عبدالناصر» فى منطقة «أبوزارع» بالمنيب فى الجيزة، فتح فصل محو أمية تابع للمبادرة الرئاسية «حياة كريمة» أبوابه أمام الطلاب الذين فاتهم قطار التعليم، وتتراوح أعمارهم بين ٣٠ و٦٠ عامًا.

على حائط الفصل تبرز كلمات الرئيس الأمريكى أبراهام لينكولن: «العلم رأسمال لا يفنى»، لترسخ فى عقول وأفئدة الطلاب قيمة العلم وجدواه فى الحياة، وفى جانب آخر تظهر مكتبة «اتعلم واتنور»، بإصداراتها المتعددة عن الهيئة العامة لتعليم الكبار.

وتغطى كتب «اتعلم واتنور» ٣ مراحل أساسية، الأولى مخصصة لتعليم المواطنين كاملى الأمية، والثانية مخصصة للقادرين على القراءة والكتابة بقدر بسيط، والأخيرة للملمين بالقراءة والكتابة، وذلك طوال فترة الدراسة التى تمتد بين ٣ و٩ أشهر.

فى السطور التالية، «الدستور» تصحبكم فى جولة داخل هذا الفصل التابع لمبادرة «حياة كريمة»، التى تهدف إلى الارتقاء بالمواطنين ومستواهم المعيشى والعلمى والثقافى والاجتماعى، خاصة فى القرى الأكثر احتياجًا.

  • إيمان: هدفنا مساعدة المحرومين من التعليم على الاندماج فى المجتمع

قالت إيمان محمد، المعلمة بفصول محو الأمية للكبار ضمن مبادرة «حياة كريمة»، والحاصلة على ليسانس الآداب شعبة اللغة العربية من جامعة القاهرة، إن هدف فصول محو الأمية هو الارتقاء بالمستوى التعليمى والثقافى للمواطنين، حتى يكونوا جاهزين لمواكبة التطور، وذلك من خلال توفير بيئة تعليمية مناسبة لكل المحرومين من التعليم ومساعدتهم فى العيش بشكل طبيعى والاندماج فى المجتمع.

وأضافت أن فصول محو الأمية للكبار تعتمد على المنهج المقدم من الهيئة العامة لتعليم الكبار، ويتكون من ثلاث مراحل مقسمة بين كاملى الأمية، ومجيدى القراءة والكتابة، والملمين بها، منوهة إلى أن الفصول، وفقًا لهذا التقسيم، تكون تعليمية أو تذكيرية وكذلك فصول لذوى الاحتياجات الخاصة.

وواصلت: «يضم الفصل الذى أعمل به فى منطقة أبوزارع نحو ١٥٠ طالبًا، مقسمة على ١٥ فصلًا، بمعدل ١٠ طلاب بالفصل الواحد، وذلك تطبيقًا لقواعد التباعد الاجتماعى، تجنبًا لتفشى فيروس كورونا». وأكدت أن المعلمين يتأكدون من تطبيق الإجراءات الاحترازية والوقائية داخل الفصول، مع منع دخول أى شخص دون ارتداء الكمامات الطبية، وتعقيم الأيدى قبل الدخول إلى الفصول، تنفيذًا للتعليمات التى أقرتها منظمة الصحة العالمية، ووزارة الصحة والسكان.

وتابعت: «فصلنا معتمد من قبل الهيئة العامة لتعليم الكبار، ومبادرة حياة كريمة، ويتم العمل فيه بخطة التدريس التى أقرتها الهيئة، التى حددت ٣ ساعات لمدة ٤ أيام فى الأسبوع، وتكون الحصص متنوعة بين الصباح والمساء، بشرط أن تكون مناسبة للطلاب، بحيث يجرى التدريس للطلاب بمعدل ١٢ ساعة فى الأسبوع الواحد، وتتراوح مدة الدورة بين ٣ و٩ أشهر».

واختتمت: «فى البداية نستقبل الطلاب بعد التأكد من استيفائهم الشروط المقررة من قبل هيئة تعليم الكبار، وهى ألا تقل سن المتقدم عن ١٩ عامًا، وألا يكون قد حصل على الشهادة الابتدائية، أو اجتاز برامج محو الأمية، على أن يتقدم الطالب بصور ضوئية من بطاقة تحقيق الشخصية الخاص به، و٣ صور شخصية لإجراء الامتحان واستخراج الشهادة».

  • فريدة: أتمنى أن تصبح مصر دون جهل قريبًا بفضل المبادرة

تعيش السيدة فريدة حسين، البالغة من العمر ٦٥ عامًا، فى منطقة «أبوزارع» بالمنيب منذ نعومة أظافرها، ولم تلتحق بالمدرسة بسبب بُعدها الكبير عن منزلها، لكنها تحدت ذلك بكل قوة وجسارة. وقالت السيدة «فريدة»: «لم يكن هناك سبيل للتعليم إلا فى مكان بعيد جدًا عن المنزل، لذلك قررت أسرتى عدم تعليمى، وفقًا للأفكار السائدة فى هذا الزمن، لكنى لم أستسلم ودخلت أحد فصول محو الأمية».

وأضافت: «كان كل أملى أن أحارب جهلى وأتعلم القراءة والكتابة، حتى أستطيع قراءة القرآن الكريم، ومباشرة تجارتى فى السوق دون الحاجة إلى شخص يتلاعب بالأوراق المالية والعقود الخاصة بهذه التجارة، نظرًا لعدم إجادتى القراءة».

وأرادت السيدة الستينية الاستفادة من تجربتها هذه فى تعليم آخرين ممن مروا بنفس حكايتها، لذا عندما اقترحت حفيدتها، المتطوعة فى حملة «حياة كريمة»، توفير شقة سكنية فى منزلهم الكبير ليكون فصلًا لمحو الأمية، وافقت على الفور، معقبة: «نفذت رغبتها لأنى أريد إنقاذ كل الأميين من الجهل».

وشددت على أن مبادرة «حياة كريمة» من أعظم المشروعات التى تعمل عليها الدولة خلال الفترة الراهنة، لأنها تستهدف الارتقاء بالفكر والتعليم والبيئة، ما يوفر حياة هانئة لكل الأجيال المقبلة، مختتمة: «أتمنى أن تصبح مصر بدون جهل قريبًا جدًا».

  • حنان: أشبعت شغفى فى قراءة الصحف والمجلات

كشفت حنان محمود، ٥٠ عامًا، عن أنها ولدت فى أسرة فقيرة، وحال ذلك دون التحاقها بالدراسة، لكنها تعلمت القراءة والكتابة فى أحد الكتاتيب فى المنطقة، لكنها مع مرور الزمن نسيت كل ما تعلمته. وذكرت «حنان» أن لديها ١٢ من الإخوة، ولم يهتم والدها بالمستوى التعليمى للأبناء، فكان كل منهم يذهب للكُتاب وهو فى الخامسة، ويظل فيه حتى يتم عامه الثامن، ومن ثم يبدأ رحلته فى كسب المال وإيجاد فرصة عمل تؤمن له قوت يومه. وأضافت أنها ترغب فى التعلم، حتى تستطيع قراءة الصحف، ومتابعة الأخبار، متابعة: «أحب جمع الصحف وكنت أستعين بأبنائى لقراءة الصحف والمجلات طوال عمرى، والتحقت بفصول محو الأمية، كى أستطيع أن أشبع شغفى وأطلع على ما أريد».

  • فتحية: مشاهد الأولاد الذاهبين للمدرسة أشعلت نشاطى

قالت فتحية على، ٢٥ عامًا، إنها لم تلتحق بالدراسة منذ الصغر بسبب وفاة والدها قبل ولادتها، الأمر الذى حال دون وجود مصدر دخل ثابت للأسرة، وعدم وجود فرصة للتعلم. وذكرت أنها كانت ترى الأطفال من شرفة منزلها، يحملون فوق ظهورهم حقائبهم المدرسية، ممسكين بأيدى أمهاتهم، وعيونهم يملؤها النشاط، وكانت تذهب هى لتشترى طلبات المنزل من السوق، وتتمنى أن تصير مكانهم. وأضافت أنها تزوجت منذ ٥ أشهر، من محاسب بنك، وشجعها على الالتحاق بصفوف محو الأمية لتعليم الكبار، حتى تستطيع مباشرة حياتها بشكل طبيعى.

  • نيرة: العادات والتقاليد حرمتنى من التعليم

ذكرت نيرة إبراهيم، ٦٠ عامًا، أنها طوال عمرها كانت تجمع الكتب القديمة، لكن دون فائدة، لأنها لم تتعلم القراءة والكتابة، حيث نشأت فى أسرة متشددة جدًا فى اتباع التقاليد والعادات القديمة التى كانت ترفض ذهاب الفتاة للمدرسة؛ بحجة الخوف عليها من الاحتكاك مع المجتمع.

وقالت إنها حاولت مرارًا وتكرارًا التخلص من قبضة أبيها، لكنه قرر تزويجها فى وقت مبكر خوفًا عليها، وفى سنوات قليلة أصبحت أمًا لـ٦ أطفال، قدمت أوراقهم فى المدارس، حتى لا يسلكوا مصيرها المظلم نفسه الذى طرقته جبرًا، وبعد ٥ أعوام توفى زوجها وأصبحت هى عائل الأسرة الوحيد فخرجت للعمل، لكن جهلها كان يحول دون حصولها على عمل مناسب.

وأضافت أنها كانت تعمل فى المنازل، وتجوب الأسواق بحفنة من الخضروات لتبيعها، حتى تستطيع سد احتياجات أسرتها، وحينما كبر أولادها وأنهى كل منهم تعليمه العالى وفوق المتوسط والمتوسط، قررت خوض رحلتها فى القضاء على الظلام الذى لازم حياتها مذ الصغر، مختتمة: «كنت أتمنى أن أمسك الكتب وأقرأها وحدى دون الحاجة لأحد».