رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عود المياه إلي مجاريها.. أملنا جميعًا

في الوقت الذي قبلت السودان ومصر تدخلًا دوليا لحل الأزمة التي تتصدرها أثيوبيا بأسلوب لا يقبله عاقل أو حتى عدو، تصب المياه بغزارة في أثيوبيا لدرجة الغرق، وقد بنت سدًا عاليًا ذا تصميم يعوق في حالة ملئه وصول المياه الي السودان الجار المقارب لأثيوبيا، وإلى مصر الجار الابعد، والجميع يعلمون جيدًا أن ملء هذا البرج الكبير؛ معناه حجز غالبية المياه التي تعيش عليه الجارة القريبة السودان، والشريك البعيد مصر، التي لا بديل لها عن مياه النيل، والذي يتلقى كفايته بعد السودان ومن قبله السودان.
حدث شد وجذب بين مندوبي مصر، ومندوبي أثيوبيا حول قضية ماء النيل باعتبار مصر الشريك الأصيل في مياه النيل، وحدث شد وجذب حول هذه القضية من حيث آليات التفاوض قبل الملء الثاني للسد، وبالطبع لا يفوت أثيوبيا حاجة مصر ذات المائة مليون نسمة وقليلة الأمطار لمياه النيل وضرورتها في حياة الشعب المصري، لكن يبدو أن فهم الآخر لمعنى نيل مصر كمصدر حياة لشعبها تاه، فاختلطت المعاني فبدلاً من "نيلها" ذهب المعنى إلى مادة سيئة يعبر عنها بـ"النيلة" وليس نيلًا.
وهو الأمر الذي ترفضه مصر ومعها السودان، بل والعالم الملم بجغرافية المنطقة ومصدر حياة شعوبها المرتبط بماء النيل حتي نتغنى بمصر ونيلها ونقول مصر هبة النيل، والهبة ليست منحة من دولة او دويلة، بل هي منحة ربانية من خالق الجميع بما فيهم دول الجوار السودان واثيوبيا.
ولذا كان شريان حياة مصر بشعبها وارضها وكل حي من بشر او حيوان او طير تغنّى ابناؤها بنشيد مصر هبة النيل، تلك الهبة الربانية غير البشرية.
وكان المقترح هو إشراك بعض الدول المحبة للسلام والتي تقدر مصادر الحياة، وعلى ذلك تقرر ان تقوم إحدى دول الجوار وهي دولة جنوب افريقيا بإعادة صياغة البيان الذي يطمئن جميع الجوار، إلا ان أثيوبيا لا تميل حكومتها الى قبول شراكة الجيران في كأس ماء لعطش سواء كان لإنسان او حيوان أو طير او زرع، الامر الذي لا يقبله عاقل أو غريب حتي عن دائرة الجوار فبالماء حياة بكل المعاني، سواء للبشر أو لكل ما يدب علي ارض مصر ودول الجوار.
ولما كان هناك توجه أو شبه اتفاق تتصدره كل من جنوب افريقيا والولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي لإعادة صياغة بيان يؤكد صدق النوايا واقتسام المياه لكل بشر وطير ودابة علي ساحة هذه البقعة من الارض الذي عاش فيها شعبها الاف السنين قبل أن تظهر علي وجه الدنيا اغلب دول العالم الحاضر حتي أنه تم اعلان دعوة شخصيات من دول الجوار وغير الجوار مثل جنوب افريقيا وممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، ومعا يضعون اتفاق امن وامان دون عطشى او حرمان.
وحتى تعيش هذه الشعوب حياة كريمة لا ظلم لاحد ولا تسلط من جار علي جاره لسبب لم يكن هو صانعه، فالماء يفيض لحياة البشر والطير والحيوان والارض وما يعيش بالماء او في الماء دون تسلط من جانب علي آخر بنعمة ربانية ليس للبشر فضل فيها فالماء هو شريان حياة الجميع ولا مكان لاغتصاب او حرمان والا تزعزعت الشعوب وهج الطير ومات الزرع وحتما يموت البشر .
و في الاساس كان السلام هو غاية الجميع واحترام المواثيق والمعاهدات هو باب حماية الجوار وكرامة لكل ما يدب على الارض وفي القمة نفوس البشر التي كرمها الخالق ووهبها عقلا يزن الامور وعلى عقلاؤها ان يجمعوا ولا يفرقوا
أما أن ترفض أثيوبيا أو يضايقها شراكة الولايات المتحدة في هذه القضية فهو امر يثير العجب، فالولايات المتحدة بقبولها شراكة تحقيق العدالة فمن الغريب ان يضايق هذا الكيان قيادة اثيوبيا الامر الذي يثير ليس فقط العجب بل والقلق والرغبة في التفريق والخلاف، وهم مثلهم في هذا مثل اداء صغارنا عندما كنا نستخدم عبارة “ فركش فركش " أي إيقاف اللعبة حتي لا تكتمل، والعاقل لا يرضى علي دولة قديمة العهد أن ينادي فيها بعبارة فركش فركش وترجمتها "وقف اللعبة".
أتمني علي مسؤولي أثيوبيا أن يرحبوا بدول عريقة مثل الولايات المتحدة، التي لا ناقة لها ولا جمل إلا لحقن الدماء وتبادل المصالح بين دول الجوار، فاقتراح شراكة الولايات المتحدة ورئيس الاتحاد الأوربي والاتحاد الافريقي، الأمر الذي قبلته كل من مصر والسودان، لكن ومع شديد الاسف والأسي ترفضه أثيوبيا مما يثير الشك، ويوحي بسوء النوايا الذي لن تقبله دول الجوار.
فالماء حياتها، ولن تقف دول الجوار شريكة الماء والهواء دون إيجاد الحل، فهل تعود المياه إلي مجاريها حتي يراجع الرافضون الموقف قبل أن تشتعل نيران الحروب وعندها لا ينفع الندم بعد العدم لا ينصلح ما انكسر.