رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثلاثون عامًا في خدمة الأيتام.. «بابا جمال» يُغادر الحياة

قبلة على يد أبو الأيتام
قبلة على يد أبو الأيتام قبل رحيله

ثلاثون عامًا قضاها الرجل بين جُدران صنعت الأمان من بعد خوف لصغيرات أتينه رضيعات، فتركهُن ربات بيوت.. ترك الأضواء ليذهب بعيدًا إلى هذا المكان، ليبني فيه مستقبلًا لـ«بناته»، ويُمهد لهُن الطرقات ليُكملن المسير إلى أحلامهن.. هُنا قضى «بابا جمال» ثلاثة عقود من عمره قبل أن يرحل عن عالمنا مُطمئنًا على بذرة زرعها، فأنبتت.. وتُثمر الآن.

في العام 1992، قرر حكم كرة القدم الدولي جمال الدين عطية، والذي كان يشغل منصب مدير بنك التنمية والائتمان الزراعي، أن يتفرغ للعمل الاجتماعي، من خلال جمعية السيدة نفيسة لرعاية الأيتام، وهي الأولى من نوعها لرعاية الفتيات المعثور عليهن في حلوان، والتي تستقبل الصغيرات منذ أيامهن الأولى في الحياة، وتتولى رعايتهن، حتى زواجهن.

الراحل جمال الدين عطية

سنوات العمر التي قضاها في مهمته الإنسانية، كرس حياته وأسرته فيها، من أجل خلق عالم جميل للفتيات.. «ثابر واجتهد، وأحب بناته، واتخذهن أسرة، فعاملنه كأب أصبح ملاذهن، وأصبحن بناته.. كان شديد الصرامة، كثير الحب.. تذهب إليهم في مكانهم، فتجد أسرة مكونة من فتيات وأبيهم، حتى أن الموظفات أصبحن أمهات للفتيات، وأبناء لـ بابا جمال».. كتبها هاني نوح، أحد أبناء حلوان، عن الفقيد.

الحالة التي خلقها الرجل بين الجدران المكان، تحتاج لدراسة ـ وفقما يقول نوح ـ فأب هذه الأسرة، منح حنانًا لصغيراته، وعوضهن ما حُرمن منه في الحياة، وجعل لهن واقعًا جميلًا بدأ منذ أتينه صِغارًا، بعضهن لم يبلغ عمرهن وقتها سوى أيام قليلة، ورعاهن وأحسن تعليمهن في مراحلهن الدراسية، وحتى زواجهن.

24 فتاة زوجتهّن الدار، بينما الأخريات يتلقين تعليمهن في المراحل التعليمية منذ التعليم الابتدائي، حتى الجامعي.. كان «بابا جمال» يعرفهن جميعًا، ويقضي سنوات عمره في رعايتهن.. لكن المهمة لم تنتهِ هُنا، وأضاف مبنى آخر للجمعية ليرعى الأيتام والمُسنات في حلوان، شُيد على 11 طابقًا، وضم 60 غرفة، وضم عيادتي كشف وعلاج طبيعي، وصالة ألعاب رياضية، وقاعة احتفالات، ومُصلى.

جانب من حفل تكريمه قبل الرحيل

أدى «بابا جمال» مهمته، وترك من خلفه دارًا آمنة؛ لمن حُرِموا دارهم.. 30 عامًا قضتها الروح في رحلتها لخدمة الأيتام، قبل أن تستريح في ساعات رمضان الأولى، مُغادرة الحياة، لتنتهي حكاية الرجل، وتبدأ حكايات من الأمل زرعها قبل رحيله.