رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤمن سليم يكتب: التشريع بين السياسة والصياغة (2- 3)

يقول أستاذنا الدكتور حسن المرصفاوي "لم يكن القانون في يوم من الأيام مجرد نصوص مدونة وضعها أخصائيون ليطبقها أخصائيون غيرهم، وإن كان ظاهر الأمر يوحي بذلك. القانون في حقيقته؛ نتيجة تفاعلات عديدة في وقت معين على إقليم معين، تجمعت له عناصر عديدة- اجتماعية وسياسية واقتصادية- جعلت من صدوره مجرد تعبير عنها، والباحثون في أصل القانون لن يصلوا إلى حقيقته إن بنوا الصلة بينه وبين جميع الملابسات والظروف المحيطة به وقت إعداده. ولن يهتدي ممارس التشريع إلى مرامه؛ ما لم يتتبعه، راجعًا إلى وقت نشأته. ولهذا كانت العناية دائما مبذولة لتقصي تاريخ كل قانون والتطورات التي مرت به".

إذا يمتاز القانون بزمان ومكان، والهدف منه (فلسفته) وهو ما عبرت عنه المحكمة الدستورية بأن "اتصال النص القانوني عقلاً بالغرض منه هو أمر يتحدد بناءً عليه مدى دستوريته". بالإضافة إلى ما سبق فإنه يجب أن يصدر القانون بعد حوار مجتمعي ليأتي معبرا عن إرادة شعبية، فضلاً عن ضرورة الالتزام بأحكام ومبادئ الدستور، والتوافق مع الاتفاقيات الدولية، هذا من الناحية السياسية للتشريع.

أما من ناحية الصياغة فإنها تبدأ من صياغة أهداف القانون، والتى يجب أن تتم بانتقاء عبارات محددة، ومباشرة، ودقيقة، وفارقة. كما يجب أن يستند بيان المبررات والأهداف إلى إحصاءات رسمية، واستطلاعات رأي، تدعم ما ورد به، وتبرر وتعكس نوعية التدخل التشريعي المطلوب، ومداه.

بينما تنقسم صياغة القانون ذاته إلى صياغة مرنة وأخرى جامدة، وتقوم الصياغة الجامدة على أساس حرمان القاضي من سلطة التقدير عند تطبيق القاعدة القانونية، والتى لا تأخذ بعين الاعتبار ما يميز كل حالة من الحالات التي ينطبق عليها تلك القاعدة القانونية من ظروف وملابسات،حيث تعد صياغة القاعدة القانونية جامدة إذا كانت تواجه افتراضاً معيناً أو وقائع محددة وتتضمن حلاً ثابتًا لا يتغير مهما اختلفت الظروف والملابسات. لذا يجد القاضي نفسه مضطراً لتطبيق الحل أو الحكم بمجرد توافر الفرضية. فهي صياغة تحدد المخاطب بالقاعدة القانونية وتحدد الواقعة التى يكون الخطاب بشأنها وتحدد أثر الواقعة، ويكون كل ذلك بوصف منضبط لا يدع مجالا لاختلاف وجهات النظر.

أما الصياغة المرنة، فيقصد بها التعبير عن حكم القانون بألفاظ وعبارات واسعة المعنى تسمح بتغيير الحلول تبعًا للظروف والأحوال ولما يقدره القائم على تطبيق القانون. فهي التعبير عن التزام قانوني بعبارات مرنة تستخدم لتحديد صفات أو شروط أو عناصر للحق المعالج فى القانون. بالتالي يختلف مدلول هذه الصياغة باختلاف ما يندرج تحتها. ويستخدم هذا النوع من الصياغة لمواجهة حالات ووقائع لا يمكن تحديدها حصرا عند صياغة النص التشريعي، مثل تحديد الأضرار الواقعة على الآخرين ومقدار التعويض المستحق لجبرها.

ويختلف استخدام أى من الصياغة المرنة أو الجامدة باختلاف عناصر الصياغة التشريعية، والتى يرجع الفضل فى تحديدها إلى الفقيه "جورج كود" والذي حدد تلك العناصر؛ بالشخص المخاطب بالقاعدة القانونية وهو (الفاعل القانوني)، والفعل القانوني محل القاعدة القانونية، ووصف الحالة التي ينطبق عليها الفعل القانوني.

  • عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين