رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زئير إيران.. وصريرها!

 ماجد حبته
ماجد حبته


مواقع ومنشآت إيرانية حساسة تعرضت لهجمات إلكترونية عديدة، وعلماء إيرانيون كثيرون تم اغتيالهم، ولم يكن استهداف منشأة «نطنز» النووية، أمس الأول الأحد، إلا تأكيدًا جديدًا على أن إيران، التى تستأسد على الإيرانيين والعرب، تتحول إلى فأر مبلول أمام الإسرائيليين والأمريكيين، كما ذكّرنا الحادث، أيضًا، بأن «فيلق القدس»، التابع للحرس الثورى الإيرانى، لا يمكنه الاقتراب من القدس، أو من أى مكان آخر داخل الأرض العربية المحتلة.
الهجوم الإلكترونى، الذى وصفته السلطات الإيرانية بأنه «إرهاب نووى»، حدث بعد ساعات من إعلان الرئيس الإيرانى حسن روحانى عن دخول أجهزة طرد مركزى جديدة إلى الخدمة، تتيح تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر. ومن تغريدة كتبها النائب مالك شريعتى نياسر، المتحدث باسم لجنة الطاقة فى البرلمان الإيرانى، عرفنا أن الهجوم «وقع فى اليوم الوطنى للتكنولوجيا النووية». وأمس الإثنين، اتهمت الخارجية الإيرانية، إسرائيل بالوقوف خلفه، وتعهّدت، كالعادة، بالرد عليه، فى الوقت والمكان المناسبين.
تقع منشأة نطنز، فى صحراء محافظة أصفهان، وسط البلاد، وهى محور برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، ومعظمها يقع تحت الأرض، وتخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونقلت جريدة «نيويورك تايمز» عن مصادر مخابراتية أن الهجوم دمر بشكل كامل نظام الطاقة الداخلى الذى يزود أجهزة الطرد المركزى، وأن إيران قد تحتاج إلى ٩ أشهر حتى تتمكن من إعادة تخصيب اليورانيوم فى المنشأة. كما نقلت هيئة البث الإسرائيلية «كان» عن مصادر مخابراتية، أن جهاز المخابرات الإسرائيلى «الموساد» شن هجومًا إلكترونيًا على المنشأة. والمعلومة نفسها نقلتها «القناة ١٣» الإسرائيلية، عن مصادر مخابراتية غربية، أكدت أن الموساد قام بتنفيذ عملية تخريبية ناجحة أحدثت أضرارًا جسيمة فى قلب مشروع التخصيب الإيرانى.
وكالة أنباء «فارس»، التابعة لـ«الحرس الثورى»، كانت أول من أذاع الخبر، نقلًا عن بهروز كمالوندى، المتحدث باسم منظمة الطاقة النووية الإيرانية، الذى أبلغ الوكالة بـ«انقطاع التيار الكهربائى» بالمنشأة المحصنة. وفى وقت لاحق، قال كمالوندى، عبر التليفون، للتليفزيون الحكومى إن الحادث لم يسفر، لحسن الحظ، عن وفيات أو إصابات أو «تلوث إشعاعى»، فى حين ذكرت وسائل إعلام إيرانية أن «كمالوندى» نفسه أصيب بكسر فى رأسه وساقه!
خلال مؤتمر صحفى عقده فى طهران، قال سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إن الحادث يمكن اعتباره «عملًا ضد الإنسانية»، واتهم إسرائيل بمحاولة إفشال المباحثات الجارية فى فيينا الهادفة إلى إحياء الاتفاق الخاص بالبرنامج النووى الإيرانى، الذى وقعته إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، سنة ٢٠١٥، وانسحبت منه إدارة السابق دونالد ترامب فى ٢٠١٨، إذ كانت تلك المباحثات قد بدأت الثلاثاء الماضى وانتهت الجمعة، ومن المقرر أن تعود الوفود المفاوضة غدًا الأربعاء، إلى فيينا، لاستكمالها. واستباقًا لذلك، قال عباس عراقجى، كبير المفاوضين الإيرانيين، إن الأنشطة النووية الحالية «لن توقف ولن تنخفض» ما لم ترفع الولايات المتحدة كل العقوبات التى فرضتها الإدارة السابقة.
بفيروس إلكترونى معروف باسم «ستكسنيت»، قيل إن الولايات المتحدة وإسرائيل قامتا بتطويره، تم استهداف منظومات التحكم التابعة للمنشآت النووية فى العاصمة طهران، فى سبتمبر ٢٠١٠، وفى السنة نفسها، اغتيل عالمان بتفجير سيارتيهما: مسعود على محمدى، عضو فريق تطوير البرنامج النووى الإيرانى، ومجيد شهريارى، الذى لعب دورًا مهمًا فى أحد أكبر المشروعات النووية فى البلاد، و... و... و... وفى يوليو الماضى كانت منشأة نطنز، أيضًا، هدفًا لهجمات إلكترونية، دمرت مختبرًا كان يتم استخدامه لإعداد أجهزة الطرد المركزى المتقدمة. ووقتها، وصفت الحكومة الإيرانية الحادث بأنه محاولة لتخريب البرنامج النووى للبلاد.
مكان النقاط، فى الفقرة السابقة، أسماء علماء كثيرين عجزت السلطات الإيرانية عن حمايتهم، واكتفت بتوجيه الاتهامات إلى إسرائيل أو الولايات المتحدة، كان أحدثهم محسن فخرى زاده، الذى تم اغتياله أواخر نوفمبر الماضى، وكان يوصف بأنه عقل البرنامج النووى الإيرانى، واتهم الرئيس الإيرانى، حسن روحانى، إسرائيل باغتياله، وتعهد بالرد فى الوقت المناسب.
فى كتابه «جواسيس غير مثاليين»، ذكر يوسى ميلمان، محرر الشئون الأمنية والمخابراتية فى جريدة «معاريف»، أن الاغتيالات من أصعب القرارات التى تتخذها المخابرات الإسرائيلية وتخضع لحسابات معقدة تزن تكلفة الاغتيالات بالمنفعة وبما قد يترتب عليها من أضرار. وأشار، مثلًا، ضرب إلى أن «الموساد» كان أمامه أكثر من فرصة للقضاء على حسن نصر الله، منذ أن سيطر على حزب الله اللبنانى، لكن هذه الحسابات المعقدة حالت دون ذلك!
المعادلة نفسها، معادلة المنفعة المتحققة والضرر المحتمل، يمكن تطبيقها على استهداف المواقع والمنشآت الحساسة، إذ لم يكن الإسرائيليون سيهاجمونها أو سيقتربون منها، لولا إدراكهم أن الزئير الإيرانى يتحول، وقت الجد أو الفعل، إلى صرير: صوت الفأر، الذى يعلو حين يكون مبلولًا، أو خلال موسم التزاوج!