رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعدالدين الهلالى: التخلص من «أوصياء الدين» ينتج «١٠٠ مليون مخ يفكر ويتدبر»

سعدالدين الهلالى
سعدالدين الهلالى

حذر الدكتور سعدالدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن فى جامعة الأزهر، من استخدام جماعات وأوصياء فتوى عبارة: «من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه»، فى «استعباد» الشعب وفرض سيطرتهم وسطوتهم عليه، من خلال تقسيم هذا الشعب إلى «شيوخ» ومجموعة «تابعين» لكل شيخ. وشدد «الهلالى»، فى الجزء الثانى من حواره مع «الدستور»، على أن الوارد الصحيح عن رسول الله هو قوله: «استفت نفسك واستفت قلبك»، لذا ينبغى أن يكون كل شخص هو فقيه نفسه، بما يؤدى فى النهاية إلى إرساء مبدأ «سيادة الشعب»، وبالتالى وجود ١٠٠ مليون «مخ يتدبر ويفكر». 

كما تحدث عن رؤيته لوجود تنظيمات وتيارات دينية فى المجتمع، خاصة جماعة «الإخوان» والسلفيين، والرأى القائل باعتبار الأزهر مرجعية دينية للمسلمين، فضلًا عن تقديم مجموعة من النصائح والفتاوى الخاصة برمضان.

■ لماذا طالبتم فى وقت سابق بتعديل الباب السادس من قانون المواريث؟

- منذ وضع قانون المواريث رقم ٧٧ لسنة ١٩٤٣ لم يُعَدل، ورغم إضافة تعديلات عليه تتعلق بتشديد عقوبة الامتناع عن توريث المرأة، هناك نص لم يأت إليه أحد، وطالبت كثيرًا بتعديله، وهو المتعلق بـ«الإرث بالعصوبة السببية» فى الباب السادس من القانون.

القانون صدر عام ١٩٤٣ و«الرق» تم منعه بشكل رسمى فى ١٩٤٨، أى أن المُشرع كان له العُذر ٥ سنوات كاملة، لكن الآن فى ٢٠٢١ بعد مرور أكثر من ٧٠ عامًا على صدور القانون، ما الذى يجعلنا نبقى على هذا الباب؟ هل ما زلنا فى زمن العبودية؟

لذا أطالب مجلس النواب بإزالة الباب السادس من قانون المواريث، لأنه لا يتناسب مع عصرنا ولا يقتنع به العقل من الأساس، وعلى الرغم من ذلك، فأنا متأكد أنه لو عُرض تعديله، ستجد من يزعم بأن هذا «هدم لأحكام المواريث»، مُرددًا مجموعة من الشعارات الرنانة التى يخدع بها الناس فى هذا السياق، لذا أتمنى أن يتعلم هذا الشعب ويثقف نفسه، حتى يمثل مصدر قوة أمام كل التيارات التى تفعل هذا.

■ لكن هذه التيارات نجحت فى تشويه العلماء الحقيقيين وامتلاك سطوة على الناس.. ما تعليقكم؟

- هم فقط ينجحون فى تشويه عالم أو اثنين أو ثلاثة، مستفيدين فى ذلك من أمية هذا الشعب، لذلك، كما قلت، الحل هو تنوير وتثقيف الشعب فى الفقه الدينى ليكون حقًا لكل مواطن، عملًا بقول الله عز وجل: «من يرد الله به خيرًا يفقهه فى الدين».

كما ينبغى أيضًا على من يَفقه أكثر تعليم من يفقه أقل، بشرط أن يكتفى بتعليمه لا إدارته والسيطرة عليه، لنعيش مثلما عاش الصحابة، فقد كان كل صحابى هو فقيه نفسه، وكذلك التابعين، والإمام أبوإسحاق الشاطبى قال فى ٤ مواطن من كتابه «الموافقات»: «كل أحد فقيه نفسه»، لذلك أتمنى أن يواجه الناس أوصياء الفتوى ويذكروهم بهذه الجملة.

■ وماذا عن رد البعض على هذه الفكرة بقوله: «من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه»؟

- للأسف الجماعات وأوصياء الفتوى هم من اخترعوا اختراع: «من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه»، فهذه جملة شيطانية استعلائية فيها ازدراء بالناس، ومطالبة لهم بالتعلم من شيخ واحد وليس من كل المشايخ، بما يجعل لكل مجموعة شيخًا هو الوحيد المسئول عن الإفتاء لهم.

■ هل هذه الجملة عن رسول الله أو الصحابة؟

- بالتأكيد لا، فالذى عن رسول الله هو قوله: «استفت نفسك استفت قلبك»، لكنهم ابتدعوها من أجل تقسيم الشعب إلى «شيوخ» و«تابعين»، بدلًا من مبدأ سيادة الشعب واتفاقه على قانونه أو دستوره، فهدفهم الأساسى هو هدم الدستور والقانون لتحل محلهما مرجعيتهم البائدة.

■ هل تعتقد أن هناك فوارق جوهرية بين هذه الجماعات تمكن الناس من التفريق بينهم؟

- بداية ينبغى التعرف على الفارق بين «التنظيم» و«التيار»، فـ«التيار» يكون له شيوخ مأجورون لترويج فتوى معينة وتكوين رأى عام حولها، لكن دون تدرج هرمى تنظيمى، أما «التنظيم» فهو قائم على التدرج الهرمى التنظيمى الذى يضم رئيسًا «مرشدًا» ومرءوسًا.

أقرب مثال لذلك: التيار السلفى فى مواجهة تنظيم الإخوان اللذين أصبحا معروفين جدًا للشعب المصرى منذ عام ٢٠١٢، ورغم تخصصى، أقسم بالله ما كنت أستطيع التمييز بينهما إلا بعد حدوث شقاق بينهما عقب وصولهما إلى الحكم فى هذه السنة، فبعدها كل منهما فقد الثقة فى الآخر، ما أثار استغراب المصريين وجعلهم يقولون: «إيه اللى حصل ما أنتم طول عمركم (تيار دينى)؟».

وقتها عرف الجميع الفارق، فالسلفيون كل ما يهمهم هو الفتاوى: الغناء، والنقاب، والبدعة، والمنبر ذو الثلاث درجات، وتربية اللحية، وغيرها من الشكليات، لكن «الإخوان» عرفنا أنهم «لا فى دماغهم دين ولا رضا ربنا»، لكن الرغبة فى السيطرة على الناس ونيل السلطة، لذا كنا نرى السلفيين يقولون: «إحنا مش تنظيم»، رغم امتلاكهم مساجد على مستوى الجمهورية تابعة لـ«الجمعية الشرعية».

والحقيقة أن وجود تيار أو تنظيم دينى هو شقاق للمجتمع وهدم لسيادة الإنسان، مثلما قال سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمة كلها جسارة وقوة وثقة وإيمان ويقين: «أنا مسلم وبس.. لا أنا إخوان ولا هبقى إخوان.. ولا أنا سلفى ولا هبقى سلفى.. أنا مسلم وبس».

وفى ذلك يقول الله تعالى: «ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إننى من المسلمين»، وكلمة «المسلم» بَين النبى الكريم المقصود بها عندما قال فى مسند أحمد بسند صحيح عن أبى هريرة: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم».

■ فى حديثكم كررتم عبارة «سيادة الناس» أكثر من مرة.. ما الذى تقصدونه بها على وجه التحديد؟ 

- أقصد بها اعتبار أن الشعب كله «نُخبة»، مستشهدين فى ذلك بنهج النبى، صلى الله عليه وسلم، الذى نجح خلال ١٠ سنوات فى جعل أهل المدينة كلهم شعبًا واحدًا، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا أو مشركين.

وأريد الإشارة هنا إلى ما ورد فى صحيح مسلم عن أسامة بن زيد، أن سيدنا النبى كان يركب دابته ومر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود والنصارى والمشركين عبدة الأوثان، فسلم عليهم. هل قال النبى الكريم مثلًا: «إزاى المسلم يقعد مع دول؟!». بالعكس سلم عليهم النبى جميعًا، وجعل المدينة كلها شعبًا واحدًا، وكل واحد يتحمل مسئولية اختياره للدين الذى يتبعه، وبالتالى عمل على «تسييد» أهل المدينة كلهم، لذا كانوا يدًا واحدة ولم تحدث بينهم أى فرقة.

لو «سيدنا الشعب كله ووحدناه»، وأعطينا المسيحى حقه، وكل واحد اختار دينه وملته بينه وبين ربنا، هنا الشعب سيتحول إلى يد واحدة، وسيكون سندًا للحكومة، لأنه هو الذى سيأتى بها باختياره الحر، لكن طول ما هناك أمية وعدم سيادة للشعب ستكون هناك جيوب للطعن فى الإدارة. 

وبالتالى وبناءً على هذا كله، لو سَيد خطابنا الدينى البشر، ولم يسحب من تحتهم هذه السيادة، وخلصنا من سيطرة وسطوة أوصياء الدين والفتوى، سيحب هؤلاء البشر الدين ويقبلون عليه، لأنهم سيجدون أنفسهم فيه، وسننتفع حينها بـ«١٠٠ مليون مخ يفكر ويتدبر»، بدلًا من ندرة «الأمخاخ التى تهدم المجتمع» حاليًا.

■ كيف ترى إذن القول بأن الأزهر الشريف هو مرجعية دينية فى مصر؟ هل يتعارض هذا مع مفهوم «السيادة»؟ 

- هل الأزهر وكيل الله فى الأرض؟! هل ترى أن الأزهر ممثل الدين فى الأرض؟! هل ترى أن الأزهر المتحدث الرسمى عن الله فى الأرض بالشريعة الإسلامية الخاتمة؟.. هذه أسئلة نحتاج إلى إجابة عنها، فلو كانت كذلك، فليأتنى من يقولها بنص قرآنى أو نبوى يلزمه.

الأزهر أنشئ فى عام ٣٨٥ هجرية الموافق ٩٧٢ ميلادية، وسيدنا النبى توفى عام ١١ هجرية الموافق ٦٣٢ ميلادية، أى أن تأسيس الأزهر جاء بعد وفاة الرسول بأكثر من ٣٠٠ سنة، إذن هل كان الرسول أو الصحابة يعلمون بنشأة الأزهر؟!

والجامع الأزهر أنشأه الفاطميون لتدريس الفقه ونشر التعليمات الرسمية، واستمر اسم «الجامع» إلى يومنا هذا، وهو وصف سياسى، ولو أردنا أن نصفه دينيًا نقول «المسجد»، فهل الأزهر أعلى مكانًة من المسجد الحرام أو الأقصى أو المسجد النبوى؟

الهدف الذى أنشىء من أجله الأزهر لم يعد متحققًا، فالحضارة تطورت وأصبح رئيس الدولة يعلن قراراته عن طريق الجريدة الرسمية وفى الفضائيات والإذاعة، لذا يجب أن نستوعب هذا المعنى، ويعود اسمه إلى «مسجد الأزهر»، ويؤدى وظيفته الأساسية وهى الصلاة.

ولا أحد ينكر أن الأزهر تطور، ومن مظاهر هذا بدؤه فى تدريس المذهب الشيعى، رافضًا أن يُحتكر من مذهب واحد، وقدم الفقه بتعددياته وكأنه يريد أن يقول للعالم أجمع: إياكم أن تتعبدوا رأيًا بعينه، فكل الآراء آراء بشرية ونقدمها لكم بكل أمانة، واستمر فى أداء رسالته التعليمية السامية الراقية تلك، بمنتهى الحرية إلى يومنا هذا، وبإذن الله إلى قيام الساعة سيظل مؤسسة علمية، لذا نص الدستور على أن الأزهر «هيئة علمية إسلامية».

وتمكن محاسبة الأزهر فقط عندما يخون أمانته العلمية، وحاشاه ذلك، لأنه قائم على الأمانة العلمية الكاملة إلى يومنا هذا، ويعطى الحق لكل الدارسين فى قراءة ودراسة المذهب والمذهب الآخر، والرأى والرأى الآخر، فتجد أنهم يدرسون مناهج ومذاهب الأشعرية والماتريدية والمعتزلة، إلى جانب فقه الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية، كما أنه يعطى الحق لكل باحث ماجستير أو دكتوراه فى أن يبحث حسب المتاح من مراجع موجودة، ثم يبدى رأيه دون تدخل فى رأيه، فهل هناك عظمة أكثر من ذلك؟! أعتقد أن من يقول غير هذا «يزايد».

هذه مُدخلات الأزهر إذن، وأتمنى خروج مخرجاته الناتجة عن هذه المدخلات إلى المجتمع، ويمكن تحقيق هذا بالنص من خلال قانون ملزم على أن الفتوى والرأى يصدران عن الباحث الدينى كل فى تخصصه، فمثلًا لا يصح للفقيه الحديث فى التفسير، ولا يصح للمُحدث أن يتكلم فى الفقه. أتمنى النص على ذلك، مع محاسبة الأزهر نفسه لمن يتحدث فى غير تخصصه من أبنائه، ولو كان رئيس جامعة وليس عميد كلية، فكيف يخرج إلى المجتمع ويتكلم فى غير تخصصه؟! لماذا فى خطابنا الدينى لا نحترم التخصص، ونقول وظائف مرسلة، مثل: «أستاذ فى الأزهر»، لماذا لا نقيده بتخصص محدد ونقول: «أستاذ الفقة فى الأزهر» مثلًا؟

■ ما نصائحكم للصائمين فى رمضان؟

- «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أيامًا معدودات فَمَن كَان منكُم مَريضًا أو عَلى سَفر فعِدة مِن أيام أُخَرَ وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون».

ويقول الله أيضًا: «شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون».

إذن صيامنا ليس «بدعة» وإنما صيام كل أهل الملل السماوية، وكأن الله يأخذ بأيدى الشباب غير المتعودين على الصيام بقوله لهم: «عودوا أنفسكم على الصيام فقد سبقكم به كل الأمم السابقة».

والصيام سيعود على الجميع بالنفع الصحى، وكذلك الإيمانى من خلال التقوى «لعلكم تتقون»، ومعنى التقوى هى الالتزام بالأصول المرعية، بمعنى أن أصوم بما ينبغى أن أصوم، وليس بالفتوى التى تقال، فالفتوى رأى أسمعها وأتعلم منها.

فمثلًا نسمع فتوى بأن «البخاخ يفطر»، فأقول أين النص القرآنى أو النبوى الذى يقول ذلك؟... الحقيقة لا يوجد، فالنص القرآنى قال: «وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل»، أى أن الصوم يتضمن منع الأكل والشرب، إلى جانب منع جماع الزوجة، لقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ».،

■ لكن البعض يقول إن البخاخ مثل الأكل والشراب؟

-من قال ذلك فهذا فهمه، وغيره قال إن البخاخ ليس أكلًا أو شربًا، لكنه يوسع الشعب الهوائية للتنفس، فهل أخذ قدر من الهواء يفطر؟!!.. إذن البخاخ لا نستطيع الجزم بأنه مفطر، وعلى أوصياء الفتوى أن يأتونا بدليل على غير ذلك. 

وهناك أيضًا من يقول إن الحقنة الشرجية والشطاف وقطرة العين أو الأذن تفطر، وعندما تسألهم عن السبب يقولون: «أصلهم زى الأكل»، فهل من المنطقى أن يكون الشطاف والحقنة الشرجية وكل هذا مثل الأكل؟... الحقيقة لا أعرف لماذا يريدون أن يلغى الناس عقولهم... لا مُفطر إلا الذى قال عنه الله- عز وجل-، وهو الأكل والشرب والرفث إلى النساء، حتى «القبلة» لا تعد مثل «الرفث» ولا تفطر.

إسلام أبوالمجد