رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رغم التحديات الجِسام.. ما ضاع حقٌ وراءه مُطالِب

حطمت مصر كل قيود التبعية للغرب الأمريكي، وأصبحت حرة نفسها وسيدة قرارها، عندما أضاعت حلم الحزب الديمقراطي، زمن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، باراك أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ومسئولة الأمن القومي كونداليزا رايس، بإزاحة الشعب المصري كابوس جماعة الإخوان الإرهابية عن أنفاسه، وتخلصهم من ربقة حكمهم أرض الكنانة طيلة سنة كبيسة، إنزاحت خلاله ورقة التوت عن كل سوءاتهم.. وكسرت القاهرة بذلك، دائرة الفوضى التي كان أوباما وجوقته، يريدون للمنطقة بأكملها أن تقع داخلها، فخيبت مصر، بذلك، أحلامهم وأطماعهم في السيطرة على الدول العربية، عبر حلف الشيطان، الإخوان ومن في دائرتهم.. وكان بديهياً، البحث لهذه الدولة التي خرجت على الإرادة الأمريكية أن لا تهنأ بثمار نهضة بدأت في كل ربوعها، مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم،  مشروعه القومي التاريخي، لنقل مصر من مصاف الدول الفقيرة المستكينة، إلى أعتاب الدول الناهضة، الغنية بأبنائها، المستغلة لكل ثرواتها، تحقق بها رفاهية المواطن، وتنتشله من ربقة الفقر والهوان، وتضعه حيث يستحق، من الكرامة والقوة والمنعة.. فهل كان ذلك سيمر على المتربصين بمصر، دون منغصات أو عوائق تعطل مسيرتها؟.
الإجابة: لا.. لأن الدول المصرية، التي صنعت المعجزات في سبع سنوات، بنت خلالها مشاريع قومية عملاقة، وتسلحت من كل أصقاع الدنيا بأحدث الأسلحة والمعدات، وبنت منظومة صحية وتسير في ركاب أخرى تعليمية ناهضة، وبدأت تنقل مواطنيها من العشوائيات إلى التجمعات السكنية الحضارية التي تُحقق له إنسانيته، وتشعره بكرامته كإنسان مصري يستحق أن يكون بقدر دولته الناهضة الصاعدة، التي باتت تمتلك أدوات قوتها، وتحوز معطيات إنتاج الطاقة التي فاضت عن حاجتها وراحت تصدرها، وتصنع سلة غذائها بنفسها، دون الحاجة للاعتماد على غيرها، حتى بات اقتصادها يحقق ثاني معدل نمو في العالم بـ 3.6%، وأول معدل في الشرق الأوسط، طبقاً للهيئات المالية العالمية.. هذه الدولة المصرية لا يجب أن تسير في طريقها إلى نهايته، وإلا كانت قوة ضاربة، تقود من حولها، وتستعصى على القرار الغربي بعد ذلك.. فأين هو المدخل الذي يمكن لهذا الغرب أن يدخل لها منه، حتى يُعوّق مسيرتها، ويكبح جماح تقدمها؟.
إنه السد الإثيوبي، بوابة نهر النيل إلى مصر والسودان.. النهر الذي طالما حِيكت ضده المؤامرات منذ فجر التاريخ، وكان الهدف في كل مرة، تعطيش شعب مصر والسودان، وكانت الدولة الإثيوبية، هي الأداة دائماً، إلا أن الله لم يكن يُفلح الظالمين، وتخرج مصر مُنتصرة.. وهذا ما سيكون هذه المرة أيضاً.. لأن مصر اليوم، ليست هي التي كانت بالأمس.. اليوم، هي شعب قوي، وجيش رادع، وقيادة حكيمة، تتبع الهدوء المصحوب بالحزم، سبيلاً لبلوغ أهدافها وتحقيق مراميها، لأنها تؤمن بضرورة التعايش السلمي بين الشعوب، على مبدأ (لا ضرر ولا ضِرار)، وأنها لابد أن تستنفذ كل وسائل الحكمة والروية، وكل المسالك الدبلوماسية، قبل اللجوء للقوة التي تملكها.. فإذا ما دعت الضرورة، وأدركنا أنه لا منجى مما نحن فيه، إلا استخدام القوة وصولاً للحق، فإن ما يحدث وقتها، سيكون خطى كُتبت علينا، ومن كُتبت عليه خطى مشاها، بعقل وعلى بصيرة، يددعمها سلاحا الحق والقوة.
إسرائيل تستخدم إثيوبيا، وأمريكا تتخذ مواقفاً داعمة لأديس أبابا.. طبيعي أن يكون هذا.. لأن الدولة المصرية القوية، التي تحمي أمنها القومي، بخطوط حمراء، يرسمها قائدها أمام كل من يهدد هذا الأمن.. وهذه القوة الإقليمية الصاعدة بثبات، والتي باتت تمتلك ما تتفوق به على إسرائيل، درة الغرب في الشرق العربي.. جنباً إلى جنب، مع أحلام إسرائيل الدائمة في وصول مياه النيل إليها.. كلها عوامل تصطف مع بعضها، لتفسر لنا سر بيان البيت الأبيض الأمريكي، الرافض لاستخدام القوة العسكرية، من جانب مصر والسودان، حلاً أخيراً وإجبارياً، للحيلولة دون حجب إثيوبيا الماء عن دولتي المصب، بعد مباحثات دامت قرابة عشر سنوات، تحلى فيها المفاوض المصري بكل أسباب الحلم والأناة، بينما راوغت أديس أبابا كثيراً وكذبت عديداً، وذهبت للملء الأول بفقرار أحادي، وتسعى للملء الثاني على ذات الطريقة، قاطعة الطريق بذلك على كل سُبل التفاهم والاتفاق على ما يحقق مصلحة الجميع.
مصر لا تريد إلا حياة شعبها، وحقهم التاريخي في مياه النيل.. دولة تجعل من كل الخيارات مفتوحة أمام حل مشكلة سد إثيوبيا، ليس من أجل سلطة أو احتلال أو سرقة ثروات الغير، بل هي خيارات من أجل الدفاع عن الوجود واستمرار البقاء، طبقاً لميزان العدل ومعايير الإنصاف، واحترام ما نصت عليه المعاهدات التاريخية بشأن تنظيم مياه النيل بين دولة المنبع ودولتي المصب.. بينما تخالف إثيوبيا ما تعارفت عليه الدنيا بشأن الأنهار الدولية، وراحت تعلن أن النيل بحيرة إثيوبية!.. فهل تُلام مصر إذا ما سلكت ما تراه في صالح شعبها ودفاعاً عن حقوقهم، إذا ما راهنت على البقاء والوجود دون فناء الحرث والنسل، لا لشيئ إلا لأن هناك دولة تريد أن تسرق حقوقنا، ووراءها دول تريد أن تبتزنا، بعدما رأت أنها لن تقدر علينا إلا من هضبة الحبشة.. وهذا ما لن يقبله المصريون.. وفي كلام الرئيس عبد الفتاح السيسي القول المُفيد، وهو ما يطمئنني دائماً، ويجعلني أنام مطمئناً على نفسي وأهلي، واثقاً في الغد الذي سيأتي بالخير الكثير.
(المصريون صابرون وصامتون.. وخايفين على بلدهم.. وطالما المصريين خائفين على بلدهم لازم يتأكدوا أن ربنا سوف يحافظ عليها.. موضوع التفاوض خيارنا اللى بدأنا بيه، وعاوز أقولكم على حاجة عمرى ما تكلمت فيها.. العمل العدائى قبيح وله تأثيرات كبيرة تمتد لسنوات كثيرة لأن الشعوب مبتنساش ده.. المعركة بتاعتنا معركة تفاوض، وكل يوم الرأى العام العالمى، وكبار المسئولين يرون أننا نكسب أرضاً، أننا جادين في التفاوض بشكل يحقق الكسب للجميع، وكل اللى بنطلبه أمر لا يخرج عن القوانين والمعايير الدولية المعمول بها في التعامل مع هذه الإجراءات والمياه العابرة للحدود.. وبقول للناس كلها، محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، واللى عاوز يجرب يجرب، إحنا مش بنهدد حد، وعمرنا ما هددنا حد قبل كده، وطول عمرنا حوارنا رشيد جداً، وصبور جداً، لكن محدش هيقدر ياخد نقطة مياه من مصر، وإلا هايبقى في حالة من عدم استقرار في المنطقة لا يتخيلها أحد.. محدش يتصور ما هو مدى قدرتنا، عمرى ما اتكلمت كده علشان ميتفهمش أننا بنهدد حد، لكن مياه مصر لا مساس بها، والمساس بها خط أحمر، وهيبقى رد فعلنا، فى حالة ذلك قد يؤثر على استقرار المنطقة بالكامل).
هذه إرادة القيادة المصرية وسعيها للحفاظ على حق البلاد والعباد، فما أحوجنا الآن إلى التعاضد والتكاتف، والوقوف صفاً واحداً في مواجهة التهديدات، لأنها هذه المرة ـ أي التهديات ـ لا تخص فئة دون أخرى، بل إنها في مواجهة كل أبناء الشعب، دون تمييز.. والغلبة للأمة، متى توحدت صفوف أبنائها، وألقوا وراء ظهورهم كل دعاوى اليأس والإحباط التي يروجها أهل الشر وأذنابهم.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.